نميرة نجم تلتقي مع شباب الدبلوماسيين في مبادرة الخارجية لتعزيز التواصل بين الأجيال
ألقت السفيرة د. نميرة نجم، خبيرة القانون الدولي والهجرة ومديرة المرصد الإفريقي للهجرة، محاضرة في فعاليات مبادرة وزارة الخارجية المصرية الهادفة إلى استثمار الرصيد المتراكم من الخبرات الرفيعة التي اكتسبها أبناء الوزارة المُعارون إلى المنظمات الدولية، وهي المبادرة التي ترمي إلى إرساء تقليد مؤسسي راسخ قوامه نقل المعرفة وتوسيع آفاق الإدراك الدبلوماسي عبر سلسلة من المحاضرات التثقيفية الموجّهة إلى شباب الدبلوماسيين في مختلف قطاعات الوزارة، وذلك في المقر الجديد لوزارة الخارجية في العاصمة الإدارية، بحضور قيادات رفيعة المستوى من السلك الدبلوماسي بالوزارة.
وأكدت السفيرة نجم، في مستهل محاضرتها، أهمية الانتظام في الاطلاع والدراسة الأكاديمية المتخصصة في المجالات القانونية والسياسية داخل قطاعات الوزارة، مشددة على أن الدبلوماسي المصري المعاصر مطالب بجمع مزايا الخبرة العملية مع أسس المعرفة المتينة والتكوين العلمي المستمر في القانون الدولي والسياسة الدولية، وأن الجمع بين التحصيل الأكاديمي والخبرة الميدانية هو ما يصنع دبلوماسيًا قادرًا على فهم السياقات وصياغة المواقف واتخاذ القرارات المستنيرة، وبما يعزز قدرته على تمثيل الدولة المصرية بكفاءة واقتدار. وأضافت أنه ينبغي أن يكون الدبلوماسي صانع رؤية وقادرًا على الربط بين التجربة العملية وخلفيتها الفكرية، بحيث يتجسد في شخصه ذلك المزج الضروري بين حدة الإدراك الأكاديمي ومرونة الممارسة السياسية اليومية.
ومن واقع تجربتها الممتدة كمفاوض دولي ومستشار قانوني لبعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، أوضحت أهمية الإعداد المسبق ودراسة الملفات المعروضة دراسة متعمقة ودقيقة، وتشكيل رؤية سياسية واضحة، وفهم الواقع الدولي على نحو يضمن قاعدة صلبة للدفاع عن المصالح الوطنية. وأكدت أن التفاوض لا يبدأ عند طاولة التفاوض، وإنما يبدأ قبل ذلك بمرحلة طويلة من الإعداد المحكم ودراسة الملفات المتشابكة وفهم الخلفيات القانونية والسياسية لكل موضوع يُطرح، مشددة على أن امتلاك رؤية سياسية شاملة واضحة، وتقدير موقف يستند إلى إدراك دقيق لموازين القوى والمعطيات الدولية، يشكلان شرطًا أصيلًا لضمان الدفاع الفعّال عن المصالح الوطنية.
وانتقلت السفيرة، في سرد أقرب إلى شهادة من زمن الخبرة العملية، إلى توضيح دورها كأول مستشار قانوني للاتحاد الإفريقي، وما اضطلعت به من مهام ومسؤوليات في ساحات القضاء الدولي، موضحة انها اول مصرية وعربية و أفريقية ،تترافع أمام محكمة العدل الدولية و المحكمة الجنائية الدولية ، واعربت عن اعتزازها بعضويتها في فريق الدفاع عن دولة فلسطين أمام محكمة العدل الدولية في قضية عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة و أنها كانت المرأة الوحيدة و المسلمة و العربية الوحيدة في هذا الفريق .
وأشارت إلى قيادتها للفريق القانوني للاتحاد الإفريقي في قضية استرداد جزر تشاغوس من الاستعمار البريطاني، وهي القضية التي أسهمت في ترسيخ مدرسة جديدة إفريقية خالصة في القانون الدولي، وأسست لحضور مؤسسي أفريقي واضح على خرائط الفكر القانوني الدولي، بما يعكس قدرة الدول الإفريقية على الدفاع عن مصالحها وتحقيق العدالة الدولية وفق مقاربات جديدة وفاعلة.
كما استعرضت السفيرة تجربتها كمستشار قانوني لدولة غانا، ورئيسًا لفريق دفاعها في قضية المناخ أمام المحكمة ذاتها، ودورها في رئاسة فريق الاتحاد الإفريقي أمام المحكمة الجنائية الدولية في قضية الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير، مُوضحة أن عملها بالسفارة المصرية في لاهاي مكّنها من متابعة جميع جلسات المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك التي ارتكبها مسؤولون في حكومة يوغسلافيا السابقة، والتي شكلت اللبنة الأولى لفكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، لتكون نموذجًا لتطبيق العدالة الدولية المستندة إلى قواعد القانون الجنائي الدولي والممارسات القضائية المستقرة، ولتؤسس لنهج قانوني دولي أكثر صرامة وعدالة.
