جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

قانون الإيجار الجديد... العدالة الغائبة بين الأوراق والجدران

الديار - عماد اصلان -

تعيش مصر لحظة فارقة في ملف السكن والعدالة الاجتماعية، بعد أن أقر البرلمان تعديل قانون الإيجار القديم، في خطوة وُصفت بأنها انتصار لحقوق الملاك من ناحية، لكنها في الوقت نفسه أثارت قلق ملايين المستأجرين، خاصة كبار السن، وأصحاب المعاشات، وشباب الأحياء الشعبية الذين لا يملكون مأوى آخر.

وسط هذا المشهد المتداخل، يطرح تحقيقنا السؤال الأهم:
هل راعى القانون التوازن والعدالة؟ أم أنه أغفل الفئات الضعيفة؟

● أولًا: عقود الإيجار ذات الـ59 سنة... خارج اللعبة القانونية ولكن داخل القلق الشعبي
رغم أن العقود التي أُبرمت بعد عام 1996 لمدة 59 سنة لا تخضع لقانون الإيجار القديم، لأنها عقود مدنية رضائية، إلا أن كثيرًا من المواطنين الذين يملكون أو يسكنون بهذه العقود أصابهم القلق.

القانون المدني رقم 4 لسنة 1996 نص بوضوح على أن أي عقد يُبرم بعد صدوره يكون خاضعًا للاتفاق بين الطرفين، وليس للامتداد القانوني.

✔️ ما معناه؟

العقد ينتهي بمدته المكتوبة فقط.

لا يمتد تلقائيًا للمستأجر أو ورثته.

لا يُلغي إلا باتفاق الطرفين أو بانتهاء المدة.

لكن الخوف انتشر لأن الدولة لم توضح بشكل رسمي هذا الفارق، وتركته للتكهنات على "السوشيال ميديا".

● ثانيًا: شرح مبسط وتفصيلي لكل مادة في القانون الجديد
✅ المادة 1 – من يشملهم القانون؟
(نص المادة)
"تسري أحكام هذا القانون على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، والأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، الخاضعة للقانونين 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981."

???? تفسير المادة:

القانون يطبق فقط على العقود القديمة المبرمة قبل 1996.

لا يشمل العقود التجارية أو الحكومية أو الشركات.

لا يشمل أي عقد خاضع للقانون المدني مثل الـ59 سنة.

✳️ بمعنى واضح: لو عقدك تم بعد 1996 ومدته محددة (مثل 59 سنة)، فأنت خارج نطاق هذا القانون.

✅ المادة 2 – متى ينتهي عقد الإيجار؟
(نص المادة)
"تنتهي عقود السكن بعد 7 سنوات من تاريخ العمل بالقانون، وتنتهي عقود غير السكن بعد 5 سنوات، ما لم يتم التراضي على الإنهاء قبل ذلك."

???? تفسير المادة:

من يسكن بعقد قديم (قبل 1996)، أمامه 7 سنوات فقط قبل انتهاء العقد.

إذا كان العقد لمحل أو نشاط غير سكني، المدة 5 سنوات فقط.

✳️ تأثيرها: هذه المادة تُنهي الامتداد القانوني لعقود الإيجار القديمة، لكنها لا تشمل العقود المدنية الحديثة.

✅ المادة 3 – كيف تُقسّم المناطق؟
(نص المادة)
"تُشكّل لجان بالمحافظات لتقسيم المناطق إلى متميزة، متوسطة، اقتصادية، وفقًا لمعايير الموقع، البناء، المرافق، الخدمات، القيمة السوقية."

???? تفسير المادة:

الدولة ستصنف المناطق من حيث المستوى.

كل منطقة سيكون لها حد أدنى للأجرة وفقًا لمستواها.

الهدف: العدالة بين من يسكن في حي راقٍ ومن يسكن في حي شعبي.

✳️ ملاحظة مهمة: هذه التصنيفات ستؤثر على "قيمة الإيجار الجديدة"، لكنها لا تطبّق على العقود المدنية الحديثة مثل 59 سنة.

