جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

بين الصواريخ والنووي والانخراط الأمريكي المحتمل: المنطقة على شفا انفجار استراتيجي

حسام السيسي
الديار-حسام السيسي -

بين الصواريخ والنووي والانخراط الأمريكي المحتمل: المنطقة على شفا انفجار استراتيجي

حسام السيسي

تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر اللحظات توترًا منذ عقود، إثر تصعيد غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، بلغ ذروته مع الهجمات الصاروخية الإيرانية التي طالت عمق الأراضي الإسرائيلية، بما فيها مواقع أمنية واستخباراتية حساسة. هذه الضربات، التي كُشف عنها تدريجيًا، لا تمثّل فقط ردًّا عسكريًا مباشرًا، بل تعكس تحوّلًا في قواعد الاشتباك، وتفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الجيوسياسية المعقدة.

التحول الإيراني: من الرد عبر الوكلاء إلى المواجهة المباشرة

لأعوام طويلة، اعتمدت طهران سياسة "الرد بالوكالة"، حيث كانت تستخدم أدواتها في المنطقة مثل حزب الله، والحوثيين، وبعض الميليشيات في العراق وسوريا، لضرب أهداف إسرائيلية أو أمريكية بشكل غير مباشر. لكن الهجوم الإيراني الأخير، والذي تبنته رسميًا القيادة في طهران، يمثل قطيعة مع هذا النمط التقليدي، ويؤشر على معادلة ردع جديدة تتأسس على تدخل مباشر وحاسم.

هذا التحول ليس وليد اللحظة، بل تراكم على وقع سلسلة من الاغتيالات والضربات الدقيقة التي استهدفت العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين خلال السنوات الأخيرة، وصولًا إلى الهجمات على منشآت مثل "نطنز" و"بارشين". الرد الإيراني حمل رسائل واضحة، ليس فقط إلى تل أبيب بل أيضًا إلى واشنطن، مفادها أن طهران باتت مستعدة للذهاب إلى المواجهة المفتوحة إذا تم تجاوز "الخطوط الحمراء" المتصلة بسيادتها أو مشروعها النووي.

إسرائيل: معضلة الرد وتضاؤل الخيارات

بالنسبة لإسرائيل، فإن الهجوم الإيراني مثّل إحراجًا أمنيًا، لكنه أيضًا فتح نقاشًا داخليًا حول مدى جاهزية الجبهة الداخلية لحرب إقليمية متعددة الجبهات. كما دفع بصانعي القرار الإسرائيليين إلى مراجعة تكتيكات الردع التقليدية التي قامت على التفوق الجوي والضربات الاستباقية.

الخيارات المتاحة أمام تل أبيب ليست سهلة. فالرد المباشر على إيران قد يشعل حربًا شاملة، والسكوت يُفهم ضعفًا. وهنا تبرز معضلة "المعادلة النووية" التي تمثل حجر الأساس في صراع الإرادات بين الطرفين، إذ لطالما اعتبرت إسرائيل أن امتلاك طهران للسلاح النووي يمثل "خطًا أحمر وجوديًا". وعليه، فإن الحديث عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية عاد إلى الواجهة، وسط تسريبات متضاربة عن جاهزية إسرائيلية لذلك، وربما موافقة أمريكية ضمنية.

واشنطن على الخط: دعم حذر أم انخراط مباشر؟

الولايات المتحدة، التي تجد نفسها في موقع حرج، تدرك أن أي انخراط مباشر في حرب إسرائيلية-إيرانية سيجرّ المنطقة إلى مستنقع دموي قد لا يمكن الخروج منه بسهولة. ورغم تعهدات واشنطن الدائمة بحماية "أمن إسرائيل"، فإن الإدارة الأمريكية تتريث في إعطاء الضوء الأخضر لضربات من شأنها إشعال فتيل مواجهة إقليمية أوسع.

في الوقت ذاته، فإن استمرار التوتر يدفع البنتاغون إلى تعزيز وجوده في الخليج، وتحريك حاملات الطائرات، وزيادة التنسيق الاستخباراتي، تحسبًا لأي سيناريو مفاجئ. ومن غير المستبعد أن تتدخل واشنطن في حال تعرّضت المصالح الأمريكية المباشرة، أو قواعدها في العراق وسوريا، لهجمات انتقامية.

ملف إيران النووي: العودة إلى الواجهة في لحظة ضعف دولي

وسط هذا التصعيد، عاد الملف النووي الإيراني إلى الطاولة الدولية، لكن في ظل مشهد عالمي مفكك، وحرب باردة متجددة بين واشنطن وبكين، ومأزق أوروبي مزدوج بين أوكرانيا وغزة. ما يجعل من الصعب إعادة تفعيل أدوات الردع الجماعي عبر مجلس الأمن، خاصة مع الدعم الصيني والروسي الضمني لطهران.

المعلومات الاستخباراتية الأخيرة تشير إلى أن إيران باتت على بعد أسابيع فقط من امتلاك يورانيوم مخصب بدرجة تُقارب العتبة العسكرية، ما يثير مخاوف حقيقية من "قنبلة وقت" قد تنفجر فجأة، ما لم يتم احتواؤها دبلوماسيًا أو عسكريًا.

خاتمة: على أعتاب لحظة استراتيجية فارقة

تبدو المنطقة اليوم وكأنها تقف على فوهة بركان، حيث تتشابك الحسابات النووية، والضربات الدقيقة، والردع المتبادل، وسط غياب شبه كامل لصوت العقل أو الوساطات الفعالة. المشهد ليس فقط صراعًا بين قوتين، بل اختبارًا حاسمًا لمنظومة الأمن الإقليمي، وقدرة العالم على ضبط إيقاع التصعيد قبل أن يتحوّل إلى كارثة مفتوحة.

هل نحن على مشارف انفجار إقليمي واسع؟ أم أننا أمام فصل جديد في توازنات الردع، يعيد رسم خريطة التحالفات والمعادلات في الشرق الأوسط؟
أسئلة تظل مفتوحة، وإجاباتها رهن بسيناريو الأيام المقبلة.