جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 05:53 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«فورين بوليسي » موت ”شاهرودي “يعيد تشكيل الخلافة في إيران ويخلق مزيد من عدم الاستقرار في البلاد

صورة الديار من تويتر
صورة الديار من تويتر

 

 تناولت مجلة فورين بوليسي في عددها الأخير ما اسمته تداعيات وفاة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، آية الله "محمود هاشمي شاهرودي" وقالت تلك الداعيات لن تكون سهلة على النظام في طهران.

وتضيف المجلة في تقريرها الذي طالعتة وترجمتة" الديار " أن القيادي الإيراني كان أحد أبرز المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الأعلى "علي خامنئي"، رغم مجهوليته خارج إيران، مقارنة بأقرانه من رجال الدين المثيرين للجدل.

ولد "شاهرودي" عام 1948 في مدينة العراق لأبوين إيرانيين وهو نسب ليس غريبا بين النخبة السياسية في إيران، ويعد الأخوين "لاريجاني"، اللذان يرأسان السلطة التشريعية والقضائية أبرز من يمثله اليوم ودرس في ظل المدرسة الدينية الرائدة في مسقط رأسه بمدينة النجف، متشربا العقيدة الروحية لحزب الدعوة، وآية الله العظمى "محمد باقر الصدر"، كما تأثر بدرجة أقل بـ "روح الله الخميني" الذي اصبح المرشد الأعلى الإيراني فيما بعد.

 وفي عام 1974، قام نظام البعث العراقي بسجنه وتعذيبه ضمن حملة قمع واسعة النطاق ضد رجال الدين الشيعة، وبعد أن حارب "صدام حسين" إيران، ترأس "شاهرودي" المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي تم إنشاؤه حديثا آنذاك، لكنه قرر أن يتابع مصيره السياسي في إيران وأن يتخلص من غطائه العراقي بعد صعود "خامنئي" كمرشد أعلى عام 1989. 

وكشخصية بارزة في الوسط الديني بمدينة قم، حصل "شاهرودي" على أوراق اعتماده من رجال الدين المعصومين بحسب المعتقد الشيعي، ما أدى إلى تسهيل دخوله إلى المؤسسة السياسية الإيرانية.

وبخلاف الفترة من 1999 إلى 2009، التي ترأس فيها السلطة القضائية، عمل "شاهرودي" منذ عام 1995 حتى وفاته عضوا في مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة المحافظة القوية التي تضمن الاتساق الإسلامي لمرشحي البرلمان وتشريعاتهم على حد سواء.

وتتابع المجلة بالقول كان "شاهرودي" عضوا في مجلس خبراء القيادة الإيرانية، وهي هيئة رجال الدين التي تختار خليفة المرشد الأعلى، إضافة إلى عضويته بمجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي تم إنشاؤه في نهاية الحرب الإيرانية العراقية للفصل في النزاعات بين البرلمان.

وبعد وفاة الرئيس السابق لمجلس صيانة الدستور "أكبر هاشمي رفسنجاني"، ذو النفوذ الكبير، قام "خامنئي" بتعيين "شاهرودي" كبديل له، ولذا كان من الواضح أن الأخير هو الشخصية التي يمكن أن يعتمد عليها المرشد الأعلى باعتباره منفذًا مخلصًا في أهم مؤسسات الجمهورية الإسلامية.

لكن معظم الإيرانيين يتذكرون "شاهرودي" كرئيس للسلطة القضائية سيئة السمعة بين عامي 1999 و 2009، وهي الفترة التي ترأس فيها عملية مطاردة ضد البرلمانيين الإصلاحيين والصحف والطلاب والمثقفين ونشطاء حقوق الإنسان، إضافة إلى ملاحقته، في نهاية فترة منصبه، لنشطاء الحركة الخضراء المؤيدة الإصلاحيين الذين احتجوا على توزوير الانتخابات لصالح تنصيب الرئيس "محمود أحمدي نجاد" لولاية ثانية.يقال إن "شاهرودي" أشرف، بشكل مباشر أو غير مباشر، على حوالي 2000 عملية إعدام، شملت بعض القاصرين، وكان اختياره للمدعي العام في طهران "سعيد مرتضوي" مسؤولاً عن اغتصاب المصورة الصحفية الإيرانية - الكندية "زهراء كاظمي" وقتلها بعد اعتقالها.

