جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 05:56 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أوهام ديكتاتور ..

أردوغان يعيد عقارب الساعة 100 سنة للوراء لإحياء الخلافة العثمانية
أردوغان يعيد عقارب الساعة 100 سنة للوراء لإحياء الخلافة العثمانية

الإخوان تمثل القوة الناعمة لتركيا لضرب "القاهرة والرياض" .. والرئيس التركى ينصب نفسه خليفة للمسلمين ويتاجر بدمائهم

أردوغان يعيد عقارب الساعة 100 سنة للوراء لإحياء الخلافة العثمانية

رغم ابتعاد تركيا "أتاتورك" عن المنطقة العربية، إلا أن الإخوان احتفظوا بولائهم للعثمانيين، وظلوا يمهدون الأرض من أجل ظهور المهدى العثمانى، فعمدوا إلى تزييف التاريخ بإصدار مئات الكتب التى تمجد فى تاريخ العثمانيين، وتهاجم كل من ينتقدهم، ووصل الأمر بهم لتأليف كتب تعظيم أسلاف العثمانيين، من القبائل التركية الهمجية كما فعل عبدالعزيز الشناوى وراغب السرجانى وعلى الصلابى الذى حاول غسل سمعة العثمانيين الملطخة بالدماء من خلال كتابه «الدولة العثمانية.. عوامل النهضة وأسباب السقوط»، حيث تعمد تجاهل جرائم الاحتلال التركى، فى مقابل الترويج للحكم العثمانى الرشيد، وليس من الصدفة أن يصدر الكتاب مطلع الألفية بالتوازى مع صعود أردوغان السياسى.

وكان من أهم الأسباب فى نشأة جماعة الإخوان المسلمين "الإرهابية"، وفى كتابه «الانفجار العظيم والفوضى الخلاقة» يقول مصطفى الفقى: إن سقوط دولة الخلافة العثمانية على يد أتاتورك أدى إلى ميلاد جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وتكريس الإسلام السياسى بديلًا لدولة الخلافة المنهارة، فعندما ألغيت الخلافة العثمانية فى مارس 1924 كان حسن البنا يعيش عامه الأول فى القاهرة التى انتقل إليها للدراسة فى دار العلوم، وكان لهذا الحدث رد فعل عميق فى نفسه، كما ذكر فؤاد البنا فى كتابه «الإخوان المسلمون والسلطة السياسية فى مصر».

مجلة الدعوة- لسان حال الجماعة، اعترفت خلال احتفالها بمرور سبعين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان بأن الجماعة ولدت كرد فعل على سقوط الخلافة، وتمثل ذلك من خلال هدفها الأساسى إعادة الخلافة الإسلامية الضائعة وفق المرجع السابق.

خرج الإخوان من رحم السلاطين، وورثوا جميع مساوئهم، وعملوا على نشرها بين الشعوب العربية، وبدلًا من انخراط الجماعة فى الدولة الناشئة فى الوطن العربى، راحت تخطط للانقلاب على التجربة الوطنية، وإحلال التجربة العثمانية البائدة محلها.

منذ نشأة الجماعة الإرهابية وحتى يومنا هذا مازال الجدل قائمًا بداخلها حول أهمية وقيمة نظام الخلافة فى الدولة الإسلامية، مما جعلها تنظر إلى الدولة القومية الحديثة نظرة شك باعتبارها تخالف النظام الإسلامى، حيث لا تعتقد الجماعة أن أى شكل آخر يمكن أن نطلق عليه إسلاميًا سوى الخلافة، فى وقت كان القوميون العرب تحت احتلال الدولة العثمانية يخوضون معركة الإصلاح والاستقلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فى حين استمر الإسلاميون يعادون بنى جلدتهم، ويزيفون الوعى العربى باسم التبعية للخلافة العثمانية وفق دراسة صادرة عن مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان «الإسلام.. الدولة والمواطنة».

