جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

مدحت الشيخ يكتب: فضفضة.. زمن الفقد

-

في زمن الفقد تراجع كل جميل، وانتشر كل قبيح...
ماتت القيمة، وضاعت القامة، وتصاعد الصعاليك إلى منابر لا يعرفون قدسيتها.
فقدت الثقافة روحها، وضاع الفكر بين رطانة المؤثرين وتفاهة الشاشات، وأُصيب الإبداع بعُقمٍ مصطنع، كأن أحدهم أفرغ عليه عبوة "تعقيم فكري"!

لم نعد نحتفي بفكرة، بل نُصفّق لصرخة...
ولم نعد نبحث عن معنى، بل نُطارد ترندًا عابرًا كفقاعة صابون في يد طفل ملول.

في زمن الفقد، صارت الطبول أهم من العقول، وصوت الجهل أعلى من كل نداء حكمة، والسطحيون صاروا قادة الرأي، والمنافقون نجوم المرحلة!

ضاع الأديب وسط زحام اليوتيوبر، وذُبح المفكر على عتبة اللايك والشير، وانقلبت الموازين حتى صار من يصرخ أكثر، هو الأصدق... ومن يلعن أكثر، هو الأعقل... ومن يتقن الرقص، هو الأجدر بتفسير أحوال الأمة!

في هذا الزمن، لا تُقاس القامات بما تقدمه، بل بما ترتديه، ولا تُقرأ العقول من كتبها، بل من "البيو" المختصر على إنستجرام!

زمن الفقد... فقدنا فيه البوصلة، وصار الوطن كقطعة أثاث موروثة، نختلف عليها أكثر مما نخدمها، نزايد باسمها أكثر مما نحميها.

لكن...
حتى في زمن الفقد، لا تزال هناك شموع صغيرة... أقلام لم تنكسر، وقلوب لم تُهزم، وأفكار تُصرّ أن تبقى حية، وسط هذا المقابر الجماعية للوعي.