جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 10:03 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الغرابلي: أين نحن من أمانة المعلم

د. عبدالباسط الغرابلي
د. عبدالباسط الغرابلي

أوضح الدكتور عبدالباسط الغرابلي من علماء الأزهر الشريف، أن الإسلام جاء واهتم بالعلم، وكان أول ما نزل من كتاب الله الخالد قول الله عزّ وجل: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5). 

ومع بداية كل عام دراسي جديد يبدأ الطلاب تلقى العلم بكل أنواعه في جميع المدارس، وفي كل المراحل الدراسية، ولا شك أن من أكبر الفئات العاملة في المجتمع فئة المعلمين والمعلمات، وهي مهمة تعتبر أم المهمات !!

 بل إنها مهمة تشكيل عقوق الأبناء وتوجيه النصيحة لهم، وغرس كل سلوك قويم في وجدانهم، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة: قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" أخرجه الامام مسلم ..

وأشار الغرابلي إلى أن أمانة المعلم تكمن فيما يأتي: 

أولاً: الإخلاص في العمل لله تعالى.
وأكد الدكتور عبدالباسط أن كل عمل يحتاج إلى نية صادقة وإلي إخلاص في أداء الرسالة، ورسالة المعلم تحتاج إلى تصحيح النية، وإجادة التربية والتوجيه، وعلى المعلم أن يعتبر أن التلاميذ هم أولاده، ولذلك هو يفرح بما يقدمه لهم من علم نافع، ولعل الإخلاص في العمل يجعل صاحبه ربانيا بمعنى أنه يعلم لله تعالى لا من أجل الوظيفة أو المال فحسب قال الله عز وجل: "وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ " سورة آل عمران.
والإخلاص كذلك يجعل صاحبه لا يكتم العلم بل يشرح ويبصر بكل ما يملك من علم ومعرفة، ويخاف أن يقع تحت طائلة كتم العلم، والإخلاص يعينه على ذلك.
فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " أخرجه ابن حبان. 
فعلي المعلم أن يخلص في العطاء وأن يصدق في المعاملة، وأن يحرص على ما ينفع الطلاب بكل أمانة ووفاء.

ثانياً: المعلم مسؤول.               
وأشار الغرابلي إلى أن كل إنسان عليه مسئولية فإذا كان رعاة الدواب مأمونون عليها يلاحظونها ويحافظون عليها من الضياع، فما الظن بالمعلم المربي، إن مسئوليته عظيمة ومهمته كبيرة وثوابه أعظم ، وأجره أكبر،  إنه الأب الثاني لطلابه، إنه الذي لا يستهين بحق التلاميذ، ويشرح شرحاً وافياً، ويعتني بكل كلمة يقولها، لا يفرق بين شرحه في المدارس والمجموعات الخاصة أو الدروس إن جاز فعل ذلك !  فإنه إن فرق سقط من عين طلابه، وإنه إن حقق منافع دنيوية فلن يحقق منافع أخروية، ويكفي إحترام الطالب لأستاذه المتقن حتى بعد عمر طويل، فإنه كلما كبر الطالب في السن كبر أستاذه في عينه، فلا مجال للتهرب من المسؤولية وتحمل الأمانة وأداء الواجب، فلن نجني ثمار التعليم النافع إلا بحرص المعلم وصدقه ومعرفته أن الله سوف يسأله ويحاسبه.
فعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع " أخرجه الإمام النسائي .   

ثالثاً: القدوة الحسنة.                                    لفت العالم الجليل إلى أن المعلم الناجح هو القدوة الحسنة لطلابه في كل شيء، فهم يتعلمون منه الأدب قبل العلم،  وهم عنده سواسية لا فرق بينهم ، هو بمثابة الأب لهم، يسأل الغائب، لماذا غبت؟ وينظر إلى المريض ماذا بك؟ فهو العطوف عليهم، المراعي لظروفهم النفسية والسلوكية والاجتماعية، لا يتصرف تتصرف السفهاء، فلا يدخن أمامهم، و لا يتحدث بلفظ خارج، ولا يمكن للمعلم أن يؤثر في طلابه إلا إذا كان قدوة صالحة ونافعة، في مظهره الخارجي فيكون جميل الهيئة،  لأن العناية بالملبس والأناقة دون سرف أو مخيلة لها موقع السحر في العيون، وبها تسعد النفوس، والمعلم القدوة يجب أن يكون محبا لطلابه حريصاً على استقامتهم وايضا محبا لمهنته فهي مهمة الأنبياء الذين علموا الناس ودلوهم على ربهم، ولذلك فالمعلم القدوة هو الدقيق في كلامه وفي موعده وهو الحريص على الجد والاجتهاد.    

واختتم الدكتور عبدالباسط كلمته قائلا: ما أعظم مكانة المعلم وفضله، إنه الذي تنحني له الرؤوس، وتقبل الشفاه يديه ، وهو باني المجتمع وصانع الأجيال، وهو الذي يهدي الله به الشباب.
فعن سهل بن سعد  - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال لعلي - رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم " أخرجه الإمام مسلم . 
والحديث يدل على فضل المعلم وشرف منزلته بحيث إذا اهتدى على يديه رجلاً واحداً  كان ذلك خيرا له من حمر النعم، وهي خيارها وأشرفها عند أهلها فما الظن ! بمن يهتدي على يديه كل يوم جماعات من الناس.

ووجه نداءا إلى المعلم: أيها المعلم: انفذ إلى قلوب طلابك، وشكل وعيهم، وغير حالهم إلى أحسن حال، واغرس فيهم كل سلوك قويم وخلق حميد.