جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 09:59 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

خاص… «فورين بوليسي » البشير ليس حسني مبارك وخياراته محدودة

احتجاجات السودان
احتجاجات السودان

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحفية السودانية المقيمة في لندن" نسرين مالك" ، تناولت فيه الانتفاضة السودانية ضد حكم الرئيس عمر حسن البشير.

وتقول مالك إن الانتفاضة الحالية تضم قطاعات المجتمع السوداني كله، وقد تؤدي إلى الإطاحة بالنظام كاملا، وتحت عنوان "هذه هي الانتفاضة التي طالما خاف منها الديكتاتور السوداني الإبادي" في إشارة للرئيس البشير المتهم بارتكاب جرائم الحرب. 

وتشير مالك في مقالها الذي طالعتة وترجمتة 'الديار' إلى أن المواطنين السودانيين وفي مختلف مدن البلاد، بما فيها العاصمة الخرطوم، يقومون بالتظاهر ضد نظام عمر البشير وحكومته، وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها البشير التظاهرات، إلا أن التظاهرات الحالية مختلفة؛ لأنها تعكس مختلف قطاعات المجتمع السوداني، وجاءت نتاجا تنظيم خطط له واندفاع عاطفي، وتمثل تهديدا على النظام.

وتلفت مالك إلى إن "هناك أرضية تاريخية طويلة وقصيرة للاحتجاجات، فالتاريخ الماضي يمتد على مدى ثلاثين عاما، فقد وصلت حكومة البشير إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري عام 1989، وبهذا الاعتبار فهي الموضوع الرئيسي للمجتمع السوداني، خاصة أن مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والعسكرية والاقتصادية كلها سخرت لتمكين النظام البقاء في السلطة، والتأكد من احتكاره لوسائل الابتزاز الاقتصادي. 

وتشير مالك إلى أن الوحشية والإهمال كانا وسيلتي البشير المفضلتين، بالإضافة إلى سياسة الأرض المحروقة لكل شكل من أشكال المعارضة أو التعبير عن المظلومية، أيا كان المعارضون، المهمشون في دارفور، أم العاملون في الصحافة في الخرطوم، وفي الوقت ذاته تجاهلت الحكومة مساحات واسعة من السودان ومؤسساته، ولم يتم استثمارها، وتركت لتنهار من الإهمال، ويحمل المتظاهرون، الذين لا يتذكر الكثيرون منهم انقلاب عام 1989، على أكتافهم عبء ثلاثين عاما من النهب المستمر للدولة. 

وتبين مالك قائلةهذاهو التاريخ الطويل، أما القصير فهو اقتصادي بالضرورة، ففقدت الحكومة السيطرة على المواد الأساسية، وخلال العام الماضي، زادد التضخم في البلاد بمعدلات عالية جعلتها في المرتبة الثالثة في العالم، وبدا النقص في المواد الأساسية واضحا، في البنزين الطوابير الطويلة التي كانت تمتد بشكل منتظم أمام محطات الوقود، وما هو أكثر حرجا نقص الأموال من المصارف، وأدى رد الحكومة على الأزمة الأخيرة إلى حالة من الفزع بين المواطنين، خاصة أن تحديد المبلغ المسموح به من آلات الصرف الألي والحسابات المصرفية أدى إلى إغضاب الطبقة السودانية المتوسطة التي لم يستطع أفرادها سحب رواتبهم.

وتابعت مالك بالقول أن الحلول الممكنة للأزمة تعتمد على المنظور الذي يتبناه الشخص، وإن كان قصير أو طويل الأمد، ولأن الإحباط السوداني الحالي نشأ من تاريخين فإنه غذاهما معا، فهناك حاجة ماسة للخبز والبنزين والنقد والعلاج الصحي، وفي الوقت ذاته فإن هناك حاجة لاستعادة الكرامة والعزة الوطنية من الحكومة التي لم تعد قادرة على منح أي منهما.

وتفيد مالك بأن نظام البشير ليست لديه مساحة للمناورة كما في الأزمات، وحتى قبل أن يتوصل إلى تشكيل رد، فمنذ انفصال الجنوب عن الشمال عام 2011 خسر البشير الثروة النفطية، بالإضافة إلى معاناته من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عام 1997، التي أدت إلى عزلة السودان اقتصاديا، وزاد من العزلة، بل جعل السودان دولة منبوذة، اتهام محكمة الجنايات الدولية البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وأصبح السودان يعتمد على عدد قليل من الحلفاء الإقليميين المزاجيين، مثل السعودية التي لا تعطي إلا بشرط الولاء الكامل وتذكر مالك ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مشاركة السودان بحوالي 14 ألف جندي سوداني للقتال في اليمن، ووضعوا تحت إمرة القيادة السعودية التي تدير المعركة عن بعد، ولا تريد وضع جنودها على الجبهة.

