جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 03:53 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«اضطهاد وتهجير ومذابح».. نرصد جحيم المسلمين في الهند بولايتي «كشمير وآسام»

مسلمو الهند بيت القتل والاضطهاد
مسلمو الهند بيت القتل والاضطهاد

«مودي» الهندوسي المتطرف يحاول تهميش أو طرد 200 مليون مسلم هندي من البلاد

 

انتصار طالبان ضربة قوية للعمق الإستراتيجي الهندي دفعها لتسرع سياستها العنصرية تجاه المسلمين

كشف تقرير لمركز "بيو" للأبحاث أن الحرية الدينية في العالم تواجه أعلى مستوى من القيود الحكومية منذ أكثر من عقد.

ووجد المركز أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزالان تتمتعان بأعلى نسبة انتشار للقيود الحكومية للحقوق الدينية، بينما أظهرت آسيا زيادة حادة في استخدام القوة ضد المسلمين، بما في ذلك تدمير الممتلكات والاحتجاز والتشريد وأشكال أخرى من الانتهاكات والقتل.

وذكر التقرير أن المسلمين يواجهوا مضايقات في 139 دولة، مشيرا إلى أنه بينما يواجه المسيحيون قمعًا خطيرًا في كثير من أنحاء العالم، كانت الإجراءات الحكومية ضد المسلمين أكبر من حيث النطاق والحجم، مما أثر على مئات الملايين من الناس.

وأوضح التقرير أنه لا يوجد مجتمع آخر يواجه مستوى عالٍ من القمع الحكومي مثل المسلمين، ليس فقط في بلدان التي يمثلون فيها بـ"الأقلية"، مثل الصين وميانمار والهند، ولكن أيضًا في الأماكن التي يكون فيها الإسلام هو دين الدولة ويتم تطبيق ممارساته بصرامة.

وأكد التقرير أن الصين لا تهدف إلى ما هو أقل من تدمير الإسلام في مقاطعة شينج يانج الغربية، حيث يعيش أكثر من 10 ملايين مسلم. وأجبرت السلطات الشيوعية أكثر من مليون مسلم من الأيجور على الالتحاق بأكثر من 1000 معسكر "لإعادة التأهيل".

في ميانمار، ارتكبت الحكومة إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينجا، فقد صدرت أوامر لجنود ميانمار "بقتل كل ما تراه"، حيث قتلوا الناس واغتصبت النساء ودمرت القرى، مما أدى إلى فرار حوالي 850 ألف شخص إلى بنجلاديش.

وفي الهند الديمقراطية والتعددية، التي تضم ثالث أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، أدت سياسات الحكومة البوذية إلى فقدان ملايين المسلمين جنسيتهم، بالإضافة إلى إلغاء الحكم الذاتي عن إقليم كشمير.

وللمسلمين في الهند حكاية عابرة للقرون، وحافلة بلحظات المجد والأزمات، لكن الأوضاع تقترب من الانفجار، بعد القرارات المتتالية لرئيس وزراء الهند المتشدد، ناريندرا مودي، صاحب التاريخ السيء تجاه المسلمين.

وعن ما يعانيه المسلمين في الهند وتضييق الخناق عليهم وأسباب ذلك، وعن أكبر قضيتين في ملف الاضطهاد، في ولايتي كشمير وآسام، يدور تقرير "الديار"، ومصدره الرئيس موقع الموسوعة البريطانية Britannica.

حكمت الممالك الإسلامية معظم أراضي شبه القارة الهندية لثمانية قرون حتى بداية العصر الاستعماري، ويعد الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، إذ تضم الهند نحو 200 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر دولة تضم سكاناً مسلمين إذا استثنينا الدول ذات الأغلبية المسلمة.

رغم ذلك، يتعرض مسلمو الهند للاضطهاد وغالباً ما يكونون ضحايا لأعمال العنف الطائفية.

دعونا نتفق أولاً على أن حدود الهند اليوم مختلفة عما كانت عليه مع بداية انتشار الإسلام، وأن المسلمين قد استطاعوا بشكل تدريجي بسط سيطرتهم على مساحات شاسعة من شبه القارة الهندية التي تتألف من الهند وباكستان وبنجلاديش وبوتان ونيبال.

ووفقاً لكتاب "تاريخ الهند" للمؤرخين إليوت وداوسون، فقد رست أول سفينة تحمل عرباً مسلمين على السواحل الهندية عام 630، أي بعد 20 عاماً من بداية الدعوة المحمدية، ومن حينها بدأ الإسلام ينتشر ببطء في الهند.

