جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

دور الشباب المحوري في مُكافحة تلوث البلاستيك أحادي الإستخدام

أحمد عبد الحليم -

تحقيق: أحمد عبد الحليم

في السنوات الأخيرة، أصبح تلوث البلاستيك، و خاصة من البلاستيك أُحادي الإستخدام، واحدًا من أكثر التحديات البيئية العالمية إلحاحًا. مع تأثيراته المُدمرة على النظم البيئية البحرية و البرية، فضلاً عن الصحة البشرية، بدأ العالم يُدرك الحاجة المُلحة إلى حلول نظامية. من بين القوى الدافعة للتغيير هم الشباب، قوة ديناميكية من الإبتكار و النشاط و الوعي.

لماذا يعتبر البلاستيك أُحادي الإستخدام خطيرًا جدًا؟

أصدر تقرير أممي لعام 2022 تحذيرًا بشأن التهديد البيئي المُتفاقم الناتج عن المُخلفات البلاستيكية، و خاصةً المواد أحادية الإستخدام. تُقدر الكمية العالمية للمُخلفات البلاستيكية بنحو 400 مليون طن سنويًا، 60% منها ينتهي في المكبات أو البيئة الطبيعية. و تشكل المواد البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة، مثل الأكياس و الزجاجات، جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة، حيث تتراكم بسرعة في النظم البيئية. و تشير الدراسات إلى أن حوالي 14 مليون طن من البلاستيك يصل إلى المحيطات سنويًا، مُهددًا الحياة البحرية و التنوع البيولوجي.

التأثيرات البيئية و المخاطر الصحية

تطرح المخاطر البيئية تداعيات صحية وخيمة. فالبلاستيك، الذي لا يتحلل حيويًا و يستمر لمئات السنين، يطلق عند حرقه بطريقة غير آمنة، غازات سامة كأول أكسيد الكربون و الدايوكسين و سيانيد الهيدروجين، مسببًا تلوثًا هوائيًا و أمراضًا تنفسية. كما تتسلل جزيئاته الدقيقة إلى الماء و الغذاء، ما يرفع خطر الإصابة بمشاكل هضمية و هرمونية و مُزمنة لدى البشر.

إبتكار هائل ولكن يُمثل تحديًا

على الرغم من كونه إبتكارًا علميًا هائلًا غيّر وجه الحياة كبديل رخيص و خفيف في صناعات حيوية، إلا أنه بات يُمثل تحديًا بيئيًا و صحيًا ضخمًا. و في ذلك أكد الدكتور محمد الزرقا، لواء أركان حرب متقاعد، مهندس، و خبير دولي في الكيماويات و المواد و المُخلفات الخطرة، و أول خبير مصري يُمثلنا في إتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود ، أن البلاستيك مادة بطيئة التحلل و تحتوي على سموم تضر بالصحة و البيئة و الزراعة. و تتفاقم الأزمة مع الأكياس البلاستيكية أُحادية الإستخدام، التي تُهدد الكائنات الحية و تؤثر سلبًا على الثروة الحيوانية و الزراعية. مما يسبب تزايد التلوث البلاستيكي، تتعالى الدعوات العالمية للبحث عن بدائل مُستدامة، بالتزامن مع شعار اليوم العالمي للبيئة ومُبادرة "قللها". و تبرز الحاجة إلى حلول جَذرية والإستفادة من التجارب السابقة، مثل إستخدام الحقائب الشبكية المُتينة، و إستخدام البدائل الآمنة مثل ( الأكياس الورقية- الشنط القماش).

دور الشباب والإعلام

يشدد الدكتور الزرقا، على أن البلاستيك القابل للتحلل لا يُمثل حلًا، بل قد يحمل مخاطر بيئية و صحية طويلة الأمد. مُؤكدًا على أهمية دور الإعلام في توعية جميع الفئات بأضرار البلاستيك و البدائل المُتاحة. ويبرز دور الشباب كـ "مستقبل الدنيا كلها" في مُكافحة التلوث البلاستيكي، من خلال جمع المُخلفات البلاستيكية و التعاون مع الجهات المُختصة للتخلص الآمن منها، و تجنب الحرق المكشوف، الذي يُولد غازات سامة وضارة بالصحة والبيئة، و يُعدّ الشباب و الإعلام قوتين دافعتين، فيجب أن يشاركا في حملات الوعي و تشجيع البحث العلمي لإيجاد بدائل بيولوجية صديقة للبيئة.

