محمد خليفة يكتب: المصريون القدماء: لا تسخر من فاقدى البصر ولا تسد الطريق امام العاجز

جاءوا من ارض الله، كما تؤكد الدرسات والأبحاث الآثرية والمخطوطات القديمة..قال عنهم الحكيم المصرى الصعيدى "امينيموبى" :
لا تسخر من فاقدى البصر، ولا تهزأ من قصير القامة" القزم"، ولا تسد الطريق أمام العاجز، ولا تهزأ من رجل مرضه الخالق سبحانه وتعالى ، ولا يعلو صوتك بالصراخ عندما يخطئ"، تلك هي تعاليم الحكيم الذى عاش مابين 1200 الي 1090 قبل الميلاد.
وقال الحكيم"امينيموبى" : لا تفصل قلبك عن لسانك حتي تكون كل طرقك ناجحة. وايضا قال: أرغفة تكسبها بقلب فرح خير لك من ثروة مع شقاء.
و قد كتب الحكيم الموَّحد الورع مجموعه من المواعظ و الامثال بعنوان "تعاليم الحياه - سبايت- م- عنخ" ويرى بعض الباحثين أنَّ تعاليمه كانت مصدرا لسفر الأمثال فى الكتاب المقدس.
كتبت هذه التعاليم منذ أكثر من 3100 عام، والتي تعد خير مثال على نظرة وثقافة المصرى القديم تجاه ذوىّ الاحتياجات الخاصة عامة وتجاه الأقزام خاصة، والتي تضمنت مبدأ التسامح والتعايش معهم واحترام اختلافهم الجسدى .
ويرجع تاريخ الأقزام في مصر إلى عصور ما قبل التاريخ، وهو ما تدل عليه الهياكل العظمية التي تعود إلى حضارة "البداري 4500 ق م" ، بالإضافة إلى عصر الدولة القديمة التى ترجع إلى" 2700- 2190 ق م"
ومن خلال بحثى عن تاريخ الاقزام وجدت أنَّ المصريين القدماء تركوا لنا العديد من الرسومات، والمنحوتات على جدران المعابد، والعديد من أوراق البردى عن حياة الأقزام الاجتماعية، وعملهم وحرفهم في مصر القديمة .
وعلمت أنّ الأقزام في مصر القديمة كانوا ينقسمون الى نوعين: الأول هو القزم الافريقى والذى أحضره المصرى القديم خلال تجارته مع النوبة و"بلاد بونت - أرض الله"، اختلف المؤرخون حول موقعها فمنهم من يقول أنها تقع بالقرب من منطقة نهر عطبرة " إثيوبيا" أو ربما تقع بين النيل الأزرق والبحر الأحمر والتى تعرف اليوم بجنوب السودان.
وكان القزم يقتصر دوره على الرقص في القصر الملكى، لإدخال السرور على قلب الملك وهو ما يعرف بـ"الرقص للأرباب"، وقد جيء بأول قزم من بلاد "بونت" فى عهد الملك "اسيسي"، من الأسرة الخامسة.
والنوع الثاني هو "القزم المصرى" وكانوا يعانون من تشوه جسدي، حيث كانوا يتميزون برأس كبير وجذع طبيعي وأطراف قصيرة، واشتهر الأقزام بصناعة الحلى في مصر القديمة، وذلك نظرا لصغر أطرافهم التي كانت تمكنهم من تشكيل الحلي بسهولة ، ويتضح ذلك من خلال أحد المناظر المصورة على جدران مقبرة " مريروكا" بمنطقة سقارة .
وأشهر الأقزام المصرية يسمى "سنب" وقد عاش في عصر الأسرة الخامسة، وكان موظفا كبيرا يتمتع بكثير من الألقاب الاجتماعية والدينية والشرفية، وتزوج من امرأة ذات بنية طبيعية، وهى إحدى وصيفات القصر، ودفن في قبر فخم قريب من هرم خوفو بجبانة الجيزة .
وفى عصر الأسرة السادسة قام الملك "بيبى الثانى" 2370 ق م بإرسال خطاب إلى الرحالة "حرخوف"، قال فيه " تعالى سريعاً إلى القصر وأحضر معك القزم الذى جئت به من أرض الأرواح حياً سالماً، وبصحة جيدة ليرقص للإله ويدخل السرور إلى قلب الملك، وإذا نزل معه إلى السفينة فعين أشخاصاً أذكياء على جانبها لملاحظته حتى لا يقع في الماء، وإذا نام بالليل فعين له أشخاصاً أذكياء يحرسونه في حجرته، لأن جلالتى يحب أن يرى هذا القزم أكثر من هدايا المناجم وهدايا بلاد بونت، فإذا وصلت إلى القصر ومعك هذا القزم حياً سالماً فإن جلالتي سيعمل لك أشياء كثيرة".
وكان الأقزام في مصر وبلاد اليونان لم يكونوا مرفوضين أو منبوذين، إذا أن حجم التقدير الذين كانوا يحظون به رشَّحهم لمصاحبة الموتى إلى العالم الآخر.
كما أنَّ صورة قصار القامة في مصر تعكس موقفا إيجابياً تجاههم ، فاختلافهم الجسمانى لم يكن موضع تسامحهم فحسب بل موضع قبول وتقدير لهالة القداسة التي تحيط بهم وارتباطهم برموز دينية .
ومن أهم المعبودات في مصر القديمة ، معبود " بس"، والذى صوَّر على هيئة قِزم، وهو يمثل رب المرح والسعادة وهو من الأرباب التي تعبد في المنازل، ولـ «بس» معبد خاص في الواحات البحرية بالصحراء الغربية لمصر .
ومن هنا أدرك المصري القديم منذ فجر التاريخ، أن مراعاة الضمير الإنساني هو السبيل الوحيد للحياة المطمئنة الهانئة فى الحياة الدنيا و الآخرة، حينما يتم بعثهم من جديد , فقام المجتمع المصرى القديم على الكثير من القيم والمبادئ التى تكفل تحقيق العدل و المساواة بين جميع أفراده على حد سواء , و لقد عاش فى مصر القديمة العديد من الأقزام الذين احتلوا مكانه بارزة فى المجتمع المصرى القديم كما تشير لذلك العديد من الأدلة الأثرية و النصية , و لقد اختلف الباحثون فيما بينهم حول كيفية نشأة الأقزام فى مصر القديمة يرى الفريق الأول أن ظهور الأقزام يعود فى الأساس إلى زواج الأقارب في مصر القديمة، و يرى الفريق الثانى أن معظم الأقزام جاءوا من خارج الحدود المصرية من بلاد بونت، ثم توالدوا وتكاثروا ويرى أنصار الفريق الثالث أن الأقزام تواجدوا فى مصر القديمة منذ عصر البداري أي ما قبل التاريخ.
وكان يعهد إليهم في كثير من الأحيان بالمحافظة على ملابس رب المنزل وأدوات زينتة , ونجدهم مصورين في الدولة القديمة وهم يعدون ما يتصل بملبس العظماء في الحفلات من قلائد الخرز , أو وهم يمسكون حبلا يقودون بة كلاب وقرود سيدهم .
عاشت أخلاق المصريون القدماء ويا ليتنا نتعلَّم منهم!