جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 03:05 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هل ستكون أوكرانيا سببا في نهاية حركة السلام الغربية؟

أوكرانيا
أوكرانيا

أسفرت الحرب الأوكرانية عن العديد من الأزمات على المستوى العالمي، علاوة على الأزمات التي تتعلق بالانسانية والطاقة والغذاء، فهناك تداعيات للخوف من الخطر على مستوى الدول والشعوب بالنسبة للمجتمعات الغربية.

وفي إطار ذلك أوضح الدكتور عمرو صلاح، المحاضر في كلية كارتر للسلام وحل النزاعات بجامعة جورج ماسون في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أن الخوف من الهجمات الروسية المحتملة انتشر من شرق العالم إلى غربه وزادت بعد تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية.

وفي الوقت الحالي، من الممكن أن تؤدي مشاعر عدم الأمان إلى إنهاء عقود من انجازات حركة السلام الغربية من خلال التأثير على خيارات الجهات السياسية الرسمية الفاعلة والسياق الثقافي في المجتمعات الغربية.

وتعتمد المخاوف من إمكانية انتهاء حركة السلام الغربية على ثلاثة اتجاهات وتوقعات: انتهاء نزع السلاح النووي لفترة ما بعد الحرب الباردة، والإنفاق المتزايد على الأسلحة، والتحول الجذري في الرأي العام الذي يتضح في الدعم للتسليح والحفاظ على الأسلحة النووية في الغرب.

فبعد عقود من انخفاض الإنفاق على الترسانات والأسلحة النووية من المتوقع أن يكون هناك تزايد في هذا الإنفاق نتيجة للتهديدات الروسية والمخاوف الشعبية من عدم الأمان.

وأضاف صلاح أنه طوال عقود كان الحد من الترسانات النووية و الإنفاق على الجيوش عوامل مساهمة رئيسية لحركة السلام الغربية.
على الرغم من أن هناك جدلا في الأدبيات الأكاديمية بالنسبة لدور الحركة في إنهاء الحرب الباردة، هناك شبه إجماع على أن هناك إحساسا عميقا بتأثيرات الحركة على المستوى الاجتماعي والثقافي الأوسع نطاقا.

وشمل ذلك تشكيل أعراف وقيم القرن الحادي والعشرين بالنسبة للسلام، وإنهاء الاحتكار الرسمي بالنسبة للقرارات الخاصة بالحرب والسلام، وتوعية جزء كبير من المواطنين الغربيين ضد الحرب والأسلحة النووية، إضافة إلى غرس قيم الحركة في الأحزاب الرئيسية والمؤسسات متعددة الأطراف، مما يمثل ضغطا على القوى العالمية للحد من ترساناتها النووية، وتشكيل قيم الأجيال الجديدة والقادة التقدميين.

وكل تلك العوامل مجتمعة شكلت السياق الذي تم في إطاره توقيع وتنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي( روسيا فيما بعد)، وقد اتخذ الغرب والاتحاد السوفيتي ( روسيا لاحقا) خطوات جادة نحو خفض التصعيد.

وتوضح البيانات أن هناك انخفاضا كبيرا في الإنفاق العسكري في الغرب وانخفاضا آخرا في مخزونات الترسانات النووية.

ووفقا لمعهد ابحاث السلام الدولي في ستوكهولم ( سيبري) انخفض الإنفاق العسكري كنسبة مئوية من أجمالي الناتج المحلي من 3ر%4 في عام 1982 إلى 2ر2 % في عام.2019 وانخفض الإنفاق العسكري في دول مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة خلال نفس الفترة من 8ر6%، و25ر3%، و40ر3%، و4ر5% إلى 43ر3%،و 84ر1%،و26ر1%، و 2% على التوالي. كما توضح البيانات أن مخزونات الرؤوس الحربية النووية انخفضت بشكل كبير من 375ر770 في عام 1986 إلى 705ر12 في عام.2022.

ويقول صلاح أن هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر مثلت تحديا بعد سنوات من الانحسار. واعتمادا على الأعراف السلمية لفترة ما بعد الحرب الباردة، تحدت حركة السلام الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تزعمها جورج دبليو بوش وتوني بلير. وعلى الرغم من أن الحركة لم تستطع وقف غزو العراق وأفغانستان، أثبتت تعبئة الملايين ضد الحروب أن الحركة لها أهميتها ولها اتباعها.

