جريدة الديار
الأربعاء 25 يونيو 2025 01:22 صـ 28 ذو الحجة 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

دمشق: هجوم إرهابي يهز الاستقرار الأمني

هجوم داعش على كنيسة دمشق
هجوم داعش على كنيسة دمشق

في تصعيد صادم ومفاجئ، نفذ تنظيم "داعش" هجوماً دموياً استهدف كنيسة "مار يوسف" في قلب العاصمة السورية دمشق، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، معظمهم من المصلين، في حادثة أعادت إلى الأذهان سنوات العنف الطائفي والحرب السوداء التي أنهكت البلاد.

وقع الهجوم مساء الأحد الماضي، بينما كان عشرات المدنيين يؤدون الصلاة داخل الكنيسة الواقعة في حي القصاع ذي الغالبية المسيحية، عندما دوّى انفجار عنيف، تبين لاحقاً أنه ناجم عن عبوة ناسفة تم زرعها داخل أحد المقاعد الخلفية.


وبعد دقائق من الفوضى، فتح مسلح يرتدي زياً مدنياً النار عشوائياً داخل الكنيسة، قبل أن يُقتل برصاص قوات الأمن التي وصلت إلى الموقع سريعاً.

وبحسب بيان نشره تنظيم "داعش" عبر منصاته الدعائية، فإن الهجوم يأتي " في إطار استهداف الرموز الدينية"، في لهجة طائفية اعتاد التنظيم استخدامها لتحريض أتباعه وتبرير هجماته.

ضحايا ومشاهد مروعة

أسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن 9 أشخاص، بينهم ثلاث نساء وطفل، وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح، بعضهم في حالة حرجة.

وقد بثت وسائل إعلام محلية مشاهد مروعة تُظهر تحطم النوافذ الزجاجية، وتناثر الدماء داخل القاعة الرئيسية للكنيسة.


شهود عيان تحدثوا عن حالة من الذعر سادت المكان، وعن تأخر سيارات الإسعاف في الوصول بسبب إغلاق الطرق الأمنية في محيط السفارة العراقية القريب.

رسائل سياسية وطائفية

ويرى محللون أن اختيار التنظيم لكنيسة في دمشق، العاصمة التي طالما وصفت بـ"الحصن الأمني"، يحمل رسائل تتجاوز الفعل الإرهابي نفسه.

فهو هجوم يضرب صورة الاستقرار التي تسعى الحكومة إلى ترسيخها في الفترة الأخيرة، ويستهدف النسيج الاجتماعي السوري المتصدع منذ أكثر من عقد.


ويحذر مراقبون من أن مثل هذه الهجمات قد تعيد شبح التوترات الطائفية، خصوصاً في ظل تصاعد الخطاب المتشدد على بعض المنصات الإلكترونية ووسط ظروف اقتصادية ومعيشية خانقة.

ردود فعل دولية ومحلية

سارعت شخصيات كنسية في سوريا ولبنان إلى إدانة الهجوم، داعين إلى التهدئة وعدم الانجرار وراء الفتنة، فيما اعتبرته وزارة الخارجية السورية "محاولة يائسة من فلول الإرهاب لإرباك الداخل السوري وزرع الفوضى".

أما على الصعيد الدولي، فقد أعربت الأمم المتحدة عن "صدمتها العميقة"، مطالبة بفتح تحقيق مستقل وسريع، بينما طالبت منظمات حقوقية بضمان حماية دور العبادة في مناطق النزاع.

تأثيرات ومخاطر هجوم داعش على الكنيسة

هجوم داعش على كنيسة في قلب العاصمة دمشق يُعد تطوراً خطيراً يحمل عدة تداعيات أمنية واستراتيجية تمس استقرار سوريا الداخلي وتفتح الباب أمام مخاطر مركبة، يمكن تلخيصها فيما يلي..

ضرب صورة "الاستقرار الأمني" في قلب العاصمة
لطالما قدمت الحكومة السورية دمشق على أنها منطقة آمنة وخاضعة للسيطرة الكاملة، رغم الاضطرابات في الأطراف.

الهجوم ينسف هذه الصورة، ويكشف عن ثغرات أمنية خطيرة حتى في المناطق المحصّنة.


هذا قد يُضعف ثقة المواطنين بالقدرة الأمنية للنظام ويُشجع خصومه على استغلال الموقف.

عودة "داعش" كلاعب فعال في العمق السوري
رغم تراجعه عسكرياً، يشير الهجوم إلى أن التنظيم ما زال يمتلك شبكات خلايا نائمة يمكنها التحرك وسط العاصمة.

هذا يعزز مخاوف من أن "داعش" انتقل إلى مرحلة حرب العصابات والأهداف الرمزية، التي يصعب رصدها وإحباطها مسبقاً.

مخاطر إعادة تأجيج الفتنة الطائفية
استهداف كنيسة يحمل رمزية دينية وطائفية خطيرة، قد تُعيد تأجيج الصراعات الأهلية القديمة، خصوصاً في أحياء مختلطة دينياً.

داعش يسعى بشكل واضح إلى جر السوريين نحو فتنة دينية جديدة تخدم مشروعه التفكيكي.

إرباك أجهزة الأمن وإرهاقها
الهجوم يدفع السلطات الأمنية لإعادة توزيع مواردها وتعزيز الحماية في مناطق كثيرة، ما يُضعف قدرتها على مواجهة التهديدات الأخرى، خاصة في البادية والمناطق الحدودية.

هذا قد يؤدي إلى تفريغ بعض المناطق من السيطرة الفعلية، مما يعيد سيناريو التمدد السريع للتنظيم.

تأثير سلبي على جهود المصالحة وإعادة الإعمار
أي هجوم طائفي يُضعف الجهود الجارية في ملفي المصالحة الوطنية وعودة اللاجئين.

كما أنه يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين أو المانحين الدوليين في أمان البيئة السورية.

تنشيط خلايا مشابهة في مناطق أخرى
نجاح العملية في دمشق قد يُلهم خلايا متشددة نائمة في مدن كحمص، حلب، أو حتى السويداء لتنفيذ عمليات مماثلة، مما يزيد الضغط على الأجهزة الأمنية ويعيد البلاد إلى مربع الخوف.

الهجوم ليس مجرد اختراق أمني عابر، بل يُعد تحولاً نوعياً في نشاط داعش، وخطراً جسيماً على السلم الأهلي ووحدة المجتمع السوري. وهو يُحتم على الحكومة والمجتمع التحرك بوعي، ليس فقط أمنيًا، بل أيضًا فكريًا ومجتمعيًا، لمواجهة جذور التطرف ومنع عودة الفوضى.