جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

هوس التنقيب عن الآثار .. آباء يذبحون أبنائهم لتقديمهم قرابين للجن

جنون التنقيب عن الآثار
-


عبث الأحفاد بتراث الأجداد يصل للتدمير والسرقة والتهريب
استئجار أقمار صناعية أحدث طرق الجناة للتنقيب عن الآثار
استخدام اجساد العذارى في كتابة الطلاسم
مخاليف : فتاوى "اللقية" تعزز من عمليات التعدي على الآثار
زايد : المهوسون بالثراء السريع مضطربين عقلياً ويمكنهم القتل والخطف والسرقة
أنواع السحر تختلف وفقاً لطريقة فتح المقبرة الأثرية
ميت رهينة والبدرشين وسقارة أبرز مناطق التنقيب خارج القانون

تحقيق – اسلام مقلد – هنا عبد الفتاح
يشعل حلم الثراء السريع لدى البعض هوس التنقيب عن الأثار المصرية القديمة بحثاً عن الكنوز المفقودة، من خلال عدة أدوات، بدءاً من البخور والزئبق الأحمر مروراَ بـ GBS وتقديم القرابين الآدمية إرضاءً للجن كما يزعم المشعوذون وانتهاء باستئجار الأقمار الصناعية لثواني معدودة تفادياً لكشفهم من قبل الأجهزة المعنية.
الأدهى من ذلك أن بعض المرضى وضعاف النفوس تجردوا من كل معاني الانسانية في سبيل تحقيق حلم الثراء السريع ليقوموا بذبح أطفالهم وتقديمها قرابين للجن زعماً بأن ذلك سيمكنهم من فك طلاسم المقابر ومن ثم فتحها.
تلك الطريق البشعة تتم بإيعاذ من الدجالين والمشعوذين الذين يحرصون على استخدام أنواع باهظة الثمن من البخور "الطقش المغربى" و"الزئبق الأحمر" ويجبرون الراغبين في التنقيب على شرائها بمبالغ طائلة تحت زعم جلب الجن السفلى "الحارس على المقبرة" لفتحها وعادة ما يحدث ليجد ضعاف النفوس ضحية نصابين في ثوب دجالين ولكن بعد ضياع أموالهم وارتكابهم جرائم الخطف والقتل والسرقة.
ولا ينته الأمر عند هذا الحد ، بل يلجأ البعض لاستخدام معدات متطورة للبحث عن أماكن الدفائن مثل الأجهزة الطبقية التي تقوم بتصوير الأرض المراد البحث فيها، وهناك من يستأجرون أحد الاقمار الصناعية لمدة 59 ثانية أي أقل من دقيقة واحدة حتي لا تتمكن هيئة الآثار من تتبع ما يصوره هذا القمر.
وهكذا أصبح هوس الثراء السريع والبحث عن الكنز المفقود، حلم الكثيرين من ضعاف النفوس الذين يلجأون إلى التنقيب عن الآثار، وينفقون مبالغ طائلة كان بالإمكان استثمارها في المكان الصحيح لتحقيق أعلى فائدة بعيداً عن مخالفة الشرع واقانون.
"الديار" حرصت على استعرض هذا الملف الشائك مع أطرافه المعنية بهدف التصدي لتلك التجاوزات من خلال تعزيز الوعي لدى المجتمع المعني بحماية أثار الأجداد من عبث الأحفاد بعدما أصبح الأمر ظاهرة أبطالها للأسف من صفوة المجتمع ورجال الأعمال والعمل السياسي.
بداية أكد الخبير الأمني اللواء محمد نور الدين في تصريح خاص لـ "الديار" أن وزارة الداخلية تعمل جاهدة بقطاعات المباحث الجنائية وشرطة الأثار والأمن العام لمكافحة جريمة الإتجار بالأثار والتنقيب عليها من قبل الباحثين عن الثراء السريع بسرقة مدخرات المجتمع وكنوزه وتهريبها للخارج.