العجيب أن الحل الذى طرحته جماعة الإخوان كان نفسه الداء الذى ضرب العقل والبدن الإسلامى والعربى فى مقتل، باستدعاء فكرة السلطنة التى كانت مكمن الداء ورمز الاستبداد والفساد واستغلال الشعوب باسم الدين، ونضالهم من أجلها.

وضع الأتراك العقبات أمام العرب حين بدأت تجربة الإصلاح الديمقراطى بعد خلع السلطان عبدالحميد الثانى وإجراء انتخابات مجلس النواب، وجاء تمثيل العرب فى المجلس هزيلًا مقارنة بالأتراك، فى حين كانت نسبة السكان العرب ثلاثة أضعاف الأتراك.

حقد أردوغان على مصر والرياض ومكانتهما الكبيرة، دفعه إلى التحالف مع جماعة الإخوان لمناكفة السعوديين والتبجح عليهم، إضافة إلى فتح أبواب أنقرة لاستقبال عناصر متطرفة من الدول العربية خاصة مصر بهدف استخدامهم كورقة فى مواجهة القاهرة أكبر العواصم الإسلامية، والمنافسة التقليدية لأنقرة.

اختار الرئيس التركى أن يعيش منعزلًا فى وهم الزعامة وقيادة العالم الإسلامى، كتب لجماعة الإخوان الإرهابية أجندة التخريب ونشر الفوضى فى المنطقة، ودخل بقواته الأراضى القطرية فى محاولة يائسة لكسر شوكة السعودية، ووضع أقدامه فى السودان ليهدد القاهرة، وظهر فى قنواته الإعلامية وهو يتباكى على أطفال غزة الذين يشارك فى قتلهم بدعمه المتواصل للإسرائيليين، حتى زوجته أرسلها إلى المهاجرين فى بنجلاديش لتقول أن أردوغان رجل طيب.

لم ينس أردوغان أيضًا استغلال قضية مسلمى "الروهينغا" ليثبت أنه المدافع الأول عن الأمة، أما المراكز الإسلامية التى زرعها فى العالم فقد حشد فيها أنصاره لاستقطاب الجواسيس والضغط على أوروبا.

يخطط الديكتاتور التركى لتنصيب نفسه خليفة للمسلمين، وفى سبيل ذلك يحاول التخلص من نفوذ أية دولة تقف فى طريق ذلك الوهم، حتى وإن كانت المملكة العربية السعودية التى تحتضن الأماكن المقدسة.

تاجر أردوغان بالقضايا الإسلامية، وهو يقف فى ساحات أنقرة وإسطنبول يلقى خطبه الرنانة التى يحشد لها المصفقين ليتصدر أغلفة الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية بوصفه المدافع الأول عن المسلمين، ربح من القضية الفلسطينية على حساب دماء الشهداء فى غزة، واستغل معاناة مسلمى "الروهينغا" فى ميانمار ليظهر تعاطفه المفتعل مع الضحايا، فيما ينظر العالم إليه على أنه ممثل فاشل لا يستطيع إقناع طفل.

على الأرض حاول أردوغان مد أذرعه الأخطبوطية فى المنطقة العربية، يسعى للتحالف مع الرئيس السودانى عمر البشير، من أجل الحصول على موضع قدم فى جزيرة "سواكن" المطلة على البحر الأحمر بهدف تحويلها إلى قاعدة عسكرية تركية متقدمة، واستغلالها فى تهديد مصر والسعودية، كما توغل فى سوريا ليستفيد من الحرب الأهلية التى تدور رحاها منذ 8 سنوات، إضافة إلى التوسع فى إقامة المساجد والمراكز الإسلامية فى أكبر عدد من الدول كمحاولة لنشر جواسيسه فى كل مكان.

