مدحت الشيخ يكتب: فضفضة.. الإعلام أمن قومي

لم يعد الإعلام في وطننا مجرد ناقل للأخبار أو وسيط بين السلطة والمجتمع، بل تحوّل إلى حلبة مفتوحة للفوضى، والانحراف عن قواعد المهنية والأخلاق. الإعلام الذي كان يوماً منبرا للحقيقة ووسيلة للتوعية، أصبح اليوم مسرحاً للضجيج، والتضليل، وتسليع الخبر على حساب الموضوعية.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور "المراسلين" الهواة، تضاءلت معايير المهنية الصحفية. أصبحنا نشاهد أخباراً مجهولة المصدر، وشائعات تطلق بلا تحرٍ، وأحياناً دعايات متنكرة في شكل تقارير. هذا الانفلات لا يقتصر على المواقع الإلكترونية فقط، بل امتد إلى القنوات التلفزيونية والصحف، حيث بات السبق والدراما أهم من دقة الخبر ومصداقيته.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أصبحت بعض الوسائل الإعلامية أدوات بيد جهات تسعى لتوجيه الرأي العام وفق مصالح ضيقة، متجاهلة الحقيقة وحرية التعبير. الأخبار أصبحت سلعة تُباع وتُشترى، والقيم المهنية أُهملت تماماً، لتصبح الصورة الإعلامية كئيبة، تفقد فيها الثقة ويعم فيها الاضطراب.
وللأسف، فإن هذا المشهد لا يضر فقط بالمواطن الذي يبحث عن الحقيقة، بل يضرب عمق الديمقراطية نفسها. إعلام بلا معايير، يعزز الفوضى، ويزرع الفتن، ويغذي حالة من اليأس وعدم الثقة في المؤسسات. ما نحتاجه اليوم هو صحافة مسؤولة، لا تخشى مواجهة الحقيقة، ولا تتاجر بالأزمات، بل تعمل على بناء وعي مجتمع مستنير.
في ظل هذه الفوضى الإعلامية، تراجعت مكانة الصحفيين الحقيقيين، أولئك الذين يتحرون الدقة ويصونون المهنة. وشاهدنا تصاعد ظاهرة "الإعلامي المؤدلج"، الذي يختار أجندته السياسية أو التجارية على حساب الحقيقة. حتى المواطن العادي أصبح غير قادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، ما أدى إلى تآكل الثقة بين الإعلام والمجتمع.
هذه الفوضى تفرض علينا سؤالاً هاماً: هل نريد إعلاماً يُسهم في تقدم المجتمع وازدهاره، أم مجرد منصة لصراعات شخصية وأجندات سياسية ضيقة؟ وهل يمكننا أن نُعيد للإعلام هيبته ومكانته التي فقدها؟
الإعلام مسؤولية عظيمة، وهو بحاجة إلى تنظيم صارم، وضوابط واضحة، واحترام للمهنة والرسالة. فبدون صحافة نزيهة وموضوعية، ستظل الحقيقة أسيرة للأكاذيب، وستبقى الفوضى هي السيدة الأولى في الساحة. وهذا ما لا يمكن أن يسمح به مجتمع يسعى للتقدم والاستقرار.