وشدد على أن الأثار هي ملك للمجتمع وليس لفرد معين، وأن وزارة الداخلية تعمل جاهدة على مكافحة الثراء السريع عن طريق تجارة الأثار وممن يقومون بتهريبها للخارج، دون أن يعلموا مدى أهميتها للعلوم المصرية، كما حدث لحجر رشيد الذي تم بيعه بسعر بخس وتهريبه للخارج وكشف سر الحضارة المصرية القديمة.
وأكد نور الدين، أن الدولة سنت قوانين رادعة لكل من تسول له نفسه التنقيب عن الأثار والإتجار فيها من ثمانينات القرن الماضي، وكانت من قبل لا تجرم وليس لها قانون مما دفع أصحاب النفوس الضعيفة للبحث والتنقيب عن الأثار، وكذلك القوانين التي تنظم الاحتفاظ بالقطع الأثرية لدى المواطنين مع عدم التصرف فيها بالبيع.
وأوضح الخبير الأمني أن محافظة الأقصر وخاصة منطقة البر الغربي بها الكثير من الآثار، وكان الأهالي لا يرغبون في ترك منازلهم ونقلهم لمناطق أكثر حضرية، بهدف التنقيب عن الاثار من خلال حفر آبار للصرف الصحي ليستخرجوا قطعا أثرية بعد أن يحفروا على أعماق قليلة تصل لمتر واحد فقط.
وأضاف أن مناطق ميت رهينة والبدرشين وسقارة ومنطقة الأهرامات بالجيزة، وكذلك بني حسن والشروق بالمنيا، يتم بها العديد من عمليات التنقيب خارج القانون، وتم ضبط المئات من تلك الحالات الذين يقومون بالتنقيب عن الأثار بها، سعياً وراء البحث عن الثراء السريع.
وأكد على وجود نصابين يقومون بإيهام المواطنين بالبحث عن الآثار وأخذ الأموال الطائلة منهم جراء البحث عن الكنز، ويقومون بطلب شراء الزئبق الذي يصل الجرام منه لآلاف الجنيهات، حتى يستنزفوا أموال المواطنين بزعم إرضاء الجن، وآخرين يطلبون ذبح أطفال على المقابر والبعض يطلب ممارسة الجنس عليها.
وكشف نور الدين عن أن المواطنين وصل بهم الحد لقتل الأطفال على المقابر أثناء الحفر على أعماق بعيدة، وأيضاً عندما لا يجدوا أطفال لخطفهم وتقديمهم كقربان للجن، يقومون بذبح أبنائهم، وحررت بذلك محاضر كثيرة من زوجات وأخوال الأطفال بقيام أبائهم بذبحهم أو محاولة ذلك.
ولفت الخبير الأمني إلى أن الدولة في حالة قيام المواطن بالإبلاغ عن وجود أثار في منزله يتم مكافئته على حسب قيمة الأثار المكتشفة وحسب العصر التى تقع فيه،.
وحول رأيه في قضية الأثار الكبرى المتهم فيها رجل الأعمال حسن راتب والنائب البرلماني السابق علاء حسانين وأخرين، والتى قضت المحكمة بمعاقبة راتب بالسجن 5 سنوات وحسانين 10 سنوات.
أفاد نور الدين بأنه لم يتوقع أن يقوم رجل الأعمال بالإتجار في الأثار وذلك بسبب إمتلاكه العديد من رؤوس الأموال والممتلكات في اكثر من محافظة، وكذلك علاء حسانين الذي كان يشغل منصب عضو مجلس النواب منذ فترة كبيرة ، ولكنه كان يدعي إنه نائب الجن والعفاريت وقدرته على تسخير الجن ومن غرائبه قوله بانه فك أحد الأعمال السحرية للشيخ الشعراوي وذلك غير صحيح لوفاة الشعراوي ولا يستطيع الرد عليه.

