جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

علا محمود بيضون تكتب :سأتعافى منك

علا محمود بيضون
علا محمود بيضون -

سأخرج من فقاعتك التي لم تلبث إلا ثوان 
سأخرج من سجنك لأبصر النور سأنفض عن جناحي الغبار ،سأحلق من جديد إلى حيث أنتمي ،سأعود للطواف في مداري .
تعلمت الكثير في مدرستك حان وقت التخرج .
كنت معلما تتقن تلقين الدروس ،فدروسك تغرز كالمسامير في ذاكرتي يصعب استئصالها 
فلتبقَ هناك محفورة  سأستذكرها عند كل منعطف كي لا تمحى سأحتاجها عند كل موقف مشابه ،فلتكن زادي فلقد دفعت ثمن هذه الدروس ليالي مذاكرة طوالا، وأياما أعبر إلى مدرستك تحت زخات  المطر ،وتحت أشعة الشمس الحارقة ...
تتلمذت  على يديك ،  كإسفنجة متعطشة ،كورقة بيضاء سطرت فيها ما تشاء ، نعم كنت الورقة وأنت المقص ،كنت المسودة لخربشاتك ،أفرغت على وجهي تارة زهورك وأطوارا أخرى هلوساتك وشتائمك التي غزت المحيط الأكبر من مساحتها .
لطالما نعتني بأنني ورقة بيضاء أي كان سيملأني بمحبرته بتلك البقع السوداء كيف يشاء .فأنا ورقة ورِقّتي سبب دماري .تمزقني، 
تقصني،تجعدني في راحة كفك متى شئت ،ثم تعيد أشلائي الممزقة  ولكن بعد أن تشوهت معالمي فلن أعود سيرتي الأولى ،فقد  ملئت بحبرك الأسود ولقد تمزقت إلى الآف النثرات  .كنتَ رقيقا كالشّفرة كلما عانقتني أسلت دمي...
تسربت إلى روحي ولم تخرج فأصابني الاحتباس بالشّجون وثقب قلبي...
علّمته زراعة الحب وأوّل ما زرعه دفنني .
علّمته التّحليق وأوّل ما حلّق هجرني .
سامحني 
فلم يعد عندي ما أعطيك استنفدت كل خزائني.
سامحني فلم أعد أشعر بلهفة للقائك.
سامحني على وعودي التي قطعتها بأنني
سأحتمل تفاهاتك إلى آخر قطرة تتهاوى من دقائق روحي الرملية .
سامحني فلم أعد أشعر بالسعادة في حضورك 
سامحني لأنني بت أتمنى لو أنني منذ البداية غيرت فلك القدر وثقبت السفينة ورميتك منها.
تمنيت لوقتلت ذلك الطفل الذي لم أستطع عليه صبرا 
تمنيت لو أني لم أحبك يوما. 
هذا الحب تفشى كالسرطان في روحي 
أحكم قبضته على صدري، أشعرني بالاختناق
لم أعد أستيقظ متلهفة لأسمع صوتك 
نعم كنت أستيقظ ،كنت أتنفس لأنك بقلبي 
لكي أمدك بالحياة .
الآن أصبحت لا أصلح لكي أعطيك من طاقتي 
بت خاوية  إلا من الدموع والألم بت سامة وأخشى أن أسمم حياتك .
أعطيتك وأعلن إفلاسي  .
ما عدت أقوى على الصمود أمام محاكماتك اليومية  .
ما عدت أحتمل الجلوس بقربك أشعر بانقباض في صدري .
لم تعد أوقاتنا سعيدة .
كنت أهرب إلى خيمتنا الأرجوانية تحت الأمطار ألوذ إلى حضنك الدافئ .
لم أعد أجده بات حضنك مليئا بالأشواك .أشعر كتلك الأم التي يصرخ أولادها من الجوع وهي لا تمتلك أي طعام ..
بات الوقت معك كآخر دقائق لسجين يرتدي بدلة الإعدام البرتقالية. 
لم أعد أرجو إلا الموت بسلام .
لا تعشقي طفلا يخشى إشعال أعواد الكبريت خوفا  على يديه من الإحتراق ،يعشق الظلام، رأسه إلى الأسفل يعانق غصنا متدليا كوطواط .
يقطن الغار العفن ولا يبني عشه فوق قمم الجبال .
أحبي من يقبض على الجمر  دون ارتعاش...
أحبي نسرا لا يستسلم حينما  يُقبِل الموتُ يقبِّلهُ على شفتيه مرحبا !
 يأبى البقاء في عشه خانعا ..
فيحلق ويحلق راقصا رقصة الوداع الأخير مع معشوقته السماء  إلى أن يرتشف الموت آخر قطرة من روحه الشامخة .في هذه الحياة بعض الصفعات ترتقي بك لمستويات أعلى من النضج.حوّلت الحياة نعومة أظفاري إلى مخالب وأن الصبر أشد حلاوة من مرارة  الذل..
تعلّمت من الخشب أن سبيل النّجاة هو العوم ،أن أكون سطحية وأنّ التّعمق بالأشياء مميت أن لا أقاوم الأمواج ولا القدر .أن أتوّكل على الله وأن لا أقلق. فقط أستمتع بالرحلة ..
ولكنّني ما زلت أتساءل هل الماء يحمل السّفن أم السّفن تقاوم الغرق؟!!!