جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

-

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ :

أَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَالْكِتَابَ الْمُبِينَ، الَّذِي فِيهِ الْهِدَايَةُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَالْإِرْشَادُ إِلَى كُلِّ بِرٍّ؛ فَهُوَ كَلَامُ رَبِّنَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ .

يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

سورة يونس


هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِينَا هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَدِلَالَةٌ بَاهِرَةٌ، وَحُجَّةٌ قَاهِرَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظْمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ، وَمِنْ جِهَةِ مَعَانِيهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنِ الْغَيْبِ الْمَاضِي، وَالْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْمَعَادِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا بَيَّنَ فِيهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَمْثَالُ الْمَضْرُوبَةُ .

وَلِذَلِكَ تَحَدَّى اللهُ تَعَالَى الْعَرَبَ الْخُطَبَاءَ وَالشُّعَـرَاءَ الْفُصَحَاءَ بَلِ الْإِنْسَ وَالْجَانَّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ .

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

سوىة يونس

وَلَكِنَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَاجِزُونَ، وَلَوِ اجْتَمَعَ الْأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا

سوة الإسراء

وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ حَفِظَ لَهُمْ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ أَنْ تَمَسَّهُ أَيْدِي التَّحْرِيفِ أَوِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، كَمَا حُرِّفَتِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ، فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ حَرْفًا إِلَّا كُشِفَ، وَلَا أَنْ يُحَاوِلَ تَحْرِيفًا إِلَّا فُضِحَ وَعُرِفَ .

قَالَ تَعَالَى:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

سورة الحجر

وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُحِبَّ هَذَا الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِحَلَالِهِ وَيَبْتَعِدَ عَنْ حَرَامِهِ، وَيَقِفَ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَجْعَلَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهِ وَالْعَامِلِينَ بِهِ فَقَالَ:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

سورة البقرة

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أَنْ يُحِلَّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَيَقْرَأَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ، وَلَا يُحَرِّفَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَتَأَوَّلَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ

وَقَدْ سَمَّى اللهُ أَهْلَ الْقُرْآنِ وَحَفَظَـتَهُ أَهْلَ اللهِ وَخَاصَّتَهُ .

فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ .

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟

قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ؛ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ .

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

وَرَفَعَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَهُمْ وَأَعْلَى مَكَانَتَهُمْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

فَاجْتَهِدُوا فِي تِلَاوَةِ كِتَابِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَاعْتَزُّوا بِدِينِكُمْ وَكَلَامِ رَبِّكُمْ، أَحِبُّوا مَنْ يُحِبُّ كِتَابَهُ وَيَصُونُهُ، وَأَبْغِضُوا مَنْ يَطْعَنُ فِيهِ وَيُهِينُهُ، وَتَذَكَّرُوا مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْأُجُورِ الْكَثِيرَةِ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ .

فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ .

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْـزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا .

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

كَمْ حَاوَلَ أَعْدَاءُ الدِّينِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْمُلْحِدِينَ أَنْ يُهِينُوا دِينَنَا وَنَبِيَّنَا وَكِتَابَ رَبِّنَا!! عَبْرَ رُسُومٍ مُسِيئَةٍ أَوْ حَرْقٍ لِمَصَاحِفِنَا، يَظُنُّونَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَهْدِمُونَ الدِّينَ أَوْ يُبْطِلُونَهُ، وَلَكِنَّ دِينَ اللهِ بَاقٍ مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالْإِسْلَامُ فِي سُطُوعٍ وَانْتِشَارٍ، وَكِتَابُ اللهِ مَحْفُوظٌ، وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ .

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

سورة التوبة

وَأَفْعَالُهُمْ هَذِهِ لَاشَكَّ أَنَّهَا تَنُمُّ عَلَى حِقْدٍ دَفِينٍ وَحَسَدٍ مُبِينٍ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَوَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ هَذَا الدِّينِ أَنْ يُحَقِّقُوا أَصْلَ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ وَأَنْ يَجْعَلُوا الْحُبَّ لِلَّهِ وَلِدِينِ اللهِ، وَالْبُغْضَ لِلْكُفَّارِ وَلِأَعْدَاءِ اللهِ، وَأَنْ يَعْتَزُّوا بِدِينِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ، وَسَبِيلَ حُصُولِهَا هِيَ الْعَوْدَةُ لِدِينِ اللهِ؛ فَنُصْرَةُ اللهِ وَكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ بِالرُّجُوعِ إِلَى دِينِ اللهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهُدَاهُ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِذَلِكَ تَعُودُ لَكُمْ عِزَّتُكُمْ، وَتَرْجِعُ لَكُمْ هَيْبَتُكُمْ.