المسئولية على الجميع

كما يدعو الدكتور الزرقا، إلى تقليل إستخدام المواد البلاستيكية أُحادية الإستخدام، و ضرورة تطوير بدائل بيولوجية، مُؤكدًا أن المسئولية تقع على عاتق الجميع شباب و إعلاميين و باحثين و مُتخصصين، إلى جانب رَبّات البيوت، لتقليل الإستهلاك و البحث عن حلول علمية مُبتكرة.

خبيرة أممية تدعو الشباب للمُواجهة

دعت الدكتورة سامية جلال، أستاذة بالمعهد العالي للصحة العامة بالإسكندرية و خبيرة إستشارية لمُنظمة الأمم المتحدة في البيئة، الشباب المصري إلى تفعيل دورهم المحوري في مُكافحة التلوث البلاستيكي، مُقدمةً حلولاً بسيطة و مُبتكرة لمستقبل مُستدام، مُشددة على أهمية تبني سلوكيات يومية كرفض الأكياس البلاستيكية الزائدة و فرز البلاستيك منزليًا لإعادة التدوير، مُحذرة من إستخدام البلاستيك المُعاد تدويره في تعبئة الأغذية و الأدوية، مُقترحةً نظامُا جديدًا لمنح شركات التجميل حوافز أو تخفيضات للمُستهلكين عند إرجاع العبوات الفارغة، و هو ما سيمنع الغش التجاري و يدعم الإقتصاد الدائري.

و أشارت الخبيرة البيئية، إلى تحول البلاستيك من "كارثة إلى كنز" في مصر، مُستعرضةً حملات تنظيف شواطئ البحر الأحمر التي تقوم بها الجمعيات الأهلية، حيث يُعاد تدوير البلاستيك المُجمع ليتحول إلى مُنتجات متنوعة كالأثاث و حتى طوب البناء، مُشيدة بإبداعات الشباب المصري في الصناعات الصغيرة، لافتةً إلى نجاحهم في تحويل أكياس البلاستيك المُعاد تدويرها إلى منسوجات و شنط و سجاد عالي الجودة، مما يوفر فرصًا إقتصادية. لكنها نبهت إلى تحدي نشر الوعي في ظل إرتفاع نسبة الأُمية، مُؤكدة على أهمية البرامج التلفزيونية و الإذاعية المسموعة والمرئية كوسيلة فَعّالة لنقل الرسائل التوعوية، مُحذرة من المخاطر المُتزايدة للبلاستيك على صحة الإنسان، خاصة تسرب "المايكروبلاستيك" و المواد السامة التي تُهدد الصحة الإنجابية للجنسين، و دعت إلى التحول نحو بدائل آمنة مثل الزجاجات القابلة لإعادة التعبئة و الحَدّ من البلاستيك أُحادي الإستخدام، مع التأكيد على أهمية الوعي المُجتمعي لحماية الجميع من تراكم المايكروبلاستيك و ضمان مستقبل صحي.

