جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 05:23 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

البحث فى الجذور «9» .. ماذا لو جاءت ثورة يناير بالدكتور «محمد البرادعى» رئيسًا؟!

محمد البرادعى
محمد البرادعى

هل كان البرادعى مستعد لدخول معترك السياسة وكيف خذل الرجل أنصاره؟.

كيف كان الغرب والأمريكان ينظرون إلى البرادعى؟، وكيف قضت خيارات الرجل الداخلية على فرصة لتولى قيادة المرحلة؟.

كانت ثورة 25 يناير 2011، محاولة لاختراع شكل جديد من الوطنية أو ربما إحياء شكل قديم يحاكى ثورة 1919 ضد الاستعمار البريطانى، أكثر من تقليد ثورة 1952، فيناير وحّدت، وإن كان لفترة قصيرة، المسلمين والمسيحيين، الإسلاميين والعلمانيين، النساء والرجال، الفقراء والأغنياء، والشباب والكبار.

ويتردد كثيرًا ماذا لو أن يناير حكمت .لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن؟!!، فعبر السنوات الماضية فشلت "يناير" فى أن تتجسد شخصًا أو حزبًا أو تيارًا ليحكم أو يشارك فى لعبة تداول السلطة.

ذلك يدعونا فى "تاسع" محطات "الديار" البحث فى الجذور" إلى السؤال: ماذا لو جاءت ثورة يناير بالدكتور محمد البرادعى رئيسًا؟!.

لم يكن يخفى الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الحاصل على جائزة نوبل للسلام، رغبته فى دخول ميدان العمل السياسى والترشح للانتخابات، وإن أرفقها بشروط، من دون أن يخطر فى باله أن التطورات السياسية فى مصر ستتسارع إلى درجة يجد نفسه يتصدر داخليًا قائمة المرشحين لتولّى قيادة مرحلة انتقالية.

فعبر شبكة «سى إن إن» أطلّ علينا الرجل ليعلن أنه لا يستبعد خوض انتخابات الرئاسة فى مصر خلال عام 2011.

عندها انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، وبات تصريح البرادعى بمثابة القشة التى تعلق بها المصريون، وبالأخص الشباب الذين بادروا إلى التواصل معه، وشكلوا مجموعات لدعمه، فبدأ العمل على جمع توكيلات شعبية فى مختلف محافظات مصر، من أجل تغيير الدستور، فى سابقة لم تشهدها البلاد منذ عام 1919.

ووصل البرادعى إلى مصر يوم الجمعة 19 فبراير عام 2010، ليصبح البرادعى الظاهرة السياسية الأهم آنذاك.

بادر الرجل على الفور إلى إجراء لقاءات تلفزيونية، أعلن خلالها صراحةً أنه مستعد لخوض الانتخابات الرئاسية ضد حسنى مبارك.

دعى البرادعى رموز القوى الوطنية للمشاركة فى لقاء بمنزله (أكثر من 50 شخصية مرموقة)، ولم يستثن الرجل أحدًا من أى تيار سياسى نتج عن ذلك اللقاء تأسيس «الجمعية المصرية للتغيير» التى اعتبرت امتدادًا للحملة المصرية ضد التوريث، والحملة المصرية من أجل انتخابات حرّة.

وقام بعدها بجولات ميدانية شملت القاهرة والمحافظات، لتتوالى بعدها الفعاليات والأنشطة، حتى قامت ثورة 25 يناير، التى يعتبر البرادعى أحد ملهميها.

منذ قدومه إلى مصر ارتبط نشاط البرادعى بأمران معًا:

الأول: هو رغبته فى تولى موقع رئيس الجمهورية، مع غياب طويل عن البلاد.

والثانى: عمل البرادعى على تغيير النظام المصرى، ليفسح له المجال لتحقيق رغبته فى تولى سدّة الرئاسة.

ويعد ظهور البرادعى فى المشهد السياسى المصرى حين ذاك سيؤدى بالضرورة إلى إنهاء مشروع توريث الحكم لجمال مبارك. وكان ذلك أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للإخوان المسلمين وللمعارضة المصرية التى لم تمشى فى ركاب النظام السابق.

لكن بنظرة أخرى لم يكن الرجل مستعد لدخول معترك السياسة، بسبب انقطاعه لما يزيد على 30 عامًا عن مصر، وهو ما يفقده القدرة على امتلاك مفاتيح إدارة البلاد.

تحديدًا فى أوساط المؤسسة العسكرية والشرائح الغنية، اللتين مثّلتا الرافعة الأساسية لحكم حسنى مبارك طوال السنوات الثلاثين الماضية، تترافق مع وجود تحفظات أمريكية وإسرائيلية على إمكان وصوله إلى سدة الحكم، نتيجة مواقفه خلال فترة عمله فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة، وتحالفاته الداخلية من جهة ثانية أهمها تقرّبه من جماعة الإخوان المسلمين التى أدت لطرح تساؤلات غربية عن خياراته وتحالفاته المستقبلية، وصولًا إلى حد اعتبار رئيس معهد الشرق الأوسط فى روسيا "يفجينى ساتانوفسكى" أن فرصة وصول البرادعى إلى السلطة، فى ظل خياراته السياسية تعادل الصفر، وسط خشية من أن يصبح البرادعى ستارًا تستعمله الجماعة للوصول إلى السلطة، ومن ثم استبعاده.

