جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

الشيخ أحمد علي تركي: الأُلْفَة والمحبَّة

-

هناك أسبابٌ كثيرةٌ تؤدِّي إلى الأُلْفَة والمحبَّة، وتقوي الروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم فمنها:

التَّعارف ومعاشرة النَّاس :

قال صلى الله عليه وسلم :

الأرواح جنودٌ مجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف .

التَّواضع :

إنَّ خفض الجنَاح ولين الكَلِمَة وتَرْك الإغلاظ مِن أَسبَاب الأُلْفَة واجتماع الكَلِمَة وانتظام الأَمر .

ولهذا قيل :

مَن لانت كلمته وجبت محبَّته وحَسُنَت أُحدُوثته ، وظمئت الْقُلُوب إلى لقائه وتنافست في مودته .

ولهذا قيل :

إن ظيفة المسلم مع إخوانه ، أن يكون هيِّنًا ليِّنًا بالقول وبالفعل ؛ لأنَّ هذا ممَّا يوجب المودَّة والأُلْفَة بين النَّاس ، وهذه الأُلْفَة والمودَّة أمرٌ مطلوبٌ للشَّرع ، ولهذا نهى النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام عن كلِّ ما يوجب العداوة والبغضاء .

القيام بحقوق المسلمين والالتزام بها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

حق المسلم على المسلم خمسٌ : رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس .

فهذه الحقوق التي بيَّنها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّها إذا قام بها النَّاس بعضهم مع بعض، حَصل بذلك الأُلْفَة والمودَّة، وزال ما في القلوب والنُّفوس مِن الضَّغائن والأحقاد .

ومن ذلك:

إفشاء السَّلام :

قال صلى الله عليه وسلم :

يا أيُّها النَّاس أفشوا السَّلام وأطعموا الطَّعام وصلوا الأرحام وصلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام تدخلوا الجنَّة بسلام .

قال الإمام الرَّازي :

الحكمة في طلب السَّلام عند التَّلاقي والمكاتبة دون غيرهما :

أنَّ تحيَّة السَّلام طُلِبت عند ما ذكر ؛ لأنَّها أوَّل أسباب الأُلْفَة والسَّلامة التي تضمنها السَّلام هي أقصى الأماني فتنبسط النَّفس عند الاطِّلاع عليه أيَّ بسطٍ ، وتتفاءل به أحسن فأل .

زيارة المسلم وعيادته إذا مرض :

فزيارة المسلم لأخيه المسلم تبعث على الحبِّ والإخاء ، ولا سيَّما عند المرض ، مع ما أعده الله من الأجر والثواب له .

قال صلى الله عليه وسلم :

مَن عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ، ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك ، وتبوَّأت مِن الجنَّة منزلًا .

الكلام اللَّين :

فالكلام اللَّين والطَّيب مِن الأسباب التي تؤلِّف بين القلوب .

قال تعالى :

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا

[الإسراء: 53].

التَّعفُّف عن سؤال النَّاس :

قال صلى الله عليه وسلم:

وازهد فيما في أيدي النَّاس يحبَّك النَّاس .

السَّعي للإصلاح بين النَّاس :

قال تعالى :

فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ

[الأنفال: 1].

الاهتمام بأمور المسلمين والإحساس بقضاياهم :

قال صلى الله عليه وسلم :

المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر .

التَّهادي :

لا شك أن تقديم الهديَّة يزيد مِن الأُلْفَة والمحبَّة والتَّقارب بين المهدي والـمُهْدَى إليه .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال :

تهادوا تحابُّوا .

حسن الخلق :

قال الغزالي:

اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق‏ ، فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر ومهما كان المثمر محمودًا كانت الثمرة محمودة .

وقد أرجع الماورديُّ أسباب الأُلْفَة إلى خمسة أسباب رئيسة وهي :

الدِّين والنَّسب والمصاهرة والمودَّة والبرُّ فقال :

فأمَّا الدِّين :

وهو الأوَّل مِن أسباب الأُلْفَة ؛ فلأنَّه يبعث على التَّناصر ، ويمنع مَن التَّقاطع والتَّدابر .

وبمثل ذلك وصَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه .

روى سفيان عن الزُّهري عن أنس رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث .

وهذا وإن كان اجتماعهم في الدِّين يقتضيه فهو على وجه التَّحذير مِن تذكُّر تراث الجاهليَّة وإحَن الضَّلالة .

فقد بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب أشدُّ تقاطعًا وتعاديًا وأكثر اختلافًا وتماديًا حتى إنَّ بني الأب الواحد يتفرَّقون أحزابًا فتثير بينهم بالتَّحزب والافتراق أحقاد الأعداء وإحَن البعداء...

وأما النَّسب :

وهو الثَّاني مِن أسباب الأُلْفَة ؛ فلأن تعاطف الأرحام حميَّة القرابة يبعثان على التَّناصر والأُلْفَة ، ويمنعان مِن التَّخاذل والفرقة ، أنفة مِن استعلاء الأباعد على الأقارب ، وتوقيًا مِن تسلُّط الغرباء الأجانب.

وقد رُوِي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال :

إنَّ الرَّحم إذا تماسَّت تعاطفت .

وأمَّا المصاهرة :

وهي الثَّالث مِن أسباب الأُلْفَة ، فلأنَّها استحداث مواصلة ، وتمازج مناسبة ، صدرا عن رغبةٍ واختيار ، وانعقدا على خيرٍ وإيثار ، فاجتمع فيها أسباب الأُلْفَة ومواد المظاهرة .

قال الله تعالى :

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً

[الرُّوم: 21]

يعني بالمودَّة المحبَّة، وبالرَّحمة الحنو والشَّفقة وهما مِن أوكد أسباب الأُلْفَة .

وأمَّا المؤاخاة بالمودَّة :

وهي الرَّابع مِن أسباب الأُلْفَة؛ لأنَّها تكسب بصادق الميل إخلاصًا ومصافاة ويحدث بخلوص المصافاة وفاءً ومحاماةً .

وهذا أعلى مراتب الأُلْفَة .

ولذلك آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه لتزيد ألفتهم ويقوي تضافرهم وتناصرهم .

وأمَّا البرُّ :

وهو الخامس مِن أسباب الأُلْفَة ، فلأنَّه يوصِّل إلى القلوب ألطافًا ، ويثنيها محبَّة وانعطافًا.

ولذلك ندب الله تعالى إلى التَّعاون به وقرنه بالتَّقوى له فقال :

وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى

[المائدة: 2] .

لأنَّ في التَّقوى رضى الله تعالى، وفي البرِّ رضى النَّاس .

ومَن جَمَع بين رضى الله تعالى ورضى النَّاس فقد تمَّت سعادته، وعمَّت نعمته .