 

وتوضح مالك أن مشكلات الحكومة المالية نابعة من رعايتها لشبكات داخلية، مثل الجيش والشرطة وقوات الرد السريع، ومليشيات غير رسمية مثل سيئة السمعة الجنجويد، التي حلت بعد انتهاء أزمة دارفور، وظهرت ثمار الأستثمارات الحكومية في هذه القوى من خلال القمع السريع للمتظاهرين، فالقوى المتعددة الأزياء تقوم بالدخول في صفوف المتظاهرين، وتطلق الرصاص الحي عليهم، وتعتقل الناشطين والصحفيين ورموز المعارضة. 

وتلفت مالك إلى أن هناك البعض اختفى، حيث تم نشرت عائلات صور أحبائها على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لتحديد أماكن وجودهم، وحتى الآن قتل 40 متظاهرا، ومع ذلك لم يستطع قمع الدولة وقف زخم التظاهرات.

وتوضح مالك أن الوضع الاقتصادي أدى إلى تحطيم العلاقة الصامتة بين الدولة والنخبة، وطالما ظلت هناك طبقة سياسية في البلد قادرة على الازدهار أو حتى النجاة، فإن حالة الإحباط التي يعاني منها المجتمع المسحوق تظل غير كافية لإشعال حركة احتجاج شاملة، ومع ذلك فإن حالة الشلل الاقتصادي دفعت العاملين في المكاتبوالمناصب الإدارية أصحاب الياقات البيضاء للاختلاط مع الطبقات العاملة، والوقوف في طوابير الدعم. 

وتشير مالك إلى إن البشير كان في السنوات الأولى من حكمه قادرا على دمج أو دفع أعضاء في المعارضة والمجتمع المدني للتعاون، من خلال منحهم مناصب في الحكومة، أو فرص للإثراء، إلا أن عجزه عن منح فرص قد يكون قاتلا هذه المرة. 

وتستدرك مالك بأن بخل البشير يبدو عندما يتعلق بالسلطة الحقيقية، التي لا يمنحها لأحد، فلا يوجد رمز داخل حكومته يستطيع التقدم والسيطرة في وقت يتم فيه التفاوض على عملية انتقال سياسي سلمية، فلم يكن هناك رجل عسكري قوي قادر على إجبار حسني مبارك على الاستقالة، أو تسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال. 

وتشير مالك إلى أن المعارضة التقليدية الممثلة بصادق المهدي أفل نجمها، وصارت بعيدة عن المزاج العام، وتعاني المعارضة الجديدة من تشرذم، ومن هنا يفهم أن استمرار حكم البشير نابع من الفقر الواضح في المشهد السياسي، وخنق أي رؤى تحاول بناء مستقبل للسودان.

 

وتذكر مالك أن البشير لا يزال يعتمد على الإسلام لخدمة مصالحه، ولا يزال يقدم حكومته على أنها حكومة الشريعة، مع أنه تخلى عن المظهر الديني منذ وقت طويل، وأحبط البشير حركات الاحتجاج الإسلامي، مثل الإخوان المسلمين، التي قادت حملات التعبئة ضد الديكتاتورية في الشرق الأوسط. 

وتلفت مالك إلى إن الملمح اللاحزبي للتظاهرات جعلها أكثر انتشارا، ثم دخلت إليها قطاعات المهنيين الذين ساهموا في التنظيم، وهذا التنوع يعطي التظاهرات قوة أكثر، وربما قاد الفراغ إلى بقاء البشير في السلطة أو لفظه منها، وظل السودان في الصورة العامة بلدا خاملا وساكنا، وجمدت العقوبات الأمريكية التي عزلت السودان عن بقية العالم صورة السودانيين، بصفته شعبا يعاني من حكومة قمعية، لكن الصورة خادعة، فالتاريخ السوداني قبل وصول عمر البشير، ومنذ تسلمه السلطة، تشير إلى أن السودان شهد عمليات اعتقال وتعذيب وقتل، ودفع المزيد من السودانيين إلى المنفى. 

وتنهي مالك مقالها بالقول إن هذه هي الانتفاضة الأخيرة في تاريخ الرفض السوداني ضد حكومة تريد أن ترسل رسالة عن غياب البديل عن حكمها، وما هو واضح هو أن النظام لم تعد أمامه خيارات.