من جانبه أوضح المستشار القانوني والخبير الحقوقي عبد الرزاق مصطفى أن قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والمُعدل بقانون رقم 91 لسنة 2018 ينص على معاقبة كل من قام بتهريب أثر إلى خارج البلاد بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على 10 ملايين جنيه.
كما حددت المادة 42 من القانون المشار إليه عقوبة سرقة الآثار بقصد التهريب، بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه.
ونص القانون أيضاً على عقوبة السجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه لكل من هدم أو أتلف عمداً الآثار، أو أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار و ترتفع الغرامة لمليون جنية ولا تزيد على مليوني جنيه، إذا كان الفاعل من العاملين بالدولة أو المقاولين المتعاقدين مع الجهات الحكومية المعنية.
وأكد أن ذات القانون اشترط لوصف الأثر أن يكون من إنتاج الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة أو قبل مائة عام حتى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها.
وفي سياق متصل علقت جهاد مخاليف المحامية قائلةً "الآثار المصرية شاهد على تاريخ مصر ومعالم الحياة في فترة معينة كان العالم كله يحيا في جهل وظلام ، فحينما كان العالم يعيش في كهوف ويتصارع على الحياة كان في مصر أول نظام مركزي في التاريخ، وبعد ثورة يناير تم سرقة الكثير من الآثار ومازالت مصر حتى تاريخه تعمل على استرجاعها.
وتابعت :هناك فتاوى من بعض رجال الدين عن حكم اللقية تشجع البعض على التجرؤ على التنقيب عن الأثار، خصوصاً بعدما أعلنوا صراحة مشروعية التصدق بعشر قيمة ما وجدوه من اثار وبذلك تصبح تلك اللقية مال حلال، وهو ما ساهم بشكل كبير في انتشر ظاهرة هوس التنقيب عن الآثار.
وطالبت خليف بضرورة تقنين تلك الفتاوى غير المسؤولة وعدم ترك عملية الافتاء لكل من هب ودب واقتصارها على دار الافتاء فقط كونها الجهة المعنية في الدولة والمنوط بها الافتاء.
كما طالبت بأهمية تغليظ عقوبة كل من هدم أو أتلف عمدًا أثرًا أو مبنى تاريخيًا أو شوهه أو غير معالمه، أو فصل جزءًا منه أو اشترك فى ذلك، أو أجرى أعمال الحفر الأثري دون ترخيص أو اشترك فى ذلك.
وحول الظروف النفسية التي تدفع الكثير لهوس التنقيب عن الاثار قالت استشاري الصحة النفسي والإرشاد الأسري الدكتورة مني زايد "رغباتنا النفسية والاجتماعية متنوعة ومتعددة ولا تنتهي ومرتبطة ارتباطاً زائفاً بالمال، وأصبح الحصول عليه هوساً لدى البعض، فمن لديه مال يسعى للاستزادة منه و يصاب بهوس إدارته و القلق عليه، و من ليس لديه مال مهووس بالحصول عليه".
وتابعت : بعض الباحثين عن الثروة السريعة لديهم اضطرابات عقلية تدفعهم لمخالفة القانون بحثًاً عن ثراء غير مشروع عبر جرائم التنقيب عن الآثار، حتى لو دفعهم ذلك لارتكاب جرائم ضد المقربين منهم، وهؤلاء يعتبرون في حكم المرضى المختلين عقليًا وخطورتهم داهمة على المقربين منهم، خاصة أنهم في سبيل الحصول على ما يريدون قد يرتكبوا الجرائم لأن القيم الأخرى النفسية السوية تنخفض لديهم، فيما يعاني البعض الآخر من اضطراب وجداني أو نوبات من الاكتئاب والهوس شديدة وفي كل الحالات يجب على هؤلاء التوجه للعلاج النفسي قبل إقدامهم على ارتكاب جرائم بشعة.
