جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 09:24 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تغيير آليات الخطاب الديني لتحقيق التنمية المستدامة

د. عمر محمد الشريف
د. عمر محمد الشريف

لا شك أن سير الدول نحو التنمية المستدامة أمر مرهون باستقرار المجتمعات، وإن هذا الاستقرار يتناسب طرديا مع نمو الوعي لدى أفراد المجتمع بمهماتهم وواجباتهم التي تفرض عليهم مواطنتهم الاضطلاع بها.

ولا شك أيضا أن من لوازم نمو الوعي الجمعي لدى الأفراد أن يكون الخطاب الموجه إليهم خطابا واعيا بما يفرضه الوقت وما تفرضه طبائع النفوس وما تميل إليه وتقبله وما تنفر منه وترفضه، سواء كان هذا الخطاب وطنيا توعويا أو سياسيا أو تعليميا أو دينيا.

وقد قدم الدكتور أحمد خميس شتية مدرس الدراسات الإسلامية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة دمنهور، بحثا مهما بعنوان "تغيير آليات الخطاب الديني ضرورة باتت ملحة لتحقيق التنمية المستدامة"، خلال مؤتمر "العلوم الإنسانية ودورها في التمنية المستدامة واستشراف الوطن"، الذي أقيم بجامعة دمنهور في ٢٨ و٢٩ سبتمبر .

وقد عرض البحث على لجنة التحكيم المكونة من أد.محمد الشنواني بجامعة الأزهر، أد.حسن خطاب رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة المنوفية، أد.صابر أبو زيد بجامعة جنوب الوادي، أد. رانيا نظمي أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بآداب دمنهور، وقد اجازته اللجنة وأثنت عليه.

يقول الدكتور أحمد شتية في ملخص بحثه: إن الخطاب الديني يأتي في صدارة المؤثرات التي تذكي الوعي وتشحذ همم الأفراد نحو أداء مهماتهم، لأنه الخطاب الذي يخدم العقيدة التي ترتبط بها النفوس والتي تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوك الأفراد، فمن هنا كانت أهمية الخطاب الديني ووجاهتُه في توجيه المجتمع .

وإن المجتمع المسلم يعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من قصور في الخطاب الديني، يعكس ذلك هذا المد المتطرف الذي صار مجتاحا لأوساط الشباب، والظاهر في سلوكياتهم وقناعاتهم، ويتمثل هذا القصور في الخطاب الديني في عناصر ثلاثة هي :

1- اقتصاره على المنابر .

2- اقتصاره على الوعظ .

3- خلوه من الفكر العميق أو التعرض للإشكاليات .

وإن العناصر الثلاثة سالفة الذكر أفسحت المجال للمناهج والمذاهب والأفكار المتطرفة على إطلاق كلمة ( تطرف ) بكافة معانيها وما تحتمله ، أفسحت لهم المجال لبث أفكارهم في قوابل جمهورهم الذي لا يجد لديه إجابة عن أي مما يلقى إليه.

وتجدر الإشارة إلى أن التطرف – كفكر – انتشر وتوغل في النفوس بآليات اختلفت إلى حد كبير عن آليات الخطاب الديني التقليدية، ففي الوقت الذي اعتمد الخطاب الديني على الشكل النمطي من الترغيب والترهيب وخلا من الفكر العميق كما سبق الذكر، كان التطرف يتوغل في عقول من صرف إليهم جهده وهم الشباب ، كان يتوغل سريعا لأنه درس الآليات التي تفلح مع الشباب فدلف إليهم منها، وهي باختصار :

- الوعي بطبيعة الخطاب الديني السائد واستغلال وجوه التقصير فيه .

- دراسة سبل وقنوات الوصول للشباب الذين هم الفئة او القطاع العريض المستهدف بالخطاب .

- الإفادة واسعة النطاق من المواد الإعلامية المصورة، وأكبر مثال على ذلك قنوات اليوتيوب .

- الإفادة واسعة النطاق كذلك من وسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق نشر الفكر المراد الترويج له مكتوبا أو عن طريق ترويج المقطاع المسجلة .

وإننا حين نتكلم عن الفكر المتطرف فإننا لا نقصد به الفكر المتشدد فقط، بل إن هناك جانبا آخر لا يقل في خطورته عن الفكر المتشدد ، ويستخدم نفس الآليات، وهو الفكر الداعي للتحلل والإلحاد الذي بات ظاهرة منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، زد على ذلك توجها آخر يحمل مسمى (التنوير) يصرف أصحابه جهدهم لتسليط الضوء على المساءل الخلافية والإشكالات الفقهية، ويتبعون ما تشابه من النصوص بنوايا واضحة المرامي .

وإن هذه الاتجاهات تسلك نفس المسلك، وتستغل حالة الفراغ الفكري التي تعاني منها قطاعات كبيرة من الشباب في ترويج أفكارها، وهنا مكمن الخطر، فلقد كان لطبيعة الخطاب الديني وما ينتهجه من منهج مقتصر على القوالب الوعظية النمطية كان له أكبر الأثر في سرعة انتشار هذه الأشكال غير المستقيمة من الفكر، الأمر الذي يستلزم حملات يكون لها منهج وخطة واضحة في مجابهة الفكر بالفكر المضاد.

وإن الخطاب الديني المستنير لركن ركين من أركان التنمية، وإن صحت منهجيته فإنه خير معاون لأبناء الوطن الواحد على إحداث التغيير بل والتغيير المستديم، ذلك لأن الخطاب الديني الذي يحمل المفاهيم الصحيحة للدين بسماحته ومقاصده، ويناقش الشبهات ويرد عليها، ويدعو الشباب إلى لزوم أخلاقيات الدين هو من أكبر عوامل هدوء الداخل، الذي يؤدي بدوره إلى استقرار المجتمع ثم الانطلاق نحو التنمية، لأن المجتمعات المضطربة لا ينتظر منها أن تتقدم طالما كانت منشغلة بإصلاح أسباب اضطرابها.

هذا وإننا نلمح على الأرض تحركات نحو تغيير آليات الخطاب الديني، وجهدا حثيثا من الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الأوقاف والأزهر الشريف والإفتاء، ويتجلى ذلك في الفترة الأخيرة في الحرص على:

ضبط المفاهيم والاستخدام الدعوي للإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي والقوافل الدعوية التي تجوب البلاد وتحجيم الخطاب المتطرف وغير ذلك.