لم ينظر الأمريكيون إلى البرادعى على أنه مرشح محتمل للرئاسة، إلا أنه فى ظل عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تجاهل دوره، لجأت إلى التواصل معه وسط تأكيدات أنه صوت من الأصوات المختلفة التى تستمع إليها واشنطن.

لكن كان هناك حالة من عدم الانسجام بين البرادعى والولايات المتحدة، وصولًا إلى حد انتقاده علانيةً دورها المزدوج فى مصر.

فى الواقع لم يكن البرادعى الشخص صاحب التاريخ النضالى والسياسى، ولكن الفرصة أتته مرارًا وتكرارًا، لكى يكون زعيمًا سياسيًا وقائدًا للثورة، لكنه ظل يرفضها كل مرة لأسباب جاءت خاذلة للمؤمنين به كقائد للتغيير حتى بعد نجاح الثورة وتنحّى مبارك لم تكن تصرفات البرادعى على قدر المسئولية.

وذلك ليس تجنّيًا على أحد فقد كان بداية الخذلان الحقيقى لأنصاره، الذين منحوه فرصًا عدة، كان فى عدم لقائه بالمئات من الشباب، ممن ذهبوا لاستقباله فى مطار القاهرة، يوم عودته، حيث خرج بسيارته مسرعًا، ومخترقًا الحشود التى انتظرته لساعات، بعد تأخر طائرته، بعدما خاضوا رحلة مليئة بالمخاطر، فى ظل حملة الاعتقالات التى طاولت بعض المناصرين.

وتكرر الموقف، فى الخامس والعشرين من يناير2011، حيث لم يشارك البرادعى فى ذلك اليوم الذى تحوّل إلى ثورة، بسبب سفره خارج البلاد.

اشتك كثيرون من هذين الموقفين، بما فى ذلك رفاق البرادعى فى «الجمعية الوطنية للتغيير»، لكنهم تجاوزوا الأمر، من فرط الأمل والحلم.

بعد تنحى مبارك، وأثناء فترة حكم المجلس العسكرى، الذى كان يماطل فى اتخاذ إجراءات تسليم السلطة، لم تكن تصرفات البرادعى على قدر الثقة والمسئولية التى أوكلها له الثوار، بل جاءت مخيبة للآمال.

خلال أحداث «محمد محمود»، فى 19نوفمبر عام 2011، طالب الثوار، بقلب رجل واحد، البرادعى بالمجئ إلى ميدان التحرير وتشكيل حكومة وطنية، لكنه لم يأتِ، ليعلن بعد بسنوات، فى لقاء تلفزيونى، أنه خاف على البلاد من الاقتتال الشعبى، وأنه أَوصل مطالب الثوار إلى المجلس العسكرى.

ولم يكن الوضع حينها فيه التباس فالجميع كان مشاركًا فى ملحمة محمد محمود، فى ما عدا الإخوان المسلمين، الذين كانوا مشغولين بترتيب الانتخابات الرئاسية، التى تجنّب البرادعى أيضًا المشاركة فيها، واضعًا شروطًا اعتبرها كثيرون غير واقعية، وكانت النتيجة مجئ الإخوان إلى الحكم، ليتّجه بعدها إلى خوض غمار تجربة حزبية لم يكتب لها النجاح حزب الدستور.

ومع الإعلان الدستورى المستبد الذى أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى، والذى تسبب بانفجار شعبى أدى إلى الموجة الثورية «30 يونيو»، التى أطاحت بحكم «الإخوان»، كانت الفرصة سانحة أمام البرادعى للحضور بقوة فى المشهد بصفته السياسية نائبًا لرئيس الجمهورية، الذى وصل إليه بدعم من الفاعلين فى المشهد من أبناء «ثورة 25 يناير».

لكنه، مع أول اختبار حقيقى له كمسئول، بعد فضّ اعتصامَى «رابعة» و«النهضة»، طار إلى فيينا فى وقت حرج، تاركًا أنصاره والبلاد فى حالة تخبط وغضب، تواجه تحديد مصيرها، مكتفيًا فقط ببيان، على «فيسبوك» أعلن فيه انسحابه من المشهد، الذى اقتصرت مشاركته فيه بعد ذلك على تغريدات عبر حسابه الشخصى على موقع «تويتر»، جاء معظمها تعليقًا على العمليات الإرهابية، بلغة مائعة تساوى بين جميع الأطراف.

ونختم هنا بالقول أنه بصرف النظر عن الاختلاف فى تقييم تجربة البرادعى ودوره ولكنه كان لازمة حتمية لثورة يناير، ورقم لا يمكن تجاوزه فى أى معادلة ثورية مقبلة وما كانت ثورة يناير لتقوم إلا به وبالتيار الذى يمثله ويقوده.