✅ المادة 4 – ما قيمة الإيجار الجديد؟
(نص المادة)
"تُضاعف الأجرة إلى:

20 ضعفًا في المناطق المتميزة (بحد أدنى 1000 جنيه)

10 أضعاف في المناطق المتوسطة (بحد أدنى 400 جنيه)

10 أضعاف في المناطق الاقتصادية (بحد أدنى 250 جنيه)"

???? تفسير المادة:

زيادات تدريجية للتمهيد لعودة العلاقة التعاقدية الطبيعية.

يتم تحديد القيمة الإيجارية حسب المنطقة التي تقع فيها الوحدة.

الهدف المعلن: تحقيق التوازن بين القيمة السوقية والقانونية.

✳️ لكن... العقود طويلة الأجل المدنية (59 سنة) ما زالت محمية بقيمتها التعاقدية، ولا تنطبق عليها هذه الزيادات.

● ثالثًا: من يسكن البيت وحده... هل يُطلب منه الرحيل؟

بين السطور القانونية، هناك قصص إنسانية كثيرة تُركت دون إجابة.

كبار السن وأصحاب المعاشات

أغلبهم يسكن وحدات بإيجار قديم، يتقاضون معاشات بالكاد تكفي الدواء والطعام.
بعضهم يسكن مع زوجته فقط، بلا أولاد أو دعم، يعيشون منذ 30 عامًا في نفس الشقة.

"لو خرجونا من البيت... نعيش فين؟ فين الرحمة؟"

القانون لم يخصص لهم حماية.
لم يفرّق بين صاحب شقة واحدة مغلوبة على أمره، ومن يحتكر شققًا ويغلقها.

شباب الأحياء الشعبية

نجار، ميكانيكي، كهربائي، أو سائق توك توك... كل واحد منهم يعيش في حي شعبي قريب من ورشته أو مصدر رزقه.

"البيت بالنسبالي مش بس سكن... ده شغل وناس ورزق."

القانون لم يضع خطة بديلة لهؤلاء.
لم يُعرض عليهم سكن بديل أو دعم انتقالي.
لم يُراعي أن طردهم من بيوتهم يعني طردهم من أرزاقهم أيضًا.

خذلان البرلمان... غياب الرؤية الاجتماعية الشاملة

لم يخف المواطنون غضبهم من مجلس النواب، الذي كانوا ينتظرون منه معالجة شاملة لأزمة الإيجارات القديمة، تأخذ في الحسبان المعاناة اليومية التي يعيشها الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل.

فبدلًا من طرح حلول عادلة وعملية، فوجئوا بقانون يُقر الإخلاء دون أن يُقدّم بدائل حقيقية، أو حتى معالجة لأخطر الأزمات المرتبطة بهذا الملف، وعلى رأسها:

الشقق المغلقة التي تُركت بلا استخدام لعقود طويلة، رغم احتياج آلاف الشباب إلى سكن.

التمييز بين من لا يملك إلا شقة واحدة، ومن يحتكر أكثر من وحدة ولا يستعملها.

المحال التجارية القديمة التي باتت وسيلة رزق مهددة، دون مراعاة للظروف الاقتصادية الراهنة.

التوعية والتفسير للرأي العام

حماية كبار السن من الطرد

دعم الشباب العامل في الأحياء الشعبية

طرح سكن بديل من خلال برامج واضحة

أين صوت المواطن تحت قبة البرلمان؟

أين ضمانات الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة؟

فالعدالة السكنية ليست ورقة قانونية... بل سياسة إنسانية تحفظ الكرامة قبل العقار.

كان من المفترض أن يكون البرلمان صوت المواطن، لا صوت رأس المال، وأن يوازن بين حقوق المالك وحق المستأجر في الأمان والاستقرار.

لكن ما حدث ـ في نظر كثيرين ـ هو ميل واضح لصالح أصحاب العقارات، دون ضمانات كافية للطرف الأضعف.