مخاطر المُخلفات البلاستيكية

حذرت الدكتورة إلهام رفعت عبد العزيز، الخبيرة البيئية وعضو الشبكة الدولية للتخلص من الملوثات (الايبن)، مسئول الإتصال الوطني لإتفاقية ستوكهولم سابقًا، و مدير عام إدارة المواد و المُخلفات بوزارة البيئة سابقًا، من المخاطر الجسيمة للمُخلفات البلاستيكية. مُؤكدة أن البلاستيك يحتوي على مواد كيميائية خطيرة مثل الفثالات و البيسفينول A، التي تعطل الغدد الصماء و تؤثر على الهرمونات. كما ينتج عن تصنيع أو حرق البلاستيك بطرق غير آمنة لانبعاثات (الديوكسينات و الفيورنات)، و هي مواد سامة، مطفرة، و مسرطنة تتراكم في الجسم و تنتقل عبر السلسلة الغذائية، مُشددة على أن المُخلفات البلاستيكية، خاصة المُستوردة أو المُخصصة لإعادة التدوير، غالبًا ما تحتوي على تركيزات عالية من المُلوثات العضوية الثابتة (POPs) كمُثبطات الإشتعال و UV-238 و BFAS، والمعروفة بتسببها في السرطان و الطفرات الجينية. و لا يقتصر الخطر على التصنيع، بل يمتد إلى الإستخدام اليومي و تسرب المواد إلى الطعام و الشراب، و تحلل البلاستيك في البيئة إلى جسيمات دقيقة، بالإضافة إلى الحرق غير الآمن للمُخلفات.

خفض المُلوثات وتدوير آمن وعادل

و أكدت الدكتورة إلهام رفعت، خلال ندوات و ورش عمل مُتعددة، على الضرورة القصوى لخفض تركيز المُلوثات العضوية الثابتة في المُخلفات البلاستيكية، لضمان سلامة المُنتجات المُعاد تدويرها. مُحذرة من أن إرتفاع مستويات هذه المُلوثات يحوّل عمليات إعادة التدوير إلى مصدر للضرر بدلاً من أن تكون مُستدامة و آمنة.

كما دعت الدكتورة إلهام رفعت، بالتعاون مع الشبكة الدولية للتخلص من المُلوثات (IPEN)، إلى تقليل الإعتماد العالمي على البلاستيك أُحادي الإستخدام، و تشديد الرقابة على إستيراد المُخلفات البلاستيكية التي غالبًا ما تحتوي على تركيزات عالية وخطيرة من المُلوثات، مُشددة على موقفها الواضح، يجب ألا تدخل أي مُخلفات بلاستيكية مسار إعادة التدوير دون تحليل مخبري مُسبق من معامل مُعتمدة يضمن إلتزامها بالحدود الآمنة المُعترف بها دوليًا. و إعتبرت أن الإختبارات الصارمة و تطبيق السياسات البيئية هما السبيل الوحيد لضمان سلامة المواد المُعاد تدويرها و توافقها مع مبادئ العدالة البيئية.

الشباب يقودون التوعية و المُطالبة بالتشريع

يقف الشباب في طليعة الجهود البيئية، محوّلين وعيهم بالقضايا البيئية إلى حركة فاعلة للتوعية و المُطالبة بالتشريع. فمن المدارس لوسائل التواصل الاجتماعي والحملات العامة، يعمل النشطاء على تغيير عادات الاستهلاك ودفع المؤسسات نحو ممارسات صديقة للبيئة. لا يقتصر دورهم على التوعية، بل يمتد ليشمل الضغط على الشركات لتبني إنتاج مستدام، ومطالبة الحكومات بسن قوانين تحظر البلاستيك الضار وتدعم البنية التحتية لإعادة التدوير، مؤكدين دورهم المحوري في قيادة التغيير نحو مستقبل أكثر خضرة.

جهود شبابية بارزة في المكافحة

تولي مصر أهمية كبرى لدور الشباب في التصدي لمشكلة المُخلفات البلاستيكية. تتجلى هذه الأهمية في جهود ميدانية لمؤسسات ومبادرات رائدة؛ "شباب بتحب مصر": منذ عام 2019، قادت المؤسسة حملة "شواطئ نظيفة" بالتعاون مع الأمم المتحدة ووزارة الشباب. نظمت أكثر من 11 حملة تنظيف للشواطئ والنيل بمشاركة 2250 متطوعًا، وأزالت 22 طنًا من البلاستيك من النيل، بالإضافة إلى فعاليات توعوية في 12 محافظة.

بينما في القاهرة مبادرة "فيري نايل": لم تكتفِ هذه المبادرة بانتشال أطنان من البلاستيك من النيل عبر حملات تطوعية، بل وسعت نشاطها ليشمل برامج توعوية بالمدارس. وتتعاون "فيري نايل" مع الصيادين لجمع وإعادة تدوير ما يصل إلى 30 طنًا من البلاستيك شهريًا، وتدير مُنشأة لإعادة التدوير في جزيرة القرصاية.

