جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 12:24 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

لماذا كانت التوبة لآدم ولم تكن لإبليس

ارشيفية
ارشيفية

عصى آدم ربه فتلقى منه كلمات فتاب عليه وإبليس عصى ربه فلم يتلق كلمات يتوب الله عليه بها ........... لماذا؟

الجبر والاختيار

جميع الكائنات - إلا الإنسان والجن - فطرت على الجبر- بمعنى أن سلوك الكائن يكون طبقا لقانون لايملك الفكاك من  تحكمه فلاخيار له فإذا تعرضت قطعة الحديد لتأثير مغناطيس فإنها تنجذب إليه دون خيار وإذا تعرضت المادة لتأثير الحرارة فإنها تتمدد بلا إمكانية للإختيار.

والكائنات الحية تبحث عن الطعام إذا أحست بالجوع وتلجأ للفرار إذا ماأحست بألم فلا اختيار لها

الإنسان والجن منحا حرية الاختيار وحملا مسئولية هذا الاختيار، والدين هو القانون الذى يحدد لكل منهما اختياره المأمور به من الله فمن اختار ما أمر الله به فقد استبرأ لدينه ومن أعرض عن أمر الله فقد كفر : سكن هواه فستر نفسه عن الحق.

الفرق بين الجن والإنسان

ولكن هناك فرق بين الإنسان والجن ولنفهم ذلك الفرق نرجع لبعض المفاهيم المنطقية.

الجنس والنوع حدان منطقيان والجنس أعم من النوع فالنوع مجموعة متفردة من مجموعة عامة (الجنس) فالحيوان جنس والثدييات نوع من هذا الجنس وقد يصبح النوع جنسا إذا شمل أنواعا فرعية فعندما ننظر إلى القرود كنوع تكون الثدييات جنسا وخلاصة ذلك أنه إذا تميز مجموعة الأفراد بصفة خاصة عن سائر الأفراد فى مجموعة عامة سارت الأولى نوعا من جنس الأخر

فالجوامد (الأجسام المادية) هو الجنس العام لجميع الموجودات التى يمكن للإنسان أن يدركها بحسه وجميعها تخضع للقانون الفيزيقى (يحكم سلوكها العقل الفيزيقى) وهو القانون الذى ألهمها به الله وحيا ليحكم سلوكها{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت : 12]{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) } [الزلزلة]والكائنات الحية (نبات أو حيوان) هى جوامد تتميز عن سائر الموجودات بالحياة فهى نوع من الأجسام المادية اختصت بصفة الحياة (الحركة والتناسل) فقد ألهمها الله وحيا عقلا غريزيا يجعل لها سلوكا مضافا ومهيمنا على جزء من عقلها الفيزيقى فالحيوان يتحرك بدافع (عقله الغريزى) متغلبا على الجاذبية الأرضية (عقله الفيزيقى) وعليه فالكائنات الحية لها كينونتان : كينونة مادية وكينونة حيوانية وبالتالى يحكمها عقلان : العقل الفيزيقى والعقل الغريزى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل : 68]ثم نأتى إلى نوع من جنس الكائنات الحية وهو الدواب يقول سبحانه "{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور : 45]فالدواب هى كل الكائنات الحية التى (تدب) على الأرض ببطنها أو بقدمين أو بأربع والإنسان يدب على الأرض بقدمين وعليه فالإنسان نوع من جنس الدواب ماهى الصفة الجامعة لجنس الدواب؟ وماهى الصفة التى تفرد بها الإنسان ليصبح نوعا مخصوصا من جنس الدواب؟

تتميز الدواب بأنها كائنات حية يقوم سلوكها على قانون الغريزة أو الفطرة وهو القانون الذى فطرها الله عليها وحيا بالإضافة إلى القانون الفيزيقى الذى يتحكم فى كينونتها المادية خارج إطار مايتحكم فيه العقل الغريزى

ما الإنسان؟

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر : 29]{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة : 9]سويته : أتممت خلقه (كائنا حيا) ونفخت فيه من روحى أي جعلت له نفسا تشعر بالفؤاد بما تسمع وترى وتعقل ماتشعر به وتحكم بما تريد (تختار قانونها الذى يحكم سلوكها)فالإنسان دابة (كائن حى يدب على الأرض بقدمين) نفخت فيها (النفس)فالإنسان نوع من جنس الدواب

ثم انظر إلى قوله تعالى {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل : 49]السجود هنا بمعنى الخضوع الكامل بلا اختيار لله تعالى فالدواب تناظر الملائكة فى الخضوع الكامل لله قياما على ما طبعها الله عليه من قوانين لاخيارلها فيهاوالدواب كائنات حية مادية (ندركها بالحواس) أما الملائكة فهى كائنات حية لامادية (لاندركها بالحواس) الدواب ألهمها الله قانون الغريزة ليحدد لها سلوكها فهى تتحرك وتأكل وتشرب وتتناسل بلا اختيار موجهة بهذا القانون فما القانون الذى ألهمه الله للملائكة ليحدد لها سلوكها؟ننظر فيما أعلمنا الله :{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران : 18]{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء : 166]نسأل علام تقوم الشهادة ؟ والإجابة يسيرة : الشهادة تقوم على العلم فلله العلم المطلق وللملائكة وبعض الناس العلم الذى تقوم عليه الشهادة ويقول سبحانه على لسان الملائكة {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة : 32] وهذا بيان أن للملائكة علم فالقانون الذى يحكم سلوك الملائكة هو العلم والعلم هو معرفة صادقة بغيب وعلم الملائكة علم بإلهام (غرس) من الله والعلم للمخلوق يدل على أنه يملك عقلا فلا علم للمخلوق إلا بعقل فالملائكة مخلوقات ذوات عقل وعلم يحكم سلوكها بلا اختيار منها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم : 6]