وقد كانت البداية من بلاد السند، أو باكستان اليوم، عندما قام الملك راجا داهر بالاعتداء على بعض التجار المسلمين وسبي نسائهم في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

جاء الرد قوياً ومباشراً، وسيرت جيوش المسلمين شرقاً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي عام 672 الذي تمكن من فتح السند بينما لايزال في السابعة عشرة من عمره.

ومع بداية القرن الثامن عشر عاش في الهند حوالي 180 مليون شخص شكلوا قرابة خُمس سكان العالم وقتها، لكن كانت التفرقة تسود هذه القوة البشرية الهائلة.

تحدث هؤلاء نحو 200 لغة تتفرّع إلى 500 لهجة، وسادت الهند انقسامات أدت إلى ضعف الإمبراطورية المغولية وقادت إلى دمار البلد السياسي في نهاية الأمر، وبحلول القرن التاسع عشر، كان البريطانيون قد سيطروا على شبه القارة الهندية بالكامل وعلى ميانمار وعلى أفغانستان لفترة وجيزة.

عمل البريطانيون على تعزيز التفرقة بين الهنود سواء من الناحية الطبقية أو الدينية، وكانوا يعاملون الهنود على أنهم بالكاد من البشر.

نهب ثروات البلاد بشكل وقح، وتجنيد الهنود لقتل بعضهم بعضاً ومعاملتهم بإزدراء شديد، لم تكن هذه فقط أسباب الثورة الهندية التي اندلعت عام 1857.

في 1947، وأمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية، تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها في الهند البريطانية وخلف البريطانيون وراءهم دولتين: الاتحاد الهندي العلماني، وجمهورية باكستان الإسلامية.

وفي هذا الاتحاد العلماني الذي أصبح اسمه "الهند"، بدأ اضطهاد المسلمين بالتدريج.

وتعد الهندوسية ديانة الأغلبية في الهند ويعتقد أن عمرها أكثر من 4 آلاف عام، أما الإسلام فيمثل ثاني أكبر ديانة.

ولم تتوقف المناوشات الطائفية على مر القرون، لكن الهند بدأت تشهد انقسامات اجتماعية ودينية عميقة منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بقيادة ناريندرا مودي، السلطة لأول مرة في عام 2014.

جامو وكشمير

يقعُ إقليمُ كشمير الذي عُرفَ باسمِ جامّو Jammu وكشمير في القسمِ الشماليِّ من شبهِ القارةِ الهندية، ويحتلُّ موقعاً استراتيجياً مهماً بحدود مع الصينِ والبنجابِ الهنديةِ ومنطقةِ التبت وباكستان.

تقترب مساحته من ربعِ مليونِ كيلومترٍ مربع، ويبلغُ عددُ سكانهِ ما يقاربُ 13 مليونَ نسمة، نحوُ 90% منهم مسلمون.

منذ عام 2010 أصبحت الهند تحكم ما يقارب 43% من المنطقة؛ إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ Ladakh، ونهر سياتشين الجليديّ.

وتحكم باكستان حوالي 37% من جامو وكشمير أو ما يُعرَف بـ"آزاد كشمير" أي كشمير الحُرّة، وجلجت بالتستان.

عرفت كشمير الإسلام لأول مرة في القرن الأول الهجري، لكنه لم ينتشر إلا في القرن 14 الميلادي، وفي نهاية القرن 15 الميلادي كان أغلبية سكان كشمير قد اعتنقوا الإسلام.

ووفقاً للموقع فإنّ القوات الهنديّة قامت بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية ضد المدنيين الكشميريين بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسريّ.

ويعيشون الآن في سجن كبير تحت نيران الأحكام العرفية، وهناك تقييد على الذهاب لصلاة الجمعة في المساجد القريبة فقط.

مودي..«الهندوسي المتطرف»

منذ أن فاز الحزب القومي الهندوسي (بهارتيا جاناتا) في انتخابات عام 2014 ثارت مخاوف مسلمي الهند من أن حكومة هذا الحزب ستجرُّ عليهم الويلات، بسبب تاريخه المتطرف ووقوفه ضد قضايا المسلمين في البلاد، فرئيس وزراء الهند الحالي ناريندرا مودي الذي يحكم البلاد منذ 2014، ومستمر على الأقل إلى 2024.

