جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 03:57 مـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مصطفى عبدالله يكتب: المشهد العراقي

إن شرح المشهد العراقي البالغ التعقيد يحتم علينا أن نخوض في غمار التاريخ حتى يتسنى لنا تحليل الحاضر واستشراف المستقبل .
لقد كانت العراق قطرا إسلاميا فاعلا منذ دخول هذه البقعة الإسلامية الغالية على قلوبنا جميعا ضمن حيز أراضي الدولة الإسلامية البداية كانت مع فتنة مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان –رضي الله عنه – التي عرفت في التاريخ الإسلامي والعربي بالفتنة الكبرى لما كان لها من آثار سلبية على تاريخ المسلمين وحاضرهم لازالت مستمرة حتى الأن وقد كان أبناء العراق في صدر هذه الأزمة حين رفضوا هذا الجرم الشنيع ودعموا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان أول خروج لمقر الخلافة من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إلى مدينة الكوفة جنوبي العراق .
انتقال الخلافة مبكرا إلى العراق جعل أهل هذا البلد في أتون الأحداث الإسلامية الكبرى مبكرا فلم تنتقل الخلافة من الحسن بن علي رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلا بعد تمام بيعة أهل العراق واستمرت الأحداث الإسلامية الهامة التي كان العراق في صدارتها حيث ساهم أهله بشكل كبير في الثورة على ولاة بني أمية ونقل الخلافة لبني العباس فكانت بغداد في عهدهم عاصمة الخلافة ومصدر العلم ومنارة الدنيا بأسرها لأكثر من خمسمئة عام .
إن الحيز الجغرافي للعراق هذا البلد العربي المتنوع الأعراق والثقافات جعله مطمعا للفرس في كل العصور مما جعل بغداد تتعرض للإحتلال الصفوي في عهد الخلافة العثمانية وتم اعادتها مرة أخرى في عهد السلطان مراد الرابع كل هذا يفسر مدى الطمع الإيراني في العراق ومقدراته في العصر الحالي بعد الإحتلال الأمريكي الذي قدم العراق لإيران على طبق من ذهب بعدما كان العراق حامي وحارس بوابة العرب الشرقية.
كان قدر العراق أن تجتاحه الإنقلابات العسكرية كباقي الأقطار العربية في فترة الخمسينيات فكان انقلاب عام 1958م على حكم الأسرة الهاشمية فكان كل رؤساء العراق حتى العام 2003م من الطائفية السنية ولم يكن لذلك تسبب في إظهار أي نوع من المعارك والفتن الطائفية والمدقق في المجتمع العراقي داخليا يجد أن مصطلح السنة والشيعة لا وجود له تقريبا قبل عام 2003 م لأن المجتمع العراقي متعايش ومتقارب جدا بطريقة تجعل كل الفوارق الطائفية تذوب وتتلاشى فعلى سبيل المثال عبدالكريم قاسم الذي حكم العراق عقب انقلاب عام 1958م ابن لأب عربي سني وأم كردية شيعية وعشيرة السعدون التي حكمت البصرة لعدة قرون عشيرة سنية في وسط مجتمع من القبائل والعشائر العربية الشيعية وكذلك القبيلة الواحدة في العراق يوجد بداخلها السني والشيعي وقد كان حزب البعث هو الاعب الرئيس على الساحة السياسية العراقية بعد انقلاب عام 1958م فكان فردد الإحتلال الأمريكي وأزلامه من الفرس والخونة العراقيين أن البعث كان سنيا وهذه مغالطة تاريخية كبيرة فالبعث لم يؤسس على أساس طائفي وأغلب الدراسات تشير إلى أن عدد أعضاؤه الشيعة أكثر من السنة خلال الحرب العراقية الإيرانية برز على الميدان العسكري العديد من القادة والجنرالات الشيعة فالولاء كان للعراق فقط ومن أبرزهم سعدي طعمة الجبوري وعبدالواحد شنان آل رباط وغيرهم.
