جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

صلاح حسن رشيد يكتب: كلهم عيال عزّازي في الصحافة والفضائيات

صلاح حسن رشيد
-

مولودٌ وفي يدهِ نورُ القلمْ

يُنيرُ به ظلامَ السقمْ

ملأ الصحائفَ وطنيةً

أدبًا وأخلاقًا، تزكو العَلَمْ

(شعر صلاح حسن رشيد)

وُلد كبيرًا، وعاش ما عاش من حياةٍ عريضة رغيدة فريدة، تخيَّرها بحلوها ومُرّها، ومات وهو يحمل نفسَ طفلٍ، وحمل في قلبه أشجار البراءة والنقاء.

أدرك في مقتبل حياته؛ أنه صاحبُ رسالةٍ؛ فأدّاها كما خطط، وعزف لحنه الأثير الباقي وسط جوقة العُميان الطُّرشان؛ فأبهر الموتى، وسحر الأحياء.

جمع بين السياسة والصحافة والأدب في بوتقةٍ واحدة، ورصَّ مِعماره الخالد، وزروعه اليانعة؛ فحصد منها الناشئةُ والكبارُ غِراس النعيم المقيم.

عصاميٌّ في مبتداه، جبلُ الشموخِ والنضال والعلم في صباه ومنتهاه، عبقريٌّ في اختياره لطريقه؛ فلم يركن إلى منصبٍ، ولم يعمل من أجل حزبٍ أو جماعة، بل نقش اسمه سيمفونية رائعة من التألق والعصامية في ثلث القرن الأخير، ولم يتهافت على الثريد والحصيد، ولم يركع قلمه الشريف أو يسجد إلا لأفكاره.

طويلٌ مديدٌ كالنخلة الشاهقة، عالٍ كالجبال الرواسي، قامته مرتفعة دائمًا تعانق نجوم السماء، لم يعرف انحناءة الأقزام، ولا صغارَ الكبار، ولكنه ما نظر تحت قدمَيه يومًا؛ لكونه "واثقُ الخطوةِ يمشي" اعتزازًا.

من عينيه يلتمع الذكاء اللمّاع، ومن ابتسامته الصافية يدرك مَن يراها أنه إنسانٌ صادقٌ فيما كتب وبشَّر وحمل مِن أطروحاتٍ سياسية، ونظرياتٍ فكرية وأدبية؛ فلم يكن إلّا شخصًا واحدًا في الظاهر والباطن.

قلتُ عنه شِعرًا : هو الأعزُّ العزيزُ الغاليْ / عزّازي علي عزّازيْ / مدرسةُ النَّخوةِ المُتلاليْ / جامعةُ الحبِّ المُتساميْ / أعلمُ عصره المُتدانيْ / كوكبُ الصحافةِ المُتراميْ / تسمعُ بـ(العزّازي)؛ فتحب أن تراه، وتزهو على صفحةِ الدنيا بالمجدِ.

لأنك جلستَ إليه مجلسَ التلميذِ، أو سِرتَ معه يومًا ما؛ فعرفتَ في شخصه النُّبلَ كله، وفي سيماه التواضعَ الأغر، وفي ثقافته الواسعة ما ندر بين ظهرانينا اليوم، مِن شمائل الخير والحق والجمال.

كان بين الصحفيين والساسة والأدباء والنقاد رمّانة الميزان، وحجرَ الزاوية، وصاحبَ القول الفصل، والحُكم الصحيح الأصيل، والأستاذَ بحق.

لم يندم على موقفٍ اتخذه، ولم يأسف على أيامه التي قضاها يُعلِّم النشء الوطنية الصادقة، والصحافة الباسلة، والأدب الرفيع، ولم ييأس مِن غَبَش الطريق، ولا رعونة البعض، ولا طعنات رفقاء الكفاح، ولا غدر الأيام، وإنما تجهَّز للحياة بنفسٍ كريمةٍ، وبروحٍ متسامحةٍ، وبعقلٍ يقظٍ، وبقلبٍ جرَّب التصاريفَ القاتمة، وخبر الليالي السوداء؛ فما زادته إلا تمسكًا بمواقفه، وصلابةً في مبادئه، ونجوميةً بين مَنْ رضخ، ومَنْ تهافتَ، ومَنْ أكل وشرب مِنْ فكره وجواهره.

