جريدة الديار
الإثنين 1 سبتمبر 2025 10:57 مـ 9 ربيع أول 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
المفكر الموريتانى/ آب الشيخ فاضل فى ندوة المرأة الموريتانية بمركز الحوار المدن المنجمية في ندوة المرأة الموريتانية بمركز الحوار تصعيد بين فنزويلا والولايات المتحدة: مادورو يرفض الضغوط الأمريكية مديرية الصحة بالبحيرة تغلق 11 منشأة طبية خاصة لمخالفتها الاشتراطات مصر تحذر من عواقب الاستمرار في العدوان على قطاع غزة والتراجع عن مسار السلام الحادث البحيرة أسفر عن إصابة 11 شخصًا ونقل المصابين إلى مستشفى وادي النطرون التخصصي ضبط شخص إطلاق أعيرة نارية بشكل عشوائي بدائرة قسم شرطة ثان شبرا الخيمة انطلاق تدريبات المرحلة الأولى من المشروع القومي للموهبة الحركية بالبحيرة القبض على شباب يعتدون بالجنزير على المارة في شوارع الجيزة إخلاء سبيل الخادمة المتهمة بسرقة فيلا حمادة هلال وزوجته بعد التصالح اعتمد وزير التربية والتعليم نتيجة امتحانات الدبلومات الفنية للدور الثاني بدأ التقديم للصف الأول الثانوي الفني بالبحيرة اعتبارًا من اليوم الاثنين

القبض على شباب يعتدون بالجنزير على المارة في شوارع الجيزة

المتهمين
المتهمين

لم يعد العبث بأمن الشارع المصري أو اللعب على أوتار "الترند" على حساب كرامة المواطنين أمرًا يمر مرور الكرام. فمع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، ظهر نوع جديد من الجرائم يعرف بـ"جرائم السوشيال ميديا"، حيث يسعى بعض الخارجين عن القانون لتحقيق مشاهدات عالية عبر ممارسات صادمة، تتنوع بين السخرية المهينة والاعتداء البدني المباشر.

لكن وزارة الداخلية المصرية، التي وضعت على عاتقها حماية المواطن وصون أمنه في الشارع وعلى الإنترنت، لم تتهاون أمام هذه الأفعال المستفزة التي أثارت غضب الرأي العام.
وفي واقعتين منفصلتين هزتا مواقع التواصل، كان أبطالها مجموعة من الشباب المتهورين الذين استخدموا دراجات نارية وأدوات حادة كالجنزير الحديدي في مهاجمة المارة بشكل مباغت، بل وتوثيق تلك الجرائم بالصوت والصورة لنشرها كوسيلة لكسب "اللايكات" وزيادة نسب المشاهدة.


لكن سرعان ما تحركت الأجهزة الأمنية، وبتتبع دقيق وفحص مستفيض، تمكنت من تحديد هوية المتهمين وضبطهم في زمن قياسي، ليؤكد الأمن المصري مرة أخرى أن العبث بأمن المواطن خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

الواقعة الأولى: اعتداء بالجنزير في شوارع الجيزة
أثارت الواقعة الأولى حالة من الذهول بين المواطنين، بعدما تم تداول مقطع فيديو صادم يظهر ثلاثة شباب يستقلون دراجة نارية ويقومون بالاعتداء بشكل وحشي على المارة مستخدمين "جنزير حديدي".

المشهد الذي بدا أقرب إلى مشاهد أفلام الأكشن لم يكن تمثيلًا أو مزحة عابرة، بل اعتداء حقيقي استهدف إحدى السيدات المارة، الأمر الذي دفع أحد المواطنين – موظف بإحدى الشركات – لمحاولة التدخل وإنقاذها.


إلا أن محاولته البطولية انتهت بسقوطه أرضًا، بعد انزلاق قدمه، ما أسفر عن إصابته بكسر بمفصل الركبة، وهو ما ضاعف من حالة الغضب الشعبي تجاه هذا التصرف الطائش.
الأجهزة الأمنية لم تترك الأمر للصدفة، فبمجرد رصد الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، كلفت فرق البحث بفحص ملابساته، وتبين أن البلاغ قد ورد بالفعل لقسم شرطة بولاق الدكرور. ومن خلال التحريات المكثفة وتتبع خط سير الدراجة النارية، أمكن تحديد هوية المتهمين الثلاثة: قائد الدراجة وعاملان يرافقانه، وجميعهم مقيمون بدائرة القسم. المداهمة الأمنية أسفرت عن ضبط المتهمين في وقت قياسي، إضافة إلى ضبط الدراجة النارية والجنزير الحديدي المستخدم في الاعتداء.