ثم تناولت السفيرة دور المرصد الإفريقي للهجرة باعتباره منصة رائدة لتوحيد بيانات الهجرة في القارة، وبناء القدرات المؤسسية، وتوفير مظلة حماية للاجئين والمهاجرين غير النظاميين، بما يتيح للقارة معالجة ملف الهجرة وفق مقاربات إنسانية وقانونية متكاملة، وتخطي الصور النمطية لتصبح إفريقيا فاعلة في إدارة بياناتها ومصالحها المتعلقة بالهجرة، ويعكس ذلك التزامها بحقوق الإنسان والمعايير الدولية، ويضمن قدرة القارة على المساهمة في الحلول الإقليمية والدولية بشكل مؤثر ومستدام
وعبّرت السفيرة نميرة نجم عن بالغ شكرها لزملائها السفراء من قيادات وزارة الخارجية، الذين كانوا وراء هذه المبادرة، والذين حضروا اللقاء وساندوا الفكرة، التي تُرسخ مفهومًا مؤسسيًا بات ضرورة في العمل الدبلوماسي الحديث، قوامه التداول المنظم للخبرات بين الأجيال، وبناء جسر متين يربط بين ما راكمته قيادات الوزارة من معرفة عملية على مدى عقود، وما يحتاجه الجيل الجديد من أدوات حديثة تؤهله للتعامل مع بيئة دولية متسارعة ومتغيرة.
وشددت على أن الاستثمار في العنصر البشري يمثل ركيزة أساسية في دعم الحضور الدولي لمصر وترسيخ مكانتها في المحافل الإقليمية والدولية، مؤكدة أن هذا الحضور لم يكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل كان شاهدًا على إيمان راسخ بأنّ الوزارة — كيانًا وتاريخًا — لا تكتمل رسالتها إلا عندما تتواصل فيها الأجيال داخل العمل بالسلك الدبلوماسي.
وأشارت إلى أن وجود هذه الكوكبة من السفراء يعكس تعزيز مسارات نقل الخبرة، بما يسهم في تأهيل دبلوماسيين شباب قادرين على حمل مسؤولية تمثيل الدولة المصرية على الوجه الأمثل، وأن نقل المعرفة وتبادل الخبرات من الرعيل الذي خبر التجربة إلى الجيل الصاعد الذي يستعد لحمل الراية هو ما يرسخ التقاليد المهنية لمهام وطنية رفيعة تعكس تفرد رصانة وقدرة المدرسة الدبلوماسية المصرية في واقعها العربي و الأفريقي و العالمي . وأضافت أن هذه اللقاءات تمثل جسرًا حيًا تتدفق عبره الخبرة المختزنة في ممارسات ثلاثين وأربعين عامًا إلى وعي الدبلوماسيين الشباب، ليُعاد إنتاجها في صورة جديدة تُلائم زمنًا تتغير فيه التحديات وتتبدل فيه خرائط العالم.
و في ختام محاضرتها، شددت السفيرة على أن الوقوف خلف علم مصر والتحدث باسمها في المحافل الدولية هو شرف لا يعلوه شرف، وزهو لا يضاهيه زهو، ومسؤولية وطنية رفيعة، وأن الحفاظ على المصالح القومية يجب أن يظل البوصلة الرئيسية لكل دبلوماسي، سواء داخل الوزارة أو في ساحات العمل الدولي، وألا يغيب عن ذهن الدبلوماسي لحظة واحدة المصلحة الوطنية التي يحمل أمانتها.
وقد قدمت المحاضرة السفيرة هبة ذكي، مساعد وزير الخارجية للشئون البرلمانية. وشهد اللقاء حضور كل من السفير أسامة شلتوت، مساعد وزير الخارجية لشئون السلك الدبلوماسي والقنصلي والتفتيش، والسفير محمد حيدر، مساعد وزير الخارجية للإدارة القضائية، والسفيرة علياء سمير برهان، نائب مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية الدولية، والسفير أحمد خفاجي، نائب مساعد وزير الخارجية لشئون التجمعات السياسية والإقليمية، والوزير مفوض شاهيناز أبو سريع، إلى جانب أعضاء قطاع المكتب القانوني، ودبلوماسيين شباب، والملاحق الجدد بالمعهد الدبلوماسي المصري.