برغم ما ذكرت لم ينجح المحتل الأمريكي من توطيد أقدامه في العراق إلا من خلال البوابة الطائفية وبرغم ذلك لم يقبل الأمريكان أن يبقى في السلطة إلا عملائهم حتى وإن كانوا حسب التقسيمات التي وضعوها في دستور العراق بعد الإحتلال ففي عام 2009م اختار البرلمان العراقي إياد علاوي رئيسا للوزراء لكن الإحتلال لم يقبل به برغم أنه شيعي لأن مشروعه كان قوميا وليس مذهبيا فبعد العديد من الصولات والجولات داخل البرلمان تم تنصيب رجل الإحتلال نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق إن الغيض الذي ذكرته من أحداث كثيرة يثبت أن الطائفية كانت غطاء لتلبية مصالح المحتل بالتوافق مع عملائه فالعراقيون سواءا في المعاناة وتردي الأوضاع المعيشية باختلاف مذاهبهم وأفكارهم ومشاربهم ومع قيام الربيع العربي في العام 2011 م كانت انتفاضات بغداد والمدن الشمالية حتى العام 2013 م لكنها لم تكلل بالنجاح وخلال العام 2013 تعرض العراق لنكسة ربما تكون تاريخيا أكبر من نكسة 1967 م حيث احتل تنظيم داعش ما يربو على نصف مساحة العراق في عهد نوري المالكي الذي أصدر أوامره بانسحاب أربع فرق من الجيش العراقي ولا نزال حتى الأن نجهل الكثير من الملابسات المريبة التي تسببت في دمار لازال العراق يعاني منه حتى الأن وفي العام 2018 لم يقصر العراقيون في المطالبة بحقوقهم فكانت انتفاضة البصرة التي انطفأت جذوتها سريعا لأنها لم تشمل كل المحافظات العراقية
ثم كانت الثورة العراقية المباركة في الخامس من أكتوبر من العام الحالي التي انتفض فيها العراقيون جميعا بلا استثناء ولازالت مستمرة حتى الأن وحتى تنجح هذه الثورة لابد من الأخذ في الإعتبار هذه النقاط الهامة والعمل بها خلال الثورة وما بعد الثورة
1-عدم مغادرة ميدان التحرير ببغداد وكل ميادين الحرية إلا بعد إسقاط النظام وتحقيق جميع المطالب الثورية.
2- العمل الجاد والدؤوب من شباب الثورة على توثيق ونشر الأحداث من خلال مواقع التواصل الإجتماعي لأنه للأسف لا توجد تغطية إعلامية للثورة بالقدر الذي يوصل جميع الأحداث لأشقائكم في الدول العربية ودول العالم لأن العديد من الأنظمة مستفيدة من تقوقع وتقزيم العراق مع الأسف الشديد.
3- التجرد نهائيا من رفع أي شعارات حزبية أو مناطقية أو طائفية ورفع علم العراق فقط
4- بعد إسقاط النظام يتم العمل على تشكيل حكومة وطنية من التكنوقراط تدير البلاد لمدة ستة أشهر فقط وعدم القبول بأي حكم عسكري فالجيش العراقي بوضعه الحالي أسس على عين المحتل الأمريكي وبرضا الإيرانيين
5- المهمة الرئيسية للحكومة هي وضع دستور جديد للبلاد على أساس يخلو من الطائفية وأن يكون نظام الحكم في البلاد رئاسي وقد رأينا جميعا مصائب النظام البرلماني الطائفي وأن يراعي الدستور استقلال القضاء والفصل بين السلطات مع وضعات تمكينات واضحة لرقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية
6- يؤكد الدستور أن التقسيم السكاني للعراق مسلمين إضافة للديانات والقوميات الأخرى حتى يتم سد كل نوازع الطائفية بشكل دستوري وهذا سيلغي مصطلح شيعة وسنة من الحياة السياسية
7- سن قانون لتوحيد دور العبادة والمساجد لجميع المسلمين بكل طوائفهم.
8- سن قانون بتوحيد المناسبات الدينية الإسلامية واشتراك جميع المسلمين في فعالياتها.
9- تجريم الطائفية دستوريا وقانونيا وتغليظ عقوبات الجرائم الطائفية حتى تصل للإعدام.
10- عدم السماح بالتدخلات الخارجية من أي دول عربية كانت أو أجنبية خاصة إن كانت للتقديم الدعم لمجموعة على حساب أخرى.
11- تأسيس محكمة الثورة لإسترداد الأموال المنهوبة بصورة عاجلة وتنفيذ القصاص على كل المجرمين الذين كانوا في السلطة منذ 2003م.
12- إصدار قانون العزل السياسي لكل المدانين من محكمة الثورة.
13- تشرف الحكومة على انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة بعد إصدار الدستور والإستفتاء عليه من قبل الشعب العراقي.
إن نجاح الثورة العراقية سيلهب مشاعر الثوار العرب ليتغلبوا على إنتكاسات الربيع العربي السابقة عاش العراق حرا كريما بعربه وكرده وسنته وشيعته وجميع طوائفه وأعراقه.