مصر تستضيف أكبر مشروع صناعي روسي في الشرق الأوسط: ”صن سيتي” في بورسعيد

تعد الشراكة بين مصر وروسيا في إقامة المنطقة الصناعية الروسية في "صن سيتي" خطوة استراتيجية هامة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. يأتي هذا المشروع في إطار جهود مصر لتنويع مصادر الاستثمار وتوطين الصناعة، بينما تسعى روسيا لتعزيز وجودها الاقتصادي في المنطقة وتجاوز التحديات التي تفرضها العقوبات الغربية. يمثل هذا المشروع فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا، وتوطين الصناعات المختلفة في مصر، بما يسهم في تعزيز الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية المستدامة.
صفقة بمذاق جيوسياسي
في مشهد له رمزيته العميقة، جلس وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري حسن الخطيب، إلى جوار نظيره الروسي أنطون أليخانوف، لتوقيع عقد الانتفاع بالمنطقة الصناعية الروسية، إيذانًا ببدء أكبر مشروع صناعي روسي في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
لكن ما وراء التوقيع، أكبر بكثير من مجرد ورقة وعقد.
فهذه المنطقة الصناعية ليست مجرد مصانع ومخازن، بل جسر صناعي روسي نحو أفريقيا والشرق الأوسط، ونقطة انطلاق جديدة لموسكو التي أدركت، في ظل العقوبات الغربية، أهمية البحث عن أسواق بديلة وفرص تصدير جديدة... بعيدة عن النفط والغاز.
من سوتشي إلى بورسعيد: الطريق إلى "صن سيتي"
بدأ الحلم في سوتشي عام 2014، عندما اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس فلاديمير بوتين.
لم يكن اللقاء عاديًا، بل مثّل لحظة مفصلية في رسم ملامح شراكة اقتصادية تتجاوز العلاقات التقليدية بين الدول.
بعدها بثلاث سنوات، بدأت المفاوضات الحقيقية حول إقامة "المنطقة الصناعية الروسية" على الأراضي المصرية، وتحديدًا في شرق بورسعيد، القلب النابض للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
لماذا تهتم روسيا؟ ولماذا تربح مصر؟
روسيا تربح لأنها تبحث عن منفذ جغرافي جديد يفتح لها أسواقًا ضخمة، من مصر إلى أفريقيا، من قناة السويس إلى الخليج.
الصناعات الروسية في السيارات، والدواء، والبتروكيماويات والطاقة، تجد في مصر موقعًا استراتيجيًا يصعب تعويضه.
أما مصر، فتكسب أكثر مما يتوقع البعض:
استثمارات ضخمة تبلغ 4.6 مليار دولار
فرص عمل لعشرات الآلاف من المهندسين والفنيين
نقل تكنولوجيا وخبرات صناعية
وتأكيد جديد على أن مصر أصبحت محورًا اقتصاديًا عالميًا
روسيا.. على ضفاف المتوسط
المثير أن الروس لا ينوون فقط إقامة مصانع، بل يسعون لإضفاء لمستهم الثقافية والجغرافية على المشروع.
فـ"صن سيتي" ستقام على ألفي هكتار على شكل نصف دائرة:
الجزء الشرقي منها سيحمل اسم "موسكو"
والغربي سيحمل اسم "سانت بطرسبرغ"
أما المساحة بينهما فستُسمى "الأورال"، تيمنًا بالمنطقة الواقعة وسط روسيا.
مدينة كاملة برؤية روسية على الأراضي المصرية، وبقلب ينبض بالتعاون المصري الروسي.
أكثر من صناعة.. إنها سياسة واقتصاد معًا
المشروع لا ينفصل عن السياق الدولي المتغير.
فالعقوبات الغربية على روسيا جعلت موسكو تعيد توجيه بوصلتها شرقًا وجنوبًا.
وفي الوقت ذاته، تبحث القاهرة عن شراكات استراتيجية غير تقليدية، تنوع مصادر الاستثمار والدخل، وتخرج الاقتصاد من أسر الاعتماد على الاستيراد والديون.
ومن هنا، يبدو أن المنطقة الصناعية الروسية ليست مجرد صفقة استثمار... بل صفقة استراتيجية، توحد مصالح القاهرة وموسكو في مواجهة عالم شديد التقلب.
"مدينة الشمس" ليست فقط مصنعًا على شاطئ المتوسط، بل إعلان رمزي واقتصادي بأن مصر تعود لتكون لاعبًا أساسيًا في جغرافيا الاستثمار العالمي، وأن قناة السويس لم تعد فقط ممرًا للسفن.. بل بوابة لصناعة المستقبل.