كانت السعادة تقفز من حناياه، كلما رأى تلميذًا له تبوَّأ المناصب التي يستحقها، وكانت سعادته تتعاظم وتتكلم عن نفسها حينما يرى ثمار يديه أينعت في أكثر من مكانٍ، وأشرقت في كل بستان.

صدق فيه البيت الأول من قول الشاعر القديم، الذي زدته بعد ذلك من أشعاري:(دعوتُ غُرَّ القوافي وهيَ"ضاحكةٌ" .. فأقبلتْ، وهيَ تمشي مشيَ "مسعودِ" .. فلوَّحتْ له باليُمنِ ساجدةً .. تحكي خِصاله في كلِّ مقصودِ .. وأيقنتْ أنها بـ"عزّازي" تعانقُ عِزَّ معهودِ.

وهو الذي استحقَّ لقب "الدكتور" حتى قبل أن ينال الدكتوراه، التي لم تزده علمًا، بل هي التي ازدادتْ منه شرفًا أنْ وافق عليها صاحبةً بعد أنْ حملها كلُّ مِنْ كانت أكبرَ منه وأضخمَ وأعرض.

ولا يمكن أن أنسى، كيف كان يفرح كلما كتب عن الكبار المنسيين، من أهل الثقافة والفن في عصره، وكيف أنسى ذهابه إلى العلّامة الدكتور حسين مجيب المصري رحمه الله، عميد الأدب الإسلامي المقارن في بيته بالزمالك في أوائل الألفية الثالثة، وكيف خصَّص له صفحةً في جريدة "الأسبوع"، ودعا فيها وزارة الثقافة إلى ضرورة تكريمه، وطبع أعماله الكاملة ضمن إصداراتها.

هذا هو صديقي الأعز عزازي علي عزازي، الذي كان يسعد بآرائي، وباختلافي الفكري والأدبي معه؛ فلم يزده ذلك إلّا مودةً وقُربةً.

لم تغيِّر الأيامُ قناعاته، ولم يتخلَّ عنها طلبًا لنعيمٍ آفل، أو صفقة خاسرة، بعد أنْ أُوصِدت الأبوابُ إلّا لمَن طبَّل أو زمَّر، لكنَّ عزازي علي عزازي ظلَّ يعزف أناشيده بعبقريةٍ، ويُسطِّر فكره بمصداقيةٍ، ويُعمِّر أرضه بمنطقيةٍ وأستاذيةٍ واستمرارية.

هذا هو عزازي، الذي يحترمه الذين باعوا ما علَّمهم إيّاه، لكنهم لعظمته وشدة تأثيره، لا يمكن أن يحتفوا به؛ لأنه يذكِّرهم سرًّا وجهرًا بتقصيرهم نحوه، وبتخليهم عمّا غرسه في عقولهم يومًا ما، وبأنه الأستاذ الذي ثبتَ في أول الطريق، وفي منتصفه حتى نهاية المشوار.

ومن حسنات عزازي علي عزازي الكثيرة؛ أنَّ أغلب المتصدَّرين للمشهد الصحفي والإعلامي اليوم مِن تلامذته، وغرسِ يديه، وحصاد زرعه، وتشكيل ريشته .. لكنَّ الأعجب الأغرب الأفدح، أنَّ العديد منهم أداروا له ظهورهم؛ فلم يحتفوا بذكراه إلّا قليلا.

والسؤال المهم هو: متى تُكرِّمه نقابة الصحفيين؟ ومتى تلتفت إليه وزارة الثقافة، وتخصِّص له احتفالية تليق به ضمن فعّاليات المجلس الأعلى للثقافة، أو ندوات دار الكتب المصرية، أو مؤتمرات الهيئة المصرية العامة للكتاب؟ ومتى تطبع مؤلفاته: المنشور منها، والمخطوط، وما أكثره؟!

إذن؛ فليهنأ عزّازي علي عزّازي رحمه الله في قبره، وليفرح بأحبابه المخلصين، الذين يصدحون في كل المحافل قائلين: إنهم من مدرسة عزّازي علي عزّازي، التي لا تزول.