جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 10:37 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إِلى لَيْلى

ريتا عيسي أيوب
ريتا عيسي أيوب

ماذا أَقولُ لِصَديقَتي... وَالتي فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ... بِفُقْدانِ عَزيزٍ عَلى قَلْبِها؟

ماذا أَقولُ لَها... وَالتي باتَتْ تَبْعُدُ عَنّي بِذاكَ الفُقْدانِ... قَدْرَ مِلْيارِ سَنَة؟
هَلْ أُواسيها بِتَجْرِبَتي... وَالتي سَرَقَ المَوْتُ فيها مِنّي... أَجْمَلَ الأَحِبَّة؟
هَلْ أَخْدَعُها بِأَمَلٍ كاذِبٍ... أَمْ أُوهِمُها... بِأَنَّ الحَياةَ سَوْفَ تَسْتَمِرُّ... حَتّى مِنْ بَعْدِ فُقْدانِ ذَوي القُرْبى؟
لا... وَأَلْفَ لا...
فَما كُنْتُ أَنا أَبَدًا... مُضَلِّلَةً... لِكُلِّ مَنْ الْتَجَأَ إِلَيَّ... شاكِيًا لِيَ ظُلْمَ الحَياةِ... بِضَرْباتِ قَدَرِها المُوْجِعَة...
وَلا كُنْتُ مِمَّنْ يَعيشونَ بِالأَوْهامِ... مِنْ بَعْدِ كُلِّ فُقْدانٍ... تُباغِتُني بِهِ هَذِهِ الدُّنْيا... أَنا التي لا حَوْلَ لي وَلا قُوَّة...
ها أَنا قَدْ قَرَّرْتُ أَخيرًا أَنْ أُصارِحَها...
فَدَعوني بِاللهِ عَلَيْكُمْ... أُدْلِ بِاعْترافي لَها...
يا لَيْلى...
إِنَّ المَوْتَ حَقٌّ... إِلّا أَنَّهُ يُوْجِعُنا... نَحْنُ الأَحْياءَ... وَلا يُوْجِعُ المَوْتى...
إِنَّهُ يُباغِتُنا بِخُبْثٍ... وَلا يَتْرُكُ لَنا المَجالَ لِوَداعٍ... فَتَرانا نُخاطِبُ جُثَّةً هامِدَة...
نُخاطِبُها... مُتَناسينَ تَمامًا... بِأَنَّ الرّوحَ التي كُنّا نُحِبُّ... قَدْ فارَقَتْ ذاكَ الجَسَدَ...
فَلَعَلَّها قَدْ فارَقَتْهُ... لِأَنّها رَأَتْ... بِأَنَّها قَدْ باتَتْ لِلْمُغادَرَةِ جاهِزَة...
إِذْ إِنَّ الرّوحَ قَدْ تَسْأمُ أَحْيانًا بَدَنَها...
تَسْأَمُهُ... لَيْسَتْ لِأَنَّها تَعيسَةٌ... لا سَمَحَ الله...
وَلَكِنْ... وَرُبَّما... لِأَنَّها قَدْ اسْتَكْفَتْ مِنْ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنيا...
وَلَعَلَّها رَأَتْ أَيْضًا بِأَنَّها... لَمْ يَعُدْ لَها... عَلى هَذِهِ الأَرْضِ مِنْ مَهَمَّة...
فَتَعالي يا لَيْلى... كَيْ نَبْكي أَحِبَّتَنا مَعًا... عَلى هَذِهِ المَنِيَّة...
نَبْكيهُمْ بِحُرْقَةٍ... عَلى أَمَلِ لِقاءٍ مُتَجَدِّدٍ بِهِمْ... في الحَياةِ الأَبَدِيَّة...
تَعالي... كَيْ أَسْرُدَ لَكِ المَزيدَ... عَمّا فَعَلَهُ بِيَ... ذاكَ الطّاغِيَة...
وَكَيْفَ أَنَّني كِدْتُ أَنْ أَفْقِدَ عَقْلي... غَصْبًا عَنّي... وَلَيْسَ طَواعِيَة...
إِنَّكِ يا لَيْلى... سَوْفَ تَمُرّينَ بِمَراحِلَ ما بَعْدَ الفُقْدانِ... وَالتي هِيَ يا غالِيَتي خَمْسَة...
مَراحِلُ... سَوْفَ تُبْكيكِ... وَأُخْرى قَدْ تَباتُ بَعْدَ حينٍ مُضْحِكة...
في المَرْحَلَةِ الأولى... سَوْفَ تُنْكِرينَ... كُلَّ ما جَرى...