على الرغم من أن بلاده هى التى تسببت فى تدفق الصهاينة على الأرض العربية، فضلَا عن اتفاق التطبيع الشامل الذى أبرمته تركيا منذ عامين مع إسرائيل إلا أن أردوغان يصدر نفسه على أنه ولى أمر الفلسطينيين والمدافع الشرس عن حقوقهم، خدمة لمصالحه التوسعية والحصول على صك زعامة العالم الإسلامى، بالظهور كحامى حمى الإسلام، أما مواقفه فقد جاءت مناقضة تمامًا لدموع التماسيح التى يجيد إراقتها على وجهه من حين لآخر وثرثرته الفارغة حول الجحيم الذى يحيا فيه الأطفال على الأرض المحتلة فى الوقت الذى يتفاخر بتوقيع اتفاقيات فى شتى المجالات مع تل أبيب.

السيناريو المقزز نفسه سار عليه أردوغان فى قضية مسلمى "الروهينغا" بميانمار التى تلقاها الرئيس التركى كهدية ليجسد من خلالها شخصية مزيفة تدعى مساندة الضحايا ومعالجة آلامهم، إضافة إلى خطبه العنترية التى قال فيها أن ما يحدث إبادة جماعية لتلميع صورته التى شوهها بعمليات القمع ضد معارضيه فى بلاده.

انتهز الرئيس التركى ثورات الربيع العربى ليحول بلاده إلى أرض خصبة وملاذًا آمن يحتضن المعارضين من كل الدول العربية، خاصة من المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية وقادتها، بعد أن وفر لهم المنابر الإعلامية للنيل من بلادهم، ليصبح الداعم الأكبر للجماعة التى وضعتها العديد من الدول على قوائم الإرهاب بعد تورطها فى التخريب وسفك الدماء.

ظهر الدعم التركى للتنظيم الإرهابى كدليل على إصرار حزب العدالة والتنمية الحاكم على إنشاء تحالفات لنشر الفوضى فى دول المنطقة بهدف إعادة عقارب الزمن إلى الوراء 100 عام كاملة أملًا فى إحياء السلطنة العثمانية على حساب الشعوب العربية، الأمر الذى اعترفت به أنقرة علنًا على لسان مستشار الرئيس التركى «ياسين أقطاى» الذى قال أن إسقاط الخلافة تسبب فى فراغ سياسى فى المنطقة، ووصف تنظيم الإخوان بأنه الممثل السياسى للأمة.

وأضاف: البعض يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم الإخوان، وأكد من خلال لقاء تليفزيونى على أن الجماعة تمتلك العديد من الأفرع وتجسد ذراع القوة الناعمة لتركيا فى العالم العربى باعتبارها تنظر إلى تركيا على أنها تمثل بيت الخلافة الإسلامية التى تم إسقاطها سابقًا.

أنفق أردوغان ملايين الدولارات على إقامة المساجد والمراكز الإسلامية داخل تركيا وخارجها، ليس بسبب نشر الإسلام أو دور العبادة وإنما لخدمة أهدافه الخبيثة باعتبار هذا القطاع بمثابة مصيدة للعناصر المتطرفة التى يقوم برعايتها واستخدامها كما يريد وتهديد من يشاء، ويرى أردوغان فى بيوت الله وسيلة لتحقيق زعامته على العالم الإسلامى التى يحلم بها دومًا إضافة إلى التغلغل فى الخارج عن طريق توجيه الجاليات المتعطشة لكل ما يتعلق بالدين الإسلامى.

افتتح الرئيس التركى المسجد الكبير فى مدينة "كولونا" الألمانية مطلع أكتوبر الماضى، والذى يعد واحدًا من أكبر المساجد فى أوروبا، وحوله على الفور إلى مركز يتجمع فيه أنصاره الذين انطلقوا لمطاردة خصومه الفارين من بطشه إلى برلين، بينما بلغت المراكز الإسلامية التابعة لأنقرة ألف مركز فى إسبانيا، و2450 فى فرنسا، و1700 فى بريطانيا، وكلها تعمل على خدمة الأوهام الأردوغانية التى تدور فى فلك الزعامة المفقودة.

"من العدد الورقي 456"