جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

بيراميدز.. حلم انطلق من موسكو ليتوّج زعيمًا لإفريقيا

الديار – محمد عاطف -

في عالم تسيطر عليه الأسماء القديمة والأعلام المرفوعة منذ عقود، لم يجد الحلم الجديد من يتجرأ على صناعته، ولا الفكرة الجريئة من يتبناها. لكن أحيانًا تولد فكرة في ذهن من يسعى لكسر الحواجز الضيقة، ليتحدى بها الجميع بثقة، ويصنع من وراء فكرته أمجادًا لم تتحقق من قبل على أرض الواقع.

هكذا وُلد نادي بيراميدز، الفريق الذي دخل عالم كرة القدم المصرية والإفريقية دون إذن مسبق، بل اقتحم المشهد بثقة، ليعيد كتابة قواعد اللعبة في مصر، وينطلق نحو الإنجازات والبطولات، وينافس أعرق الفرق في مصر وإفريقيا.

في صيف عام 2018، وعلى متن الطائرة المتجهة إلى العاصمة الروسية "موسكو" التي كانت تقل المنتخب السعودي المشارك آنذاك في مونديال كأس العالم الذي استضافته روسيا، كان تركي آل الشيخ يشغل حينها منصب وزير الرياضة في السعودية. وبين تركيزه مع منتخب بلاده، ومغامراته الكروية الأخرى، كان يفكر في الاستثمار الرياضي عبر شراء فريق قادر على منافسة الكبار من بوابة الدوري المصري.

وخلال الرحلة، جمع آل الشيخ بعضًا من رموز كرة القدم المصرية ممن تواجدوا لدعم المنتخب المصري، من بينهم حسام البدري، المدير الفني السابق للأهلي، والنجم المعتزل أحمد حسن، إلى جانب عدد من الإعلاميين البارزين. وفي تلك الجلسة، طرح آل الشيخ فكرة شراء نادٍ يمكنه كسر هيمنة الأهلي والزمالك على البطولات، كانت الفكرة جريئة، وربما مستفزة للبعض، لكنها كانت بداية القصة.

في البداية، سعى آل الشيخ لشراء نادي الترسانة، أحد أعرق أندية مصر، لما يحمله من تاريخ وشعبية. إلا أن طلبه قوبل بالرفض لأسباب تتعلق بالإدارة والهيكل التنظيمي للنادي. فبدأ البحث عن بديل، حتى طرح عليه بعض المقربين فكرة شراء نادي الأسيوطي سبورت، الذي تأسس عام 2008 وحقق بعض النجاحات المتواضعة.

وفي صفقة بلغت قيمتها نحو 5 ملايين دولار، نجح تركي آل الشيخ في شراء النادي من مالكه محمود الأسيوطي، وحصل على موافقة وزارة الشباب والرياضة لتغيير الاسم والهوية. وهكذا، وُلد نادي بيراميدز.

جاء اختيار اسم "بيراميدز" ليحمل طابعًا مصريًا عريقًا، مع شعار جديد يعكس الهوية الفرعونية، يظهر فيه تمثال أبو الهول والأهرامات الثلاثة. تم تجنب استخدام اسم "الأهرام" لتفادي التشابه مع مؤسسة الأهرام الصحفية.

لم تكن إعادة تسمية الفريق مجرد خطوة شكلية، بل كانت بداية لخطة إعادة بناء كاملة. تم اختيار استاد الدفاع الجوي ليكون الملعب الرئيسي بسعة 30 ألف متفرج، وبدأ النادي في التعاقد مع نخبة من اللاعبين، أبرزهم عبد الله السعيد، رمضان صبحي، علي جبر، وأحمد الشناوي، إلى جانب لاعبين أجانب على مستوى عالٍ.

كما لم يغفل النادي الجانب الإداري والفني، إذ تولى تدريبه عدد من أبرز المدربين، وسط جهاز إداري يُدار بعقلية استثمارية واحترافية.

رغم الإنفاق الضخم الذي تجاوز 3.25 مليار جنيه مصري في أول خمس سنوات، لم ينجح بيراميدز في حصد أي بطولة في بدايته. ومع تصاعد ضغط الجماهير ووسائل الإعلام، أعلن تركي آل الشيخ في عام 2019 التنازل عن ملكية النادي لصالح رجل الأعمال الإماراتي سالم الشامسي، الذي حافظ على نفس النهج الاستثماري.

تحت إدارة الشامسي، واصل الفريق التألق، ونجح في الوصول إلى نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية مرتين، لكنه لم يتوج باللقب، وكأنه يلامس المجد دون أن يظفر به.

في موسم 2023/2024، كسر بيراميدز حاجز الصفر، وتُوِّج بكأس مصر لأول مرة في تاريخه، بعد مشوار صعب ومنافسة شرسة مع الكبار. لم يكن اللقب مجرد بطولة، بل إعلان وصول بيراميدز إلى مصاف الكبار، ونقطة تحوّل في تاريخه.

في إنجاز تاريخي، حصد بيراميدز أول لقب إفريقي له بفوزه ببطولة دوري أبطال إفريقيا، بعد مباراة مثيرة أمام ما ميلودي صن داونز الجنوب إفريقي، انتهت بنتيجة إجمالية 3-2 لصالح بيراميدز.

بهذا الإنجاز، دخل الفريق التاريخ كونه رابع نادٍ مصري يتوّج بالبطولة بعد الأهلي (12 لقبًا)، الزمالك (5 ألقاب)، والإسماعيلي (لقب وحيد عام 1969).

لم تعد الجماهير تنظر فقط إلى الأهلي والزمالك، بل ظهر بيراميدز كقوة ثالثة تُحسب لها الألف حساب. باتت مصر بلد "الأندية الثلاثة"، والمنافسة اشتعلت، والجمهور أصبح أكثر شغفًا، وهو ما ينعكس إيجابيًا على الكرة المصرية محليًا وقاريًا.

بيراميدز ليس مجرد نادٍ جديد، بل قصة حلم بدأ في السماء، وتحوّل إلى واقع فوق الأرض. حلم ربما بدأ بشخص، لكنه اليوم أصبح كيانًا متكاملًا، يكتب التاريخ، ويُعيد تشكيل وجه كرة القدم المصرية.