مودي ابن صاحب كشك لبيع الشاي لم تكن له روابط قوية مع عائلته أو الأصدقاء في مقاطعة فادناغار حيث نشأ، وانضم في وقت مبكر من حياته إلى "فيلق المتطوعين الوطنيين" القومي اليميني، المنظمة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا.

تم تأسيس الفيلق في 1925 للدفاع عن القومية الهندوسية، وقد اغتيل المهاتما غاندي عام 1948 على يد عضو سابق في الفيلق.

تولى "مودي" زعامة حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2013، وقاد حملة الانتخابات عام 2014 بنجاح وأصبح رئيساً للوزراء.

ومنذ توليه المسؤولية ارتفع معدل البطالة إلى مستوى قياسي، وانخفض دخل المزارعين وانخفض الإنتاج الصناعي.

لكن الناخبين جددوا الثقة به في 2019، بل إن نسبة لا بأس بها من فقراء الهند يرون فيه المسيح المخلص.

ويتبنى الحزب الحاكم بشكل فج أيديولوجية قومية هندوسية، وتستند بعض القوانين على التمييز الديني، ويتم تمكين بعض المجموعات لتنفذ جرائم كراهية ضد المسلمين.

وفي عام 2013 قال مودي إن المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف واشتباكات مع الهندوس "مثل الكلاب الصغيرة التي تدهسها سيارة".

وفي نهاية 2019 قامت الحكومة بتعديل قانون الجنسية الهندي، للسماح باستقبال المهاجرين من ثلاث دول مجاورة، هي: باكستان وبنجلاديش وأفغانستان، بشرط أن يكونوا هندوساً أو بوذيين أو مسيحيين أو من السيخ، ويستثنى من ذلك المسلمون.

استشعر مسلمو الهند الخطر الداهم من وراء هذا القانون، وتبين أن هدفه هو تحويل ملايين منهم إلى مشردين في بلدهم، فعند إجراء أي إحصاء في المستقبل، سيطلب وفقاً للقانون من كل شخص موجود على أرض الهند أن يثبت أن والديه كانا في البلاد قبل عام 1971 في ولاية آسام، وقبل عام 1987 في باقي ولايات الهند.

بموجب القانون أصبح المسلمون دخلاء سيحرمون من المدارس والمستشفيات الحكومية المجانية، والالتحاق بالوظائف الحكومية أو الحصول على القروض من البنوك، أو الحصول على أوراق رسمية مثل جوازات السفر ورخصة القيادة وبطاقات الأغذية المدعومة والمعاشات.

إذن طبقاً للقانون يظل هؤلاء على هامش الحياة لسنوات طويلة إلى أن تتغير الحكومة ويوجد لهم حلّ.

وخرج الهنود إلى شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على قانون المواطنة الجديد الذي أثار جدلاً كبيراً.

وأدت الاحتجاجات في عشرات الجامعات إلى شن حملة قمع عنيفة أسفرت عن اعتقال الآلاف.

ولاية آسام

يمثل المسلمون نحو 30% من سكان ولاية أسام، وهي ثاني الولايات الهندية من حيث عدد المسلمين بعد جامو وكشمير، بنحو 9 ملايين نسمة.

ويرى أغلب المحللين أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء ما يتعرض له المسلمون في آسام حالياً.

بمعنى أكثر دقة، هناك خطة لتكثيف عمليات اضطهاد المسلمين وتهجيرهم خارج الولاية مقابل تسكين هندوس مكانهم.

وبعد صدور القانون قررت أسام الهندية أن مليونين من المسلمين لا يستوفون شروط الجنسية الهندية، رغم وجودهم فيها، أباً عن جد.

وتردد أن الولاية تريد ترحيلهم إلى بنجلاديش المجاورة، بالرغم من عدم وجود علاقة لهم بها.

وشنت سلطات ولاية آسام حملة لتهجير800 أسرة من الفلاحين المسلمين الذين يسكنون أرضاً رملية بمنطقة دَرانْغ بالولاية منذ سبعينيات القرن الماضي، بحجة أنها أراض تابعة للدولة.

وتظلّم هؤلاء المسلمون أمام المحكمة العليا وأبدوا استعدادهم للانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، ولكن السلطات فاجأتهم، في الصباح الباكر يوم 25 سبتمبر 2021 بقوة تتكون من مئات الجنود مع 14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجدين ومدرسة دينية.