ولذا اندلعت الاحتجاجات ضد "شاهرودي"، خلال زيارته العلاجية إلى هانوفر بألمانيا، في يناير عام 2018، وقد تعاطت السلطات الألمانية مع التهم الموجهة إليه، لكنها صرفت النظر عنها في النهاية.

وينسب إلى "شاهرودي" الفضل في قيادة بعض الإصلاحات بإيران، بما في ذلك إعادة الفصل بين القضاة ومدعي العموم، الذي ألغاه سلفه "محمد يزدي"، وتعليقه الرجم كعقوبة لإعدام الزناة المتزوجين، واقتراحه مشروع قانون يمنح مزيدًا من الحماية القانونية للقاصرين.

وقبل وفاته،بفترة وجيزة صوَّرته صحيفة شهروند وغيرها من الصحف ذات الميول الإصلاحية بإيران، على أنه "أيقونة قاضٍ القضاة"، كما وصفته منافذ إعلامية حكومية رسمية بأنه تقدمي، بينها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا).

 

وتلفت المجلة إلى أن طالما ارتدى "شاهرودي" العمامة السوداء، التي تميزه كواحد من سلالة النبي محمد (بحسب المعتقد الشيعي)، تماما كما فعل "الخميني" و"خامنئي"، لكن ذلك لم يكن مؤهله فقط ليكون مرشحا كمرشد أعلى، بل جاذبيته العابرة لفئات المؤسسة الإيرانية المختلفة، التي كانت تعد عنصرا حيويا لاستقرار مستقبل إيران السياسي.

 

فعلى خلاف "خامنئي" والعديد من المتشددين، حافظ "شاهرودي" على علاقات جيدة إلى حد معقول مع الفئات الإيرانية الأربعة: المحافظين والمحافظين الجدد والمحافظين المعتدلين والإصلاحيين، وانعكس ذلك في تعيينه عام 2011 على رأس هيئة مكونة من 5 رجال عرفت باسم الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث في إيران، والتي تشكلت بأمر من "خامنئي" ردا على المشاحنات بين "نجاد" والبرلمان الغاضب آنذاك.وضمن إخلاص "شاهرودي" لـ "خامنئي" ومكتب المرشد الأعلى المعروف باسم ولاية الفقيه استمرارية مؤسسة الحكم الإيرانية عبر علاقات متوازنة مع مراكز السلطة الأخرى، لا سيما الحرس الثوري.

 

وتواصل المجلة تقريرها بالقول كان "شاهرودي" أيضا رجل الدين الشيعي الوحيد، من خلفاء "خامنئي"، الذي تردد أنه يتطلع لقيادة الشيعة في العراق، ففي عام 2012 كشفت تقارير عن قيامه ببناء شبكة رعاية داخل النجف، مدعومة بفرض ضرائب دينية إضافة غلى أموال حكومية إيرانية.ومع تكشف الأمر، سعى "شاهرودي" إلى تقويض أو حتى استبدال آية الله العظمى "علي السيستاني"، الذي يمثل السلطة الروحية العليا للشيعة الإثنى عشرية في العراق، وكان لدى طهران سبب وجيه لذلك، إذ عارض "السيستاني"، الإيراني المولد، نظام طهران بهدوء مستندا إلى كونه المرشد الأعلى للشيعة في بلاده.

 

وإذا كان "شاهرودي" يُنظر إليه باعتباره غريبا عن منشأه العراقي والفارسي، فلا هو إيراني تماماً ولا عراقي بالكامل، إلا أن خلفيته على الأقل تحمل بعض الإمكانية لجذب المجتمعات الشيعية الإثنا عشرية خارج حدود إيران، خاصة في العراق، إذ أن حكومات الأغلبية الشيعية في العراق انجذبت نحو إيران منذ الإطاحة بـ "صدام حسين" في عام 2003، لكنها لا تزال تحافظ على استقلالية سياسية في بعض الأحيان عن طهران.

 

يعتمد استقرار إيران الداخلي واستمرارية نظامها اللذان واجها تحديات متزايدة بسبب الاحتجاجات العفوية في جميع أنحاء البلاد، العام الماضي على قبول الطبقة السياسية للمرشد الأعلى، القادر على التوصل لتوافق في الآراء وتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة، وكانت قدرة "شاهرودي" الفريدة على تجسير انقسامات المؤسسة السياسية والعسكرية الإيرانية أحد الأسباب التي دعت إلى طرح اسمه مراراً وتكراراً كخليفة لـ "خامنئي".