”انتحار في زمن التكنولوجيا: لماذا يفقد الشباب الرغبة في الحياة؟”

في زمنٍ أصبح فيه العالم "قرية صغيرة"، وتَوفَّرت كل وسائل الراحة والاتصال، نشهد مفارقة مأساوية: ارتفاع معدلات انتحار الشباب. بينما يُفترض أن التقدم التكنولوجي يُسهم في تحسين جودة الحياة، إلا أن الواقع يُظهر جانبًا مظلمًا، حيث باتت مواقع التواصل، والألعاب الرقمية، والحياة الافتراضية تؤثر سلبًا على الصحة النفسية، وتدفع البعض إلى قرارات مأساوية. أرقام مُقلقة: تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار هو السبب الثاني للوفاة بين الشباب من عمر 15 إلى 29 عامًا. وفي العديد من الدول العربية، رغم قلة الإحصائيات الدقيقة بسبب الوصمة الاجتماعية، إلا أن المؤشرات تؤكد تزايد الظاهرة، لا سيما بين مستخدمي الإنترنت بكثافة. أسباب الظاهرة في ظل التكنولوجيا الحديثة: العزلة الاجتماعية رغم "الاتصال": الشباب يقضون ساعات طويلة على هواتفهم، لكن بدون تواصل حقيقي، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة. المقارنة السامة: عبر "إنستجرام" و"تيك توك"، يرى الشباب صورًا لحياة مثالية، مما يزرع فيهم شعورًا بالنقص والفشل. التنمر الإلكتروني: ازداد التنمر عبر الإنترنت، وهو ما يترك آثارًا نفسية عميقة، خاصة لدى المراهقين. الألعاب الإلكترونية العنيفة: بعض الألعاب تحث على العنف والانتحار، مثل "الحوت الأزرق"، و"مومو"، وغيرها. غياب الحوار الأسري والدعم النفسي: في كثير من الأحيان، لا يجد الشباب من يستمع إليهم، فيلجؤون إلى "الصمت المميت". رأي علماء النفس: يقول الدكتور سامي عبد الرؤوف، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرةالانتحار ليس رغبة في الموت، بل صرخة يائسة للهرب من ألم لا يُحتمل. التكنولوجيا زادت من هذا الألم إذا لم نُحسن استخدامها." وأضاف أن "الشباب بحاجة ماسة إلى التقدير، والاحتواء، وتعزيز قيم الإنجاز الذاتي بعيدًا عن المقارنات الرقمية." أوضح فضيلة الشيخ د. أحمد كمال، من علماء الأزهر الشريف: "الانتحار من الكبائر، لكنه لا يعني بالضرورة الكفر. يجب أن نرحم من انتحر ونبحث عن الأسباب، ونعالجها بالرفق لا باللوم." وأضاف أن "غياب الإيمان بالله وبالقدر، والانشغال بالدنيا عن الآخرة، من أسباب اليأس. علينا إعادة بناء الوعي الديني المتوازن، الذي يُعزّز الصبر والأمل." حلول وتوصيات: التربية الرقمية: توعية الشباب بكيفية استخدام التكنولوجيا بشكل صحي وآمن. الاحتواء الأسري: الحوار المفتوح داخل الأسرة، وتقديم الدعم العاطفي دون حكم أو لوم. العيادات النفسية المجانية أو السرية: تشجيع وجود مراكز نفسية يمكن للشباب اللجوء إليها بسهولة وبدون خوف من الوصمة. دمج الوعظ الديني مع الواقع التقني: نشر محتوى ديني وإنساني عبر المنصات التي يتواجد فيها الشباب، يعزز الأمل والرضا. دور المدارس والإعلام: تضمين موضوعات الصحة النفسية ومواجهة التنمر ضمن المناهج، وتوجيه الإعلام لتقديم رسائل إيجابية بدلاً من السطحية والعنف. وأخيرا قد لا نستطيع إيقاف التكنولوجيا، لكنها لن تكون عدونا إن تعلمنا كيف نستخدمها بإيجابية. الشباب لا يحتاجون إلى شاشات مضيئة بقدر حاجتهم إلى قلوب مضيئة. فكل "لايك" زائف لا يُغني عن كلمة حقيقية من حُب.