وحين احتج الأهالي أطلق الجنود النيران عليهم، فقتلوا رجلاً وطفلاً وجرحوا 20 شخصاً، وتقيم هذه العائلات الآن في العراء على ضفاف نهر في موسم الأمطار، وكانت هذه الحادثة أحدث الحلقات في سلسلة شهدت تهجير 6 قرى في المنطقة بالأسلوب نفسه.

وهددت الحكومة على لسان وزير الداخلية المتشدد، أميت شاه، بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من البلاد عبر برنامج حكومي استخدم مؤخراً في ولاية آسام الشمالية الشرقية ويعرف الجميع أنه كان يقصد مسلمين.

"هذه ليست الهند الشاملة لجميع الأطياف التي نشأت فيها. إننا نستحق ما هو أفضل من هذا نحن- الـ200 مليون مسلم في الهند الجديدة"، يقول باتريك كوكبيرن في صحيفة Independent البريطانية ويعقد مقارنة بين مذبحة نيودلهي في فبراير 2020 وأعمال العنف التي حدثت بحق اليهود في 9 و10 نوفمبر 1938 في كل من ألمانيا والنمسا المحتلة ومناطق في تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل القوات الألمانية، حين قُتل عشرات اليهود فيما عُرف بليلة البلور أو ليلة الزجاج المكسور.

ومع أن تواطؤ الحكومة الهندية لم يكن مباشراً، على عكس ما وقع في ألمانيا قبل 82 سنة، فإن نشطاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ورئيس الوزراء ناريندرا مودي كانوا في طليعة الهجوم على المسلمين.

وأكد الكاتب أن القومية الهندوسية ومحاولة تهميش أو طرد 200 مليون مسلم هندي من البلاد تحتلان موقعاً متقدماً في صلب أجندة الحزب الحاكم وزعيمه مودي.

العنف الذي يواجهه المسلمون في الهند ينبع من الكراهية التي تشتعل بتوجيه من الحكومة الهندية.

ما يحدث ليس مواجهات بين الهندوس والمسلمين، بل هو عنف على وجه التحديد ضد المسلمين من قبل جماعات اليمين المتطرف القريبة من الحكومة، ما يحدث هو "مذبحة" برعاية الحزب الحاكم.

الحزب القومي الحاكم منذ عام 2014 يعمل على "هندوسية" المجتمع. يتم الآن "شيطنة" المسلمين وإزالة رواد العلمانية مثل نهرو.يتم الآن التمهيد لإخراج المسلمين من بعض المناطق بقوة الاضطهادأو إخضاعهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

انتصار طالبان

ربما كان انتصار طالبان على أمريكا وحلفائها يشكل ضربة قوية للعمق الاستراتيجي الهندي ولنفوذها الكبير الذي بنته خلال عشرين عاماً من العلاقات مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة، مما أفقدها صوابها وجعلها تسرع في سياساتها العنصرية تجاه مسلمي الهند.

وربما كان استهداف المسلمين عنصراً أصيلاً في خطة مودي من قبل سقوط كابل، وهي الخطة التي جعلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية  اليسغرية تكتب تقريراً بعنوان الهند بزعامة مودي على خطى النازية.لا عقاب للمجرم الطائفي.. ولا حساب لحكومة الهند "فالعنف هنا ضد المسلمين شائع ومنتشر، ومقبول تماماً".

فالعنف الطائفي ليس ظاهرة حديثة، لكنه ينمو بالتوافق مع استراتيجيات من يمتلكون السلطة، وقدرتهم على الحشد السياسي.

انعدام الثقة كان موجوداً دائماً بين القوميات والأديان في الهند، لكن الانقسامات ازدادت حدتها الآن بسبب القومية الدينية والقومية العرقية.

أصبحت مثل هذه الهجمات شائعة جداً في الهند اليوم وفقط بسبب الإفلات من العقاب الذي يتمتع به هؤلاء الفاشيين.

اليوم أصبحت الكراهية طاغية وبات الاعتداء على المسلمين أمراً مستحباً، كما يكافأ دعاة الكراهية على أفعالهم.

لا الحكومة الهندية تحاسب المجرمين الطائفيين.ولا العالم يحاسب حكومة الهند المتطرفة، التي ساهمت في تأجيج حريق كان موجوداً منذ عشرات السنين، لكنه أصبح على يديها أكثر التهاباً وتدميراً للجميع.