وبمواجهتهم لم يجدوا مفرًا من الاعتراف بارتكاب الواقعة، مبررين فعلتهم بأنها كانت بدافع "اللهو" فقط. هذا الاعتراف زاد من غضب الرأي العام، إذ كيف يتحول "اللهو" إلى أداة لإرهاب المواطنين وبث الخوف في الشوارع؟

ظهرت واقعة أخرى مشابهة، زادت الطين بلة وأشعلت مواقع التواصل.

فقد تداول رواد السوشيال ميديا مقطع فيديو آخر يظهر فيه شابان يستقلان دراجة نارية ويقومان بالاعتداء على المواطنين في الشارع بالصفع المباغت والضرب، بينما يتولى شخص ثالث مهمة التصوير، في مشهد مقزز يفتقد لأدنى درجات الإنسانية.

الفيديو أثار موجة عارمة من الغضب الشعبي، خصوصًا مع الطريقة الاستعراضية التي تعامل بها الجناة، وكأنهم ينفذون "تحديًا" جديدًا على حساب أمن المواطن وكرامته.
اوضحت وزارة الداخلية في بيانها أن الفحص المبدئي كشف عدم وجود بلاغات مباشرة بشأن الواقعة، لكن ذلك لم يمنع رجال الأمن من التحرك السريع، حيث تم تشكيل فريق بحث تمكن من تحديد هوية المتهمين الثلاثة، وتبين أنهم عاطلان، لأحدهما سوابق جنائية، إضافة إلى المصور الذي اتضح أنه أيضًا عاطل وله معلومات جنائية. عملية الضبط جرت بسرعة واحترافية، حيث عُثر بحوزتهم على الدراجتين الناريتين المستخدمتين في الاعتداء.

وبمواجهتهم اعترفوا بأن ما قاموا به لم يكن سوى "مزاح" وتصوير متفق عليه بهدف نشره عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي لزيادة نسب المشاهدة. هذه الاعترافات عكست بوضوح كيف تحولت رغبة البعض في "الترند" إلى سلوك إجرامي يهدد أمن وسلامة المجتمع.
لا يتهاون القانون المصري مع مثل هذه الجرائم التي تهدد حياة المواطنين وتثير الذعر في الشارع. وفقًا لنصوص قانون العقوبات، فإن الاعتداء على المارة باستخدام أدوات حادة أو العنف المفرط يندرج تحت جرائم "البلطجة" و"الترويع" و"التخويف" المعاقب عليها بالسجن المشدد، خاصة إذا ترتب على الجريمة إصابات جسدية كما حدث في واقعة الجيزة.

كما أن استخدام الدراجات النارية في ارتكاب الجريمة يعزز تهمة "استخدام وسائل معدة لإيذاء المواطنين"، وهي جريمة مشددة العقوبة.
أما في واقعة التصوير ونشر الفيديوهات، فإن المتهمين يواجهون أيضًا تهمة "إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، وهي جريمة منصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي قد تصل عقوبتها إلى الحبس والغرامة.

وبذلك، فإن المتهمين أمام عدة اتهامات متراكبة قد تضعهم خلف القضبان لسنوات طويلة، لتكون عبرة لكل من يفكر في استغلال السوشيال ميديا لنشر العنف والفوضى.



اعترافات صادمة: "اللهو" و"المزاح" حجة الجناة
ما يزيد من خطورة هذه الجرائم هو المبررات التي ساقها المتهمون عقب ضبطهم. ففي الواقعتين اعترف المتهمون بأنهم ارتكبوا الأفعال بدافع "اللهو" و"المزاح"، بل ذهب بعضهم إلى القول إن الهدف كان رفع نسب المشاهدة على حساباتهم بمواقع التواصل.

هذه الاعترافات كشفت خللًا واضحًا في وعي بعض الشباب الذين أصبحوا يربطون قيمتهم المجتمعية بعدد المشاهدات والمتابعين، دون أي اعتبار لحرمة القانون أو سلامة الآخرين.
الخبراء أكدوا أن مثل هذه التبريرات لا يمكن أن تُقبل أو تُخفف من مسؤولية الجناة، بل على العكس، تُظهر مدى الاستهتار الذي وصل إليه البعض، ما يستدعي مواجهة حاسمة بالقانون من ناحية، والتوعية المجتمعية من ناحية أخرى.