وأضافت أن المال ليس ظاهرة اقتصادية فقط بل هو أيضا ظاهرة نفسية واجتماعية تعمل على مستوى الفرد والجماعة، وقد يكون هذا الموضوع مهملا وهو موضوع سيكولوجية المال فنحن نعرف الكثير عن المال اقتصاديا لكن لا نكاد نعرفه اجتماعيا وسلوكيا ونفسيا لذا قد يتعجب المرء حين يعلم أن للمال أمراضا اجتماعية ونفسية، مشيرة إلى أن علماء النفس يرون أن المال يرتبط بسلوكيات الفرد والجماعة ومن ثم بعلم النفس.
ويرى علماء التحليل النفسى أن للمال أربع تأثيرات على النفس البشرية هى الإحساس بالأمن والقوة والحب والحرية.
وعن حكم التنقيب والتجارة في الآثار كشفت دار الإفتاء المصرية عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك عن الرأي الشرعي في ذلك الأمر قائلة "لا يجوز المتاجرة بالآثار وإذا وجدها الإنسان في أرضٍ يمتلكها فلا يصح أن يتصرف فيها إلَّا في حدود ما يسمح به ولي الأمر وينظِّمه القانون مما يُحَقِّق المصلحة العامة؛ لأنَّ تلك الآثار تعتبر من الأموال العامة لما لها من قيم تاريخية وحضارية تصب جميعها في مصلحة المجتمع ونمائه وتَقَدُّمه".


أبشع جرائم التنقيب عن الآثار
تعد جريمة قتل الطفلة شيماء "11 عاماً" على يد عمها لتقديمها قرباناً للجن لفتح مقبرة أثرية بالمنطقة الجبلية بقرية الصوامعة شرق دائرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج، الأكثر استنكاراً على مستوى الجمهورية، بعدما أوهمه أحد الدجالين بضرورة ذبح طفل ليتم فتح المقبرة.
وكشفت التحقيقات في تلك الواقعة قيام عم الطفلة باحتجازها داخل منزله بمعاونة زوجته لتقديمها للدجال بهدف ذبحها فوق مقبرة أثرية، لكن عندما حررت والدة الطفلة محضراً باختفاء ابنتها، تخوف العم من انكشاف أمره، فقام بخنق الطفلة ودفنها في حوش ماشية بمنزله ووضع عليها كمية من الرمال والأجولة.
كما شهد مركز اخميم ايضاً مصرع عاملين وإصابة 3 آخرين، بعدما انهار عليهم الحفر أثناء التنقيب عن الآثار، بقرية العيساوية، حيث تلقت مديرية أمن سوهاج بلاغا بانهيار بئر على عدد من المواطنين خلال محاولتهم الحفر والتنقيب عن الآثار بمنزل عامل بتلك القرية.
وبالفحص تبين أن مجموعة من الأشخاص يتزعمهم دجال، يقومون بالحفر داخل منزل، وأثناء الحفر انهارت عليهم حفرة بعمق 15 متراً، مما نتج عنه مصرع عاملين وإصابة 3 آخرين.
ومن سوهاج إلى محافظة الفيوم، حيث تجرد مدرس لغة إنجليزية بمعهد الفتيات الأزهري بمنطقة «الحريشي» بمركز الفيوم ومقيم بمنطقة دلة، من كل المشاعر الإنسانية، وارتكب جريمة بشعة، بعدما ذبح زوجته وأولاده الـ٤ بشقته السكنية.
جاء ذلك بعد تلقيه تهديدات باغتصاب زوجته وقتل أبنائه على يد اشخاص ينقب معهم عن الاثار ونشب بينهم خلافات حادة، ليقوموا بتهديده بما سبق إن لم يتخل عن التنقيب بمفرده.
وعلى أثر تلك التهديدات طبق المثل القائل "بيدي لا بيد عمر" وقام بقتل زوجته و ابنائه وهم «ك. م. ع» ٣٣ سنة ربة منزل، وأبنائه «ل. خ. م ١١ سنة» طالب بالصف الخامس الابتدائي، و«أ» ٨ سنوات تلميذة بالصف الثاني الابتدائي، و«م» ٤ سنوات، و«ت» عام ونصف.