جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 03:27 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أزمات الصحافة ورزقي علي الله  ! بقلم /صبري الموجي

صبري الموجي
صبري الموجي


 ربما لا يروقُ ما أقوله الآن لكثيرٍ من مُلاك الصحف الخاصة ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية أيضا، ولكنْ لأن الكلمة أمانة فسأقولها مهما تكن العواقب.
إن مقالي هذا، والذي قد لا يجدُ له نافذة للنشر، هو بغرض رثاء مهنة الصحافة، التي وصلت إلي حال مُتردية؛ بسبب  العاملين فيها أولا وأخيرا دون إلقاء اللائمة علي مسئولٍ أو صانعِ قرار .
إن الصحافة الورقية سواء في مصر، أو الدول العربية وحتي الأجنبية، تعاني أزمة حقيقية، إلا أنها في مصر أكثر وضوحا - ربما لأنها أم الدنيا - حتي في كم المنغصات والمعوقات، التي تؤكد معاناة تلك المهنة، ومعاناة العاملين بها، والتي تُثبت بلا شك فراسة الأديب الكبير مصطفي لطفي المنفلوطي، عندما أثني أحد موظفي الدولة من ذوي الأقلام المعبرة والأسلوب الجذاب عن ترك وظيفته للعمل بالصحافة؛ ظنا أنه سيكون أكثر إفادة لنفسه ومجتمعه، فأقنعه المنفلوطي بخطأ تلك الفكرة، وعوار ذلك القرار في مقال رائع وماتع له في كتابه النظرات .
وينبني رأي المنفلوطي علي أن الصحافة مهنةٌ شاقة، يُجبَرُ العاملُ فيها علي التنازل عن كثير من مبادئه من أجل لقمة العيش، وتجنب قصف قلمه و حجب مقاله.
هذا التنازل الذي تسبب - مؤخرا - في هدر قيمة الكلمة، وانحطاط شأنها، خاصة في الصحافة المكتوبة التي عزف عنها كثيرٌ من القراء خاصة الشباب.
والغريب أن المنفلوطي أسدي نصيحته تلك لسائله في زمن نفوذ الكلمة وسلطان الثقافة والفكر والصحافة، فماذا لو عاصر ما يعانيه الكتاب والمحررون الآن، والذين فكّر كثيرٌ منهم جديا في تعديل مساره، والبحث عن مصدر دخل آخر يضمن له حياة كريمة.
إن وصف الصحافة بأنها مهنةٌ البحث عن المتاعب، لا ينطبق علي زمن، أكثر من انطباقه علي زماننا الحالي، والذي يعاني فيه المحررون والكتاب من تدخلات رؤساء التحرير السافرة، وإملاءاتهم المعوقة لحرية الرأي والكلمة، والتي تعدُ جريمة يرتكبها هؤلاء المسئولون في حق الكتاب، خاصة إذا كان الكاتبُ والمحرر يسير في الاتجاه الصحيح بلا تشويه ولا تضليل.
إن الصحافة الجادة لابد لها من حرية، والحرية التي أقصدها ككاتب لا تعني التهور، أو أن يكون الكاتبُ ذا صوت حنجوري يُجانب العقل، ويجافي المنطق، ويركن إلي (الجعجعةبلا طحين)، لكنها تعني أن تكون الكلمة مسئولة مبنيةً علي حجة ومنطق بعيدين عن الهوي والشطط، ومتي توافرت هذه الشروط فيما يكتبُه الكاتب، نضمن ساعتها ألا نري في مجتمعنا وجودا لفاسد أو بقاء لمعوج .
الجرأة التي أقصدها وأطمح لوجودها بصحفنا هي الجرأة المتزنة، التي تُمكن صاحبها من قول ما يريد بلا إساءة ولا تجريح، هي الجرأة التي لا تسمح بالتستر علي فاسد، أو تُبقي علي مرتش، أو تغُض الطرف عن مُختلس، كل ذلك بعيدا عن العنترية الكاذبة التي يكون فيها الناصح أولي وأحق بالنصح من المُنتصَح. 
إن مهارة الصحفي والكاتب تتمثل في قدرته علي توظيف الكلمة، وولوج الأماكن الشائكة دون شتم أو تجريح، وعدم القول إلا ببينة، والاتهام إلا بدليل، ثم يترك بعدها الكلمةَ الفصل لأهل الاختصاص، ولا تعني مُطلقا أن يجعل الكاتبُ من نفسه جراحا يستخدمُ مِشرطه في تجريح المجتمع، أو أن يجعل من نفسه قاضيا، يحكم علي البشر دون الاستماع لدفوعاتهم. 
إن أزمة الصحافة إضافة إلي ما سبق تتمثل في أن العاملين داخل المؤسسة الواحدة لا يعملون بروح الفريق، وتتطغي بينهم الأنا، ويتعمدُ بعضُهم تشويه شغل غيره، ليبقي هو الوحيد المتميز، مما تسبب في خروج مادة صحفية ركيكة وضعيفة، كسدت سوقها أمام سرعة وتطور الميديا الجديدة . 
إن أزمة الصحافة أيضا أنه لم يعُد متاحا لبعض إن لم يكن كثير من الكتاب أن يعبروا عن آرائهم داخل صحفهم ومؤسساتهم، بحجة عدم توافر مساحة للنشر، أو لأنه ليس علي هوي رئيسه المباشر، فصارت الصحافة مهنة استلطاف لا مهنة كفاءة، وهو  ما دفع ويدفع الكثيرين للكتابة في صحف أخري بلا أجر؛ لمجرد أنها تفتح لهم نافذة للنشر بغرض الحفاظ علي أسمائهم من النسيان، وتلك هي الطامة الحقيقية !
طامةُ لأنها جعلت الصحافة مهنة رخيصة بلا مقابل، رغم أن كل المهن - من طب وهندسة وتدريس وحتي السباكة والنجارة، وغيرها -  يتزايد أجرها، ويشترط أصحابها أما مع مهنة تنوير العقول، والارتقاء بالفكر والسمو بالوجدان، فصار الأمر مختلفا تماما، إذ يكتب الكاتبُ بلا أجر حتي ولو كان ما قدمه سبقا صحفيا، أو مقالا جابت شهرتُه الآفاق، أو تحليلا عجز عنه الكثيرون.
إن الكلمة يا سادة هي أقوي أسلحة الأمم، فبها تشتعل الحروب، وبفضلها تُوأد الفتن، فحري بالدولة أن تُقدرها وتدعمها، وهو ما سيعود بالنفع علي العاملين بها، الذين سيكونون أكثر عطاء وأشد مصداقية، وهو ما يصب أولا وأخيرا في مصلحة بلدنا مصر.. فهل نحن فاعلون ؟