جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 09:43 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تباريح هيلانة الشيخ 

تراودني فكرة الانتحار منذ   كنت طفلة في العاشرة من عمري تستوقفني الفكرة: تعلق في ذهني مشاهد الحبل المعلق بالسقف والكرسي والقدمين! المشرط والدماء! شريط فاليوم؟ تفاقمت فيّ حتى خضت التجربة، تناولت قنينة دواء السعال بأكملها، لم أمت، صرت أترنح حتى دخلت في نوبة نوم عجيبة، سخر مني والدي: "بدك تموتي قوليلي، بخنقك بايدي هدول بدل ما تموتي كافرة"
وبالمقابل كلما أضربت عن الطعام- وكنت أملك قدرةً مضاعفة على الصمود خمس ليالٍ دون طعام أو شراب- فيضربني والدي بعنف ويرغمني على تناول الطعام أمام عينيه، كانت اللّقم كأمواس حادة أبتلعها وتتساقط دموعي، أكره والدي حينها وربما لا زلت أكرهه وأكره البيض المسلوق بسببه.
ما علينا، نعود لِلبِّ الموضوع، من منا لم تراوده الفكرة؟! هل يردعنا الضعف والخوف؟ أم تردعنا شجاعتنا ويقيننا بأن الحياة تستحق الكفاح؟ نحن جبناء حتى من فكرّ بالموت يفرُّ منه كالفأر ساعة الجد، ومن حاول ونجح لم يكن هو هو، خرج عن السيطرة شعوره المميت بالفقد، حالة عارضة غلبت رغبة البقاء، فكرة عاهرة في شكلها، بطوليةً في مضمونها ومردودها على تأريخنا القوّاد!
نعم نحن نقدس الذين يموتون بمحض إرادتهم، تُخلد ذكراهم فينا، يصبحون رموزًا للعشق والحرية والنضال، ليس تعاطفًا بل حسدًا مبطّنًا بشيئٍ من الامتعاض، فهلمّوا بنا نخوض التجربة، لكنني لن أشارككم هذا الحُمق، أريد الحياة بكل قبحها، سأجعل من جحيمها جنةً عندما ألتقي به، معه تتبدل المفاهيم كلها، ويصبح الموت بصيغتهِ الضمنية فيهِ حياة.

#أزمة_كاتبة_عربية