خبراء الأمن وعلم النفس: تشخيص السلوك وطرق العلاج


يرى خبراء الأمن في تصريحات صحفية أن هذه الوقائع تمثل نمطًا جديدًا من الجرائم المستحدثة، التي تتشابك فيها الدوافع النفسية مع تأثيرات الإعلام الجديد.

فالمتهمون لم يكتفوا بارتكاب جرائمهم، بل سعوا عمدًا إلى توثيقها ونشرها على الملأ، في محاولة للظهور وكسب الاهتمام. هذا السلوك يعكس انتقال الجريمة من إطارها الفردي التقليدي إلى جريمة استعراضية تستهدف الرأي العام مباشرة.


ومن هنا تكمن خطورتها، لأنها تضرب في صميم الإحساس بالأمان المجتمعي.


أما من الناحية النفسية، فإن تشخيص شخصية هؤلاء المتهمين يشير إلى وجود خلل في أنماط التفكير لديهم، حيث تغلب عليهم سمات البحث عن "الإثارة" والشعور بالتميز عبر طرق غير مشروعة. هؤلاء الشباب يعانون غالبًا من ضعف في تقدير الذات، ما يدفعهم إلى محاولة تعويض هذا النقص من خلال جذب الأنظار بوسائل صادمة، حتى لو كانت غير أخلاقية أو إجرامية.

كما أن وجود عناصر لديهم سجل جنائي سابق يكشف أن بعضهم قد يكون معتادًا على تجاوز القانون، وأن منصات التواصل لم تكن سوى وسيلة جديدة لتسويق انحرافهم.
خبراء علم النفس يؤكدون أيضًا في تصريحات صحفية أن هذه السلوكيات لا تنشأ فجأة، بل هي نتاج تراكمات مجتمعية تبدأ من غياب التوجيه الأسري السليم، مرورًا بالفراغ العاطفي، وصولًا إلى الإدمان غير الواعي لمواقع التواصل.

وهنا يظهر دور "الإدمان الرقمي" الذي يجعل بعض الأفراد يلهثون وراء المشاهدات والتعليقات وكأنها مكسب حقيقي يعوض عن إحباطاتهم الواقعية.


العلاج، وفقًا للمتخصصين، لا يتوقف عند العقوبة القانونية فقط، بل يجب أن يتوازى معه برامج إصلاح وتأهيل تستهدف إعادة بناء وعي هؤلاء الأفراد.

يمكن أن يسهم العلاج النفسي السلوكي في تعديل أفكارهم المشوهة حول مفهوم النجاح والتميز، كما أن برامج التوعية المجتمعية في المدارس والجامعات يجب أن تلعب دورًا محوريًا في رفع الوعي بمخاطر هذه السلوكيات.



من الناحية الأمنية، يوصي الخبراء بضرورة تكثيف المراقبة الرقمية لرصد مثل هذه الجرائم قبل انتشارها، مع تغليظ العقوبات التي ترتبط بتصوير ونشر الاعتداءات، لأنها تمثل عاملًا مضاعفًا للضرر.

كذلك، ينبغي تعزيز دور الإعلام في كشف خطورة هذه الأفعال وعدم الترويج لها بشكل غير مباشر عبر تداول الفيديوهات دون سياق توعوي.


في النهاية، يجمع الخبراء على أن مواجهة هذه الظواهر تتطلب مقاربة شاملة: ردع بالقانون، تقويم نفسي وسلوكي للجناة، وتحصين مجتمعي ضد تأثيرات "الترند المسموم".

أثبتت وزارة الداخلية في هذه الوقائع أن يد العدالة يقظة، وأن أمن المواطن خط أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة. الرسالة واضحة: من يظن أن "الترند" مبرر للجريمة سيجد نفسه سريعًا خلف القضبان.

لكن المواجهة لا تتوقف عند الضبط القانوني، بل تتطلب تكاتف المجتمع في التوعية بخطورة هذه السلوكيات، ودعم برامج إعادة التأهيل النفسي والسلوكي للشباب. فالمجتمع الآمن لا يقوم فقط على الردع، بل على نشر الوعي وإعادة ترسيخ قيم الاحترام والمسؤولية.