فما الجن؟

أنظر إلى قوله تعالى قى سورة الحجر {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)وقوله سبحانه {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 34]{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء : 61]{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف : 50]{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه : 116]{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف : 11]الأمر من الله كان للملائكة فأطاعوا الأمر باستثناء إبليس ولكن الملائكة لايعصون لله أمرا وكان إبليس منهم فكيف يكون ذلك؟

نفهم ذلك إذا عدنا لمفهوم الجنس والنوع فإذا تكلمنا عن الجنس فنحن نتحدث عن مجموعة شاملة عامة وإذا تحدثنا عن نوع فنحن نتحدث عن مجموعة خاصة مشمولة فى المجموعة العامةفالملائكة جنس (مجموعة عامة شاملة ذات طبيعة نفسية) والجن نوع من الملائكة (مجموعة خاصة زيد لها طبيعة ثانية خلقت من مارج من نار) مثلها مثل الدواب جنس (مجموعة عامة شاملة من المادة الحية تدب لتتحرك) والإنسان نوع من الدواب (مجموعة خاصة زيد لها طبيعة ثانية نفسية(.

فالملائكة جنس له طبيعة عامة والجن نوع منها اختص بطبيعة إضافيةوالدواب جنس له طبيعة عامة والإنسان نوع منها اختص بطبيعة إضافية فالجن له طبيعتان : طبيعة أولية وهى طبيعة جنسه (الملائكة) وطبيعة ثانوية خلقت من مارج من نار

ماالفرق؟ ولماذا كان لآدم توبة ولم يكن لإبليس توبة؟

الإنسان له طبيعتان : طبيعة أولية وهى طبيعة جنسه (الدواب) وطبيعة ثانوية (النفس) خلقت بالنفخ من الروح

والكائن ذو الطبيعتين يميل (لايجاهد فى الاستجابة) إلى طبيعته الأولية (طبيعة جنسه) ويجاهد إذا ما استجاب لطبيعته الثانوية (طبيعة نوعه) فالإنسان (يميل) إلى تناول الطعام حين يجوع (بما يتماشى مع طبيعة جنسه) ولكنه (يجاهد) إذا ماقررت النفس (طبيعة نوعه) أن تمتنع عن تناول الطعام فحين يصوم فهو يكره طبيعته الأولية على القبول وله عذر إذا لم يمتنع عن الطعام فقد خضع لطبيعته الأولية ضعفا {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء : 28]أما إذا أمر الإنسان بتناول الطعام وعصى ذلك الأمر وامتنع عن عن تناول الطعام فلا عذر له بل أنه يجاهد فى العصيان لأنه حين يمتنع عن الطعام متحديا طبيعته الأولى يبذل جهدا وهو هنا يتعالى على الأمر متكبرا على صاحب الأمر

لقد صدر الأمر من الله إلى إبليس بالسجود لآدم وهو من جنس الملائكة وطبيعة الملائكة تقوم على اتباع ماأعلمها الله به "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " فقد كان الأمر إلى إبليس أمرا يتماشى مع طبيعته الأولية التى يميل إليها ولا يحتاج منه تنفيذ الأمر أى جهد ولكنه اختار عدم تنفيذ الأمر بما يتطلبه ذلك من مجاهدة ودون إغواء فقد اختار أن يعصى الله كبرا وعنادا وكفرا عن عمد وبغير عذر أو ضعف

أما آدم فقد تعرض لإغواء الشيطان الذى استغل فيه طبيعته الأولية التى تميل إلى البقاء بلا موت وأفهمه أن الأكل من الشجرة التى نهاه الله عن الأكل منها سيمده بالخلود الذى تميل إليه طبيعته فعصى آدم ربه عن إغواء وضعف وبلا علم فلم يعلم من الله ما يفعله الأكل من الشجرةعصى إبليس ربه عن علم دون إغواء أو ضعف مستكبرا على الله (مجاهدا من أجل عصيان ربه) كافرا بالحق (سكن هواه فستر الحق الذى علمه الله عن نفسه(

أما آدم فقد عصى ربه بلاعلم وبإغواء من الشيطان وعن ضعف (الميل إلى تطلبه طبيعته الأولى)والتوبة هى فرصة يمنحها الله لمخلوقه ليعود عن غيه وعصيانه ولكن لمن التوبة{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : 17]

إبليس لم يعص الله عن جهل أو ضعف بل عن علم وباستقواء (كبر) وآدم عصى ربه عن جهل وضعف وإغواء من إبليس

فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أما إبليس فلم تكن له توبة