جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 05:33 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

دكتور صلاح يوسف يكتب: ضياع الثمين بين كثرة الغث

كتب الدكتور صلاح يوسف وزير الزراعة الأسبق:

الحقيقة صفحات التواصل الاجتماعى المختلفة أصبحت غاية فى الازعاج حيث تجد الكم المزعج من التنوع الرهيب الذى يتناول كل كلمات التحية من صباح الخير إلى جمعة عطرة إلى تعانى إلى تهانى إلى تعازى إلى خواطر كل واحد حسب ظروفه الحياتية ومشاكله النفسية فى ظل ظروف الجميع يجرى مهرولا فى اتجاهات شتى تفرق أكثر مما تجمع.. والجميع فرحان بفكره المتلألئ المتأمل الطريف الظريف.. وأنا أكيد واحد من هذا الجمع الذى أصبح يكتب فيم يفكر ماذا يتناول فى طعام الافطار إلى ماذا رأى فى الأحلام.. لا يترك الكثيرون شاردة ولا واردة إلا وأدلوا دلوهم ليلقوا ما فيه فى آذان وعيون ورؤوس أناس فقدوا حس الابصار والتذوق والتمييز منذ أزمان بعيدة وأنا منهم أيضا..

مشكلة أصبحت عظيمة تجعلك تتمنى أن لم يكن لك أى علاقة بصفحات التواصل الاجتماعى من قبل ولا سمعت عنها ولا حتى ربما لم يطول عمرك لتصل إلى عصرها..

وربما يزعجك أكثر أن تجد الجميع متأكدا من كل شئ يعرفه ويقوله ويخطر على اصبعه أثناء الكتابة.. وهذا ربما فى حد ذاته لا يزعج بالقدر الكافى بقدر ما يزعج أن كل منا يرى في نفسه المثال الحى للأنبياء والرسل وعباقرة كل الازمان وفلاسفتها فيصف هذا وينعت هذا ويلعن هذا ويجرم هذا ويبرئ هذا وكأن مقاليد حكم الدنيا أصبحت فى يديه وأنا أيضا من هؤلاء..

أصبحنا مستنسخين من هذا الخبل الذى لم يترك شئ جميل فينا إلا وأزاله ولم يدع شئ يسوء الاخرين إلا وجلبه..

ربما البعض يكتب طيبا لأنه فى حالة من النشوة والسعادة وقدر من الخير الذى يطمئن فؤاده، وربما البعض يكتب ضجرا وقلقا وحزنا لحياة ضيقة تضيق عليه كل لحظة أكثر وأكثر، وكلا البعضين ليسا مختلفين أو نقيدين بل هما نفس الفرد ولكن على فترات زمنية مختلفة..

اعتقد أن الحل لمجتمعنا الذى نجح فى أن يغرس فينا كل هذه الضوضاء وهذا التشويش أن نقلل من رسائل كل لحظات العمر والفكر.. اعتقد إن الحل ألا نكتب إلا ما يفيد وإلا نقرأ إلا ما يفيد.. بدأت فعلا أخرج من صفحات كثيرة أقرأ فيها آلاف الكلمات لأجد كلمة مما أود أن أقرأه.. الفضفضة الدائرة على صفحات التواصل الاجتماعى ربنا تصبح وصمة عار فى جبيننا إذا ما قرأتها أحفادنا الذين قادهم أناس محترمون علموهم جيدا وربوهم جيدا وأتاحوا لهم هواء نقيا معطرا منعشا فى كل مكان حولهم.. هذا الهواء لا يتوفر إلا بتعليم صحيح واعلام صحيح يربى الناس على الصدق والاخلاص والأمانة والشرف والعمل والاجتهاد.. تعليم واعلام يعلم الناس الحلال والحرام كما بينه الله ورسوله وليس كما يراه يتخير منه ما يريد ويلبس فيه ما يريد.. تعليم واعلام بين الله منه الكثير فى الجزء الأول من القرآن وصفا وقصصا ومقارنة.