فَهَلْ بِاللهِ عَلَيْكِ... مَنْ يُصَدِّقُ... مُباشَرة...
بِأَنَّنا لَنْ نَرى أَحِبّاءَنا... مِنْ بَعْدِ أَنْ يُواروا الثَّرى...
وَبِأَنَّنا مِنْ بَعْدِهِمْ... بِتْنا بالمَشاعِرِ... أَفْقَرَ الفُقَراء؟
وَأَمّا في المَرْحَلَةِ الثّانِيَة... فَإِنَّكِ سَوْفَ تَسْتَشيطينَ غَضَبًا...
سَتَنْفَجِرينَ... في وَجْهِ كُلِّ مَنْ أَساءَ مَعَكِ المُعامَلَة...
وَسَتَسْتَغْرِبينَ... كَيْفَ أَنَّهُ حُزْنَكِ... ما قَدَّرَ...
كَما وَسَتَصْعُبُ عَلَيْكِ بِدايَةً... المُسامَحَة...
إِلّا أَنَّ الغَضَبَ الأَكْبَرَ... قَدْ يَكونُ مُوَجَّهًا... مِنْ بَعْدِ المَوْتِ... إِلى عَزيزِنا... الذي غادَرَ...
فَلا تَنْسي بِاللهِ عَلَيْكِ... بِأَنَّهُ بِمُغادَرَتِهِ... لَنْ يَقْطَعَ مَعَكِ الوَصْلَ...
وَبِأَنَّ كُلَّ ما عَلَيْكِ فِعْلَهُ... هُوَ أَنْ تَدْعي لَهُ... أَمامَ اللهِ بِالرَّحْمَة...
وَلا تَنْسي... أَنْ تَلْمِسي قَلْبَكِ... كُلَّما جاءَتْ ذِكْراه...
فَإِنَّكِ بِذَلِكَ... سَوْفَ تُحافِظينَ... عَلى التّواصُلِ مَعَه...
كَما وَأَنَّهُ... سَوْفَ يَسْتَمِرُّ بِزِياراتِكِ... في حُلُمٍ... أَوْ حَتّى رُؤْيَة...
وَأَمّا يا صَديقَتي بِالنِّسْبَةِ إِلى المَرْحَلَةِ الثّالِثَة... فَهِيَ سَتَبْدَأُ مَعَكِ بِالمُساوَمَة...
سَتُساوِمينَ المَوْتَ... بَعْدَ كُلِّ ما فَعَلَه...
سَتُخاطِبينَهُ... راجِيَةً إِيّاهُ... بَلْ وَلائِمَة...
أَلَمْ يَكُنْ بِإِمْكانِكَ الانْتِظارَ؟
إِلّا أَنَّكِ سَوْفَ تُدْرِكينَ بَعْدَها... بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلَكَ فائِدَة...
وَحينَها سَتَدْخُلينَ في المَرْحَلَةِ الرّابِعَة...
وَالتي أَتَمَنّى لَكِ... وَمِنْ كُلِّ قَلْبي... أَلّا تَطولَ... أَوْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلى دائِمَة...
فَالاكْتِئابُ مِقْبِلٌ بَعْدَها... لا مَحالَة...
أَكْثِري مِنَ الصّلاةِ... كَما وَلا تَنْسي الاسْتِخارَة...
وَاعْطي المَجالَ... لِمَنْ أَحَبَّكِ بِصِدْقٍ... أَنْ يَمُدَّ لَكِ يَدَ المُعاوَنَة...
لِأَنَّهُ قَدْ يَصْعُبُ عَلَيْكِ وَحْدَكِ... اجْتِيازَ كُلَّ ما حَدَثَ...
وَتَحَلّي بِالصَّبْرِ يا عَزيزَتي... إِلى أَنْ تَصِلي الفَرَجَ...
وَاغْمِضي عَيْنَيْكِ... مُكْثِرَةً مِنَ الدُّعاءِ... إِلى أَنْ تُدْرِكي التَّقَبُّلَ...
فَبِهِ تَخْتِمينَ المَرْحَلَةَ الخامِسَةَ... وَلَعَلَّكِ تَبيتينَ قادِرَةً عَلى الاسْتِمْرارِ بِحَياتِكِ... مُتَناسِيَّةً كُلَّ ما جَرى...
فَلا تَبْكي يا حَبيبَتي... وَتَذَكَّري بِأَنَّ الغَوالي... ما أَرادوا لَنا يَوْمًا... إِلّا الفَرَحَ...
فَالدُّموعُ تُبْعِدُهُمْ عَنّا... وَتَجْعَلُ زِيارَتَهُمْ لَنا... في أَحْلامِنا... مُسْتَحيلَةً... كَما لَو كانوا في غَيْرِ مَجَرَّة...