حكم من أكل أو شرب ناسيًا في صيام يوم عاشوراء.. الموقف الشرعي

يصوم اليوم السبت 5 يوليو 2025، العاشر من شهر الله المحرم لعام 1447 هـ، وهو يوم عاشوراء، الذي يُعد من أعظم الأيام التي يصومها المسلمون لما فيه من فضل كبير، فقد صامه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأوصى بصيامه، لما له من منزلة عظيمة في الإسلام، ولأنه اليوم الذي نجى الله فيه نبيه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون وجنوده، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم شكرًا لله، وقال: "أنا أحق بموسى منهم"، فصامه وأمر بصيامه.
وفي هذا اليوم الفضيل الذي يصومه ملايين المسلمين حول العالم طمعًا في الأجر ورضا الله سبحانه وتعالى، تتجدد الأسئلة حول بعض الأحكام المتعلقة بالصيام، ومنها حكم من يأكل أو يشرب ناسيًا وهو صائم، خاصة في صيام النوافل ومنها صيام يوم عاشوراء.
وفي هذا السياق، جددت دار الإفتاء المصرية فتواها بشأن من أكل أو شرب ناسيًا أثناء صيام يوم عاشوراء أو في أي من صيام التطوع، موضحة أن صيامه صحيح، ولا يفسد، ولا يجب عليه القضاء، ولا تلزمه كفارة، ويجوز له إتمام صيامه ولا شيء عليه، ما دام الأكل أو الشرب قد وقع نسيانًا ودون قصد منه.
وأوضحت دار الإفتاء أن هذه الفتوى تستند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه"، وهو حديث يدل على سماحة الشريعة ورحمة الله بعباده، وأن ما يقع من المسلم من غير قصد، لا يؤاخذ به.
حكم من نسى وهو صائم وأكل وشرب
كما استدلت دار الإفتاء بحديث آخر صحيح ورد عن الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"، وهو حديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم، ويُعد من الأحاديث الصحيحة المحكمة في هذا الباب، وقد أجمع العلماء على العمل به، وأقروا أن النسيان لا يفسد الصيام.
وأكدت دار الإفتاء أن هذا الحكم ينطبق على كل أنواع الصيام، سواء كان الصيام فرضًا، مثل صيام شهر رمضان، أو نذرًا، أو كفارة، أو تطوعًا ونفلًا، كصيام يوم عاشوراء، ويوم عرفة، وست من شوال، وغيرها من الأيام التي يُستحب فيها الصيام. وأضافت أن الشريعة الإسلامية في هذا الباب – كما في غيره – قائمة على اليسر ورفع الحرج، وقد قرر الفقهاء أن "النسيان عذر معتبر شرعًا"، و"لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها"، وهو من القواعد الكبرى التي بُنيت عليها الأحكام الشرعية.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن المسلم إذا أكل أو شرب ناسيًا، ثم تذكّر، وجب عليه أن يمتنع فورًا عن الاستمرار في الأكل أو الشرب، وأن يلفظ ما في فمه إن كان فيه شيء، ثم يُكمل صيامه، ولا يلتفت إلى الوساوس أو يظن أن صيامه قد فسد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ من وقع له ذلك على صحة صومه، وبيّن أن ما أكله أو شربه قد كان من فضل الله عليه، لا من فعله المتعمد.
وختمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن هذه الأحكام تمثل رحمة الإسلام وشمول عدله، وأن الله عز وجل لطيف بعباده، فلا يُكلفهم فوق طاقتهم، وأن من عظمة هذا الدين أنه راعى أحوال المكلفين، وفتح لهم باب الطاعات دون مشقة أو تعنت، داعية المسلمين إلى اغتنام هذا اليوم المبارك بالإكثار من الصيام والدعاء والاستغفار، والتوسعة على الأهل، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من وسّع على أهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته".