جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

القيصر والغرب وهستيريا الهزائم

-

بقلم: محمد فياض

من اعتاد على التفكير الاستراتيجي والنظر إلى المستقبل وتحدياته، والإستعداد لدفع كلفة الخيارات المحتومة في حياة الأمم، ليس غريبًا عليه أن يعلن منذ ثلاث سنوات مضت أن روسيا مستعدة لفرض وجودها الدولي كقطب أساسي ورث الاتحاد السوفيتي، ومن أجل ذلك وصيانة أمنها القومي والذود عنه في غمار هستيريا واشنطن وحلفها الغربي في الانفراد بالعالم بقوانين الفوضى وخارج ما استقرت عليه الجماعة الدولية من قواعد وضعتها البشرية في الميثاق نتاج حربين دمرتا العالم، أعلن قيصر روسيا أنه مستعد لحرب نووية إذا لزم الأمر تدمر الجميع وسنموت شهداء وندخل الجنة.

ومالم تستوعبه واشنطن وحلفها من تلك الرسالة، أن إعادة العالم إلى الحظيرة الدولية ووضع الميثاق حكما في القضايا الدولية انتصارا للشرعية بات مسؤولية القيصر العائد لترميم العلاقات الدولية وصرخة في وجه حلف الشر، أن ماحدث في غزو بلدان وتدمير شعوبها وبنيتها وحضارتها مثل العراق وأفغانستان دون مبرر وخارج إطار الأمم المتحدة لن يتكرر، وأن الانسحابات الأمريكية المتوالية من الاتفاقيات الدولية مع موسكو بغية العودة لسباق التسلح ونشر الصواريخ لتهديد الدب الروسي والتنين الصيني.وكذلك الإنسحابات من المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والاتفاق النووي مع إيران.والفيتو ضد المحكمة الدولية وعدم الإنضمام إليها ونظامها لعنجهية الكاوبوي أن الأمريكي فوق القواعد والقوانين والمواثيق.

وليس هذا بغريب على الإدارة في واشنطن يحكمها الجمهوري أو الديمقراطي، الأمر الذي يجعل الأمريكي يخرج من حرب ليدخل حروب وأكثر من 93% من عمر الولايات المتحدة الأمريكية قضتها في حروب وقد خسرتها كلها في النهاية والانتصارات الوحيدة لها كانت في تدمير الشعوب ومنتوجاتها الحضارية والبنيوية عن طريق إعمال واشنطن آلة التدمير الجبارة لديها لهدم البنى التحتية في البلدان التي خاضت فيها حروبها وخرجت في النهاية منكسرة مهزومة بفعل إرادة الشعوب الحرة.

والولايات المتحدة الأمريكية المثل الأعلى بل والأوحد في عصر التنظيم الدولي.في الإعتداء على سيادة الدول وعدم احترام أية قواعد أو اتفاقيات دولية سبق لواشنطن التوقيع عليها.

إن الأزمة التي يتابعها العالم والتي يديرها القيصر الروسي بذكاء استراتيجي حاد، استطاع أن يقف عند ثوابت ما أعلن منذ بداية الأزمة ورأى العالم السيد بوتين وهو يقول للغرب وواشنطن أن يقرروا الذهاب إلى التوقيع على اتفاق مكتوب يلزمهم عدم توسع الناتو شرقا وعدم قبول إنضمام أوكرانيا للحلف وتنفيذ إتفاق 97 للأمن الأوروبي الملزم لمعسكر الناتو عدم قبول عضوية أي من دول الإتحاد السوفيتي والالتزامات الدولية التي تحفظ الأمن غير المتجزيء.وطلب القيصر وفي الإطار الدبلوماسي لحل الصراع أن يقرر الغرب..والآن..ويقصد بوتين أنه لن يقبل مفاوضات من أجل المفاوضات.

وقد استطاع وحتى الآن أن يضع العالم كله في المواجهة الأمر الذي أدى إلى إصابة معسكر الناتو بالهستيريا والرعب، وكشف الغطاء عن عورات أجهزة استخبارات واشنطن وحلفها الغربي ودفعهم لتحديد ساعة الصفر للغزو الروسي لأوكرانيا، وأثبت للعالم هشاشة القوة الأمريكية وضعف أجهزة استخباراتهم وتثبيت حلف واشنطن عند مرحلة الجعجعة والتهديدات والتي أعقبتها وزامنتها ولازالت إرسال الأسلحة الدفاعية إلى كييف ونقل ثلة من الجنود لاتكفي لحماية نفسها إذا بدأت المعارك، وحشدت موسكو العالم لمشاهدة واشنطن وحلفها في واحدة من حالات التلبس بجريمتي الكذب والخيانة..فقد أعلن بايدن وأسند إعلانه إلى أجهزة استخباراته أن بوتين سيغزو أوكرانيا يوم 16 فبراير..وبدأ الهلع والرعب في عواصم الناتو، بل وبدأت جريمة الخيانة الأمريكية لكييف بالإعلان أن واشنطن ليست بشجاعة القتال إلى جانب صفوف الجيش الأوكراني وحسب بل ولن تتمكن من إجلاء رعاياها من كييف إذا لم يغادروا أوكرانيا وفورا..والدب الروسي لم يتوقف عن الجزم بأنه لن يغزو أوكرانيا، وكلما ذهب إلى مناورات عسكرية على الأراضي الروسية ترتجف واشنطن يدشن الناتو شروخا في صفوفه تنبيء عن عدم وحدة الصف في معسكر الحلف.وتجد دولا مثل فرنسا فهما ووعيا مغايرا بالبراجماتية الباريسية ردا على ما فعلته واشنطن بالاقتصاد الفرنسي وهي تضغط على أستراليا لإلغاء صفقة السلاح مع فرنسا، وتجد ألمانيا مصالحها مع روسيا والسعي الحثيث لحل الأزمة.

وذهبت كل من باريس وبرلين إلى موسكو لمحاولة الحصول على ثمة طمأنينة بعدم الذهاب إلى إحتلال اوكرانيا، وعادتا خاويتا الوفاض، بوتين يؤكد أنه لن يذهب للغزو وفي ذات الوقت يطلب من الناتو عدم ضم كييف والخروج بقواعده من دول الإتحاد السوفيتي . والآن..ووفق إتفاق مكتوب، ويهدد في سبيل ذلك بالحرب النووية، ويخبرهم أنه مستعد للعقوبات ولتستعد أوروبا للعقوبات المقابلة.

ويراقب العالم الآن كيف أن بوتين صادق في تصريحه المتكرر بعدم الغزو لكنه فوراً وبموافقة الدوما يرسل قواته لحفظ السلام في إقليم دونباس بعد اعترافه باستقلال دولتي دونيتسك ولوغانسك.

ولاضير من ذلك فالمستقر عليه في الفقه الدولي أن الإعتراف سبب قانوني من أسباب قيام الدولة..وما إن اعترفت موسكو بالدولتين ذهبت إلى عقد اتفاقيات بينها وبين دونتسيك ولوغانسك، مما يجعل ودون لبث فقهي دولي وفق كل المدارس الفقهية في القانون الدولي العام أنها اتفاقيات دولية، بمقتضاها تذهب موسكو بجيشها إلى الإقليم لتقف على بعد أمتار من الأراضي الأوكرانية، ووفقاً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم.

وإن كانت هذه الخطوة التي شرعن بها بوتين دخوله إقليم دونباس قد أججت جنون الناتو وأعلنت ألمانيا تعليق الموافقة على نوردستريم 2 والذي اكتمل في سبتمبر الماضي بتكلفة 11مليار دولار واعلنت واشنطن حزمة عقوبات ضد موسكو فقد تلقت روسيا بوتين كل هذا بذات إدارته للأزمة دونما استطاعة الغرب التكهن بردة فعله وماهي الخطوة التالية.ويعلم المستشار الألماني أنه يعاقب 25 مليون منزل ألماني بحرمانه من غاز نوردستريم 2

ويدخل شي جين بينغ التنين الصيني على خط المعركة فيفرض العقوبات على أكبر شركتين لإمداد إقليم تايوان بالسلاح.

ونرى أن بوتين الذي جاء لاسترداد نفوذ روسيا لن يتخلى عن مواجهة التحديات التي تقف في طريق إزاحته لقواعد الناتو خارج الدول التي كانت في الاتحاد السوفيتي.

وفي ذات الوقت لن يرتكب حماقة استعادة هذه الدول بالغزو ودخولها على الطريقة الأمريكية..بل سيصنع شرعية دخوله بطريقتين إما الإتيان إلى سدات الحكم في هذه البلدان برجال موالين إلى موسكو وتنعقد الإتفاقيات الدولية في هذه الحال بما يجعل الوجود العسكري الروسي وجوداً شرعيًا، وإما تحلل الناتو وتفككه وفق قاعدة المصالح واحتياجات أوروبا لأكثر من 40% من استهلاكها للغاز الروسي.والذي لن تتمكن واشنطن في إدارتها للصراع تعويض أوروبا لصعوبة نقل الغاز الأمريكي وعدم جدوى نقله لارتفاع الأسعار من جهة ومن الأخرى لعدم كفايته.

ولقدرة بوتين على نسف أي محاولة خليجية لتعويض أوروبا عن الغاز الروسي في هذا الصراع.. الامر الذي يدفع في النهاية دول الإتحاد السوفيتي السابق للتحالف أو للشراكة مع موسكو.

ويبدو بوتين المنتصر لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.وتبدو الولايات المتحدة الأمريكية المهزومة بامتياز .بعد الهزيمة في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا والصومال، وجغرافيا أخرى من العالم.