أما جمعية حماية البيئة والحفاظ على مدينة الغردقة (HEPCA): تعد من أبرز المنظمات البيئية الساحلية، وتركز على إدارة المُخلفات الصلبة و حملات التوعية بمحافظة البحر الأحمر.

كما يوجد مجموعة "الزبالين": يمثل مجتمع جامعي القمامة في القاهرة نموذجًا فريدًا، حيث يجمعون ويفرزون 80% من مخلفات العاصمة منذ عقود، وحظي جهدهم باعتراف دولي ودعم من مؤسسات كبرى.

إلى جانب مبادرات مجتمعية وشبابية أخرى: تساهم "Greenish" (لإعادة التدوير الفني) و"Up-fuse" (لإنتاج الحقائب من البلاستيك المعاد تدويره) في حملات تنظيف الشوارع. كما نظمت "كشافة بحرية القاهرة" فعاليات "تنظيف النيل الأزرق" لجمع المخلفات البلاستيكية من النيل.

التعاون الدولي لتمكين الشباب

على الصعيد الدولي، تُبرز شبكة "IPEN Youth" كنموذج رائد لتمكين الشباب في مواجهة قضايا التلوث. تعمل الشبكة على توعية الشباب وتثقيفهم بيئيًا عبر ورش عمل وندوات، وتشجعهم على المشاركة في المبادرات العالمية لمكافحة الملوثات. توفر "IPEN Youth" منصة لتبادل الخبرات و تطوير المهارات القيادية، ليكون الشباب قادة تغيير فاعلين يسهمون في الجهود العالمية للحد من التلوث و تعزيز الإستدامة، مع التركيز على الإدارة المستدامة للبلاستيك و الإقتصاد الدائري و الإتفاقيات الدولية.

توصيات السياسة و الدعم

تلزم سياسات دعم مُتكاملة لتمكين الشباب من مُواجهة تحديات التلوث البلاستيكي. يجب دمج التعليم البيئي حول تقليل البلاستيك و الإستدامة في المناهج الدراسية، مع دعم ريادة الأعمال الخضراء الشبابية من خلال توفير التمويل و الحاضنات لمشاريع إعادة التدوير الآمن و المواد البديلة. كما يُعد تعزيز التعاون بين مجموعات الشباب و المنظمات غير الحكومية و الحكومات و القطاع الخاص أمرًا حيويًا، إلى جانب تقديم الدعم الفني و اللوجيستي للمُبادرات المحلية و جهود التنظيف. و أخيرًا، لا بد من تشجيع المُشاركة الشبابية الفَعّالة في الأبحاث العلمية المُتعلقة بالجسيمات الدقيقة و صحة البيئة.

معركة البلاستيك في أيدٍ واعدة

لم يُعدّ الشباب قادة المستقبل فحسب، بل هم يقودون الحاضر بوعيهم و عملهم و إبتكارهم، نحو بناء عالم أقل إعتمادًا على البلاستيك أُحادي الإستخدام و أكثر إلتزامًا بالإدارة البيئية. إن تمكينهم بالمعرفة و الموارد و إشراكهم في صناعة القرار ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية. فالمجتمعات ستنتصر في معركتها ضد التلوث البلاستيكي، و الشباب هم قلب هذه الحركة المحورية.

الجدير بالذكر، أن مسئولية مُكافحة التلوث البلاستيكي أُحادي الإستخدام لا تقع على عاتق الشباب فحسب، بل هي مسئولية جماعية تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع. و يتطلب الأمر تضافر الجهود عبر العمل و المشاركة الفَعّالة في حملات التوعية، و السعي الحَثيث لإيجاد بدائل مُستدامة. لقد بات وجود هذا التلوث كارثة بكل المقاييس، فهو لا يُهدد صحة الإنسان و يتسبب في أمراض عديدة فحسب، بل أصبح يُمثل قضية وجودية ماسة و أمن قومي يتطلب التصدي لها بشكل عاجل و حاسم.