جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

الدكتورة إيريني تادرس تكتب : هل حقا من فات قديمه تاه

-

كثيرا ما نتلامس مع مقالات جيل او اكثر مما سبقونا بحديثهم عن ذلك العالم الراقى الذى عاشوه وتفاعلوا مع تفاصيله ويشعرون بذلك الشعور العميق بالانتماء له

ذلك العالم الغير متسارع الهادئ فى تفاصيله والذى كانت نتيجة غياب التسارع فيه انهم اندمجوا بتشارك وجدانى راقى لكل ما كانوا يقومون به ويفعلونه فكانت مشاركتهم لتفاصيل حياتهم تحمل ذلك الحس الراقى للاندماج فى محيطهم وبهدوء شديد

ظهر ذلك فى الهندام والملبس فى انتقاء الكلمات وصياغة العبارات فى طرق التعبير عن المشاعر الايجابية والسلبية منها

لكن اكثر ما يدعو للترفق واحترام وتقدير ذلك الجيل الراقى هو مشاعر "الاغتراب" كما قرأت من تعبير ذوقى بديع من الكثير منهم ممن يحملون احتراما ورقى

وفى تشخيصى لذلك الشعور بالاغتراب تساءلت كيف لشخص عاش تلك الحقبة للاهتمام بادق التفاصيل فى كل شئ

من اختيارات عديدة اختاروا ان يكونوا ما هم عليه

اختاروا هندامهم وكلماتهم وطرق تفاعلهم الانساني والاستماع لموسيقاهم ...الخ من ذلك العالم الهادئ فى تفاصيله فى كل شئ

فكيف لهم الا يعيشوا الان ذلك الاغتراب فى عالم جديد فى مجمله ينادى بالاستسهال لكل شئ كيف لهم ان يتقبلوا موضة الملابس المهترءه بعد ان كانت ملابسهم رجال ونساء فى اشد اشكال الرقى والاحتشام والموضة معا

وكيف لهم ان يتقبلوا مشاهد للحشود بالالاف لمن لا يحملون قيمة فنية وان يتقبلوا الطلب من الجيل الجديد على تلك النوعية مما يسمى فن

فهل تعلم ان رئيس الحكومة مصطفى باشا النحاس اصدر امرا بمنع اذاعة اغنية كلماتها هابطة كتبها ابو السعود الايبارى وهى اغنية ماقاللى وقولتله ياعوازل فلفلوا حيث ان لفظى (عوازل فلفلوا) لفظ شعبي دارج يهبط بالذوق الفنى ويدعوا للمكايدة وهذا عام 1950

فهم الذين كانوا من الممكن ان يستمعوا لكوبليه واحد معاد العديد من المرات للاستمتاع والتمعن والتامل

مره فى روعة الكلمات ومره فى اختلاف الاداء ومره لادوات الموسيقى

وهنا يدعونى العقل لاسئلة جديدة

هل هذا امر مجتمعى ام عالمى

وما دورنا تجاه الجيل اللاحق لنا ومخزن القيمة الذى يحملونه

فى الاجابة على السؤال الاول عليك التطلع لنافذة العالم لتكتشف ان موضة الملابس المهترءه جاءت لنا منه والكثير من ترجمة لغة الفنون عموما وربما هناك عوامل مجتمعية داخلية ايضا لمساحات كبيرة من الجهل والفقر

وهنا نقف امام السؤال الثانى

عن دورنا تجاه مخزن القيمة من الجيل السابق لنا هل لنا ان نبطئ من العجلة المتسارعة فى التقليل من قيمة الكثير

هل لنا ان نتمسك ونتحفظ ونحتفظ بالرقى عمدا فى الهندام والحديث والسلوك وطرق التفكير ليؤثر هذا فى ابناءنا الذين هم تحت مظلة الاسرة التى هى عامل اساسى للتشكيل

وهل لنا الا ننجرف مع اليات من الممكن ان تقلل من قيم مذخره وقائمة في الجيل السابق لنا

نعم علينا مواكبة العصر وادواته وتقنياته لئلا نكون رجعين وعلينا ايضا الا نتغافل عن كل ما هو سلوك حضاري فى عالم لم يخضع لتسارع العولمة والتكنولوجيا

اعتقد ان من هو قادر على احداث هذا التوازن بين قيمة الماضى وحداثة المستقبل هو كمن يمشى على حبل دقيق لكنه مثبت الرؤية على هدفه للنجاه بنفسه وسفينة اسرته

ولا اخفى اعجابى بالمثل المصري القائل " من فات قديمه تاه"

فهل تعلم يا عزيزى ان الدول الحديثة النشأه من ضمن توجهاتهم اثراء عقولهم بالحضارات القديمة لتحليل السلوك الانسانى والحضارى للانسان من منحى علمى لتوجهه بثبات نحو المستقبل وبخطوات مدروسه تجاهه

ولا يخلو الحديث عن العالم والدكتور رتشارد جاكسون الذى هو رئيس لجامعة بريغام الامريكية الذى تحدث عن المسمار فى المومياء "اوسو مونتو" والذى حسب قوله اقدم عملية جراحية معقدة ومتطوره فى التاريخ الانسانى

فبعد فحص المومياء تم اكتشاف مسمار طوله 23 سم مثبت بمركب من الصمغ شبيه بالمستخدم حاليا منذ 1940

وحسب قوله ايضا

ان هناك الكثير من الاسرار فى عالم المصريات لم تكتشف بعد والذى اذا كانت اكتشفت منذ مائة عام لكان وفر الكثير على الباحثين فى رواق البحث العلمى

وهنا اريد التاكيد ان العالم الحديث المتطور يجعل من الحضارات الكثير من المرجعيات فى العلوم كافة وحتى الادارية والاستراتيجية التى بدأت فى محراب المعارك والحروب

واليوم كيف لنا ونحن اصحاب حضارة من اعظم الحضارات عمد من عاشوا حقبتها ان يوثقوا لنا تفاصيلها من خلال المنحوتات والرسومات والمعابد لتبقى ارث عظيم لنا

كيف لنا ان ننساها وننسى قيمتها وبالاحري كيف لنا ان نتجاهل المخزون القيمى فى الجيل الذى سبقنا وهم الانية الثمينة المليئة بالرقى والثراء الفكري والحكمة المكتسبة من الخبرة

فتذكر معى عزيزى ...

انه كما لنا ان نواكب العلم المستقبلى بكل تغييراته اللحظية كل يوم فعليا

علينا ان نستند على صخرة وقيمة الماضى الحضارى او بركة وكرامة من سبقوننا ويثرونا بحكمتهم وخبرتهم ورقيهم وقيمة افكارهم الناتجة عن عالم راقى جدا عايشوا تفاصيله بدقة

فمن فات قديمه تاه