ورغم الاتهامات بأن هناك تسلل فيها للماركسيين والاسلامويين الراديكالين، أثبتت هذه الحروب أن موقف الحركة كان صحيحا، فحرب بوش ضد الإرهاب لم تؤد إلى القضاءعلى الإرهاب.

وعلى العكس، فقد دفعت الجيش الأمريكي نحو منحدر زلق، وخلقت فوضى في العراق أسفرت في نهاية المطاف عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) بعد عشرين عاما، وهو تنظيم أكثر وحشية من تنظيم القاعدة، وجعل إيران أكثر قوة عن ذي قبل.

وفي الوقت الراهن، لم يؤد غزو روسيا لأوكرانيا إلى تركيز جديد على الدفاع والأمن فحسب، لكنه أيضا أضعف مواقف من يدعون إلى الحد من الإنفاق العسكري والترسانات النووية.

ففي المملكة المتحدة زاد الدعم لتبديل الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية تريندت واللجوء إلى نظام دفاع صاروخي نووي قوي إلى 42% في آب/أغسطس 2022 بالمقارنة بـ32% فبل شهور قليلة من الغزو الروسي. وفي تلك الفترة انخفض عدد من يرون أنه يتعين على المملكة المتحدة التخلي عن الأسلحة النووية من 24% إلى16% فقط.

وفي ألمانيا، وهي دولة معروفة تقليديا أنها ضد التسلح وارسال الأسلحة إلى مناطق النزاعات، تغير موقف الرأي العام المحلي بعد الغزو الروسي. وقد تم اتخاذ قرار ارسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا في سياق بدا فيه أن الكثير من الناخبين الألمان يؤيدون إنشاء المستشار أولاف شولتس لصندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو للمشتريات العسكرية، وتخصيص أكثر من 2% من إجمالي الناتج المحلي الألماني للدفاع.

وفي الولايات المتحدة، حيث يشعر 80% من الأمريكيين تقريبا بالقلق إزاء اندلاع حرب أوسع نطاقا أو إمكانية استخدام روسيا للأسلحة النووية، تمت الموافقة على الميزانية العسكرية للعام المالي 2023 دون أي اعتراضات.

وفي مثل هذا السياق الحساس، تبدو حركة السلام الغربية التي قامت بالتعبئة ضد العدوان الروسي مترددة في رفع صوتها ضد الحكومات الغربية وإحياء مهمة بدأتها منذ عشرات السنين. فتلك المهمة تتطلب عملا ملموسا لضمان ألا يكون الرد الغربي على العدوان الروسي على حساب المواطنين المعرضين للخطر في المجتمعات الغربية، حيث ما زال الكثيرون يعانون من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، ومن زيادة أسعار الطاقة مؤخرا.

ويتعين على الحركة أن تقوم بتعبئة مواردها لممارسة أقصى درجات التحقق ومراقبة الميزانيات العسكرية الغربية وأن تهدف إلى إبطاء الاندفاع نحو إعادة التسلح النووي الذي سوف يؤثر على الإنفاق العام والرعاية الاجتماعية.

ويقول صلاح أن كل ذلك يتطلب صياغة واضحة وصريحة لموقف الحركة، والتأكيد على أنه رغم أن زيادة الإنفاق العسكري قد تردع روسيا والصين في المدى القصير، فإن هذا سيؤدي في المدى الطويل إلى تفاقم المتاعب الاجتماعية الاقتصادية وعدم الأمان الاجتماعي في الغرب. وهذا بدوره يمكن أن يفيد الحركات الشعبوية، ويقلص من مرونة المجتمعات الغربية داخليا ويؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الأنظمة الروسية والصينية على المستوى العالمي بدلا من إضعافهما.

ومع ذلك، لا يمكن القول أن مهمة حركة السلام بدون تحديات. وأكبر هذه التحديات هو الراي العام الهائج حاليا والأصوات الشعبوية التي سوف تتهم الحركة بتقديم تنازلات، لكونها غير متشددة بالنسبة لقضايا الأمن القومي، وتسترضي المعتدين. وتلك التحديات تثير تساؤلا وهو: هل لدى الحركة القدرة على التغلب على انحسارها عندما يحتاج إلى التدفق؟