معارك لم تحسم في الشرق الأوسط (تحليل جيوسياسي)

الشرق الأوسط، منطقة دائمة التقلب، يعيش حاليًا في حالة "تعليق استراتيجي". رغم مرور عقدين من الصراعات والتدخلات، لا تزال أهم الملفات الإقليمية دون حسم، سواء على الصعيد العسكري، السياسي، أو الجيوسياسي.
هذا الوضع لا يُشير إلى نهاية الصراعات، بل إلى أنها على وشك أن تتصاعد في سلسلة من معارك كسر العظم التي قد تُعيد رسم خرائط المنطقة لعقود قادمة.
المحاور الرئيسية للصراع الوجودي
حزب الله وإسرائيل: "قرار 1701" المؤجل
منذ حرب يوليو 2006، يُعد سلاح حزب الله المسألة الأكثر حساسية. الضغوط المتزايدة من إسرائيل والولايات المتحدة لإجبار الحزب على نزع سلاحه قد تُشعل حربًا شاملة أو صراعًا داخليًا في لبنان. هذه المعركة هي اختبار حقيقي لموازين الردع بين إسرائيل وإيران. فإما أن يُكسر "محور المقاومة" في خاصرته الأكثر أهمية، أو يستمر "التوازن بالرعب" الذي يُقيد إسرائيل ويمنعها من شن حرب واسعة.
غزة والضفة: معركة التهجير والبقاء
تتجه إسرائيل نحو فرض سياسة التهجير الجماعي، بهدف تحويل غزة إلى عبء على مصر والضفة الغربية إلى كابوس ديمغرافي على الأردن.
نجاح هذه السياسة سيُحول إسرائيل إلى كيان توسعي بلا مقاومة داخلية فاعلة. على الجانب الآخر، أي فشل في هذا المشروع سيضع إسرائيل في مأزق وجودي أمام ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة ومليونين في غزة، تُنهكهم المقاومة يوميًا.
سوريا: تفكيك المركز وتآكل السيادة
تتعرض سوريا لمخطط تفكيك عبر استثمار النزعات الانفصالية للأقليات. الاحتجاجات في السويداء تُمهد لخلق "جيب درزي" مرتبط بإسرائيل، بينما يُعد الشريط الشمالي الشرقي تحت النفوذ الكردي والأمريكي. هذا السيناريو يُشكل استراتيجية إسرائيلية قديمة جديدة للتحالف مع الأقليات. وتزداد المعادلة تعقيدًا مع تدخل تركيا، التي ترى في أي كيان كردي تهديدًا وجوديًا، في حين تراهن عليه إسرائيل كورقة استراتيجية.
البرنامج النووي الإيراني: "400 كيلو"
يُعد الملف النووي الإيراني أخطر ملفات المنطقة. إسرائيل تُهدد بشن ضربة استباقية لإيقاف إيران عن الوصول إلى العتبة النووية، مما قد يُشعل مواجهة إقليمية واسعة. في المقابل، تلوح إيران بوجود 400 كيلو من اليورانيوم المخصب، في رسالة واضحة بأن الوقت يعمل لصالحها.
معارك فرعية تُلعب في قلب المشهد
البحر الأحمر: يُعد مسرحًا للتنافس بين السعودية والإمارات ومصر من جهة، والوجود الإيراني-الحوثي من جهة أخرى. سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب تُهدد الأمن البحري العالمي.
السودان وليبيا: تُشكلان خاصرة رخوة تُهدد بالانهيار، مع تدخلات إقليمية ودولية تُفاقم الصراعات الداخلية.
اليمن: تحول الحوثي من مجرد ميليشيا إلى فاعل إقليمي يُهدد الملاحة الدولية، ويُمارس ضغطًا كبيرًا على السعودية والإمارات.
التنافس السعودي–الإيراني: رغم المصالحة بوساطة صينية، لا يزال التنافس على النفوذ قائمًا في العراق وسوريا ودول الخليج.
الخلاصة الاستشرافية
الشرق الأوسط يشبه رقعة شطرنج على وشك الانقلاب. أي حدث في هذه المعارك قد يؤدي إلى:
حرب شاملة مع حزب الله تُسقط لبنان.
نجاح تهجير الفلسطينيين يُنهي الصراع التقليدي.
تفكك سوريا يُعيد رسم الخرائط لعقود.
امتلاك إيران للسلاح النووي يُغير كل موازين القوى.
إسرائيل وإيران تُدركان أن الصراع القادم ليس فقط من أجل الانتصار، بل من أجل "سردية البقاء". لكن الأنظمة العربية، رسميًا وشعبيًا، لا تزال مُجزأة وتفتقر للمؤسسية، مما يُجعلها عرضة للانهيار أمام أي صدمة.
السنوات المقبلة لن تكون جولات تفاوضية، بل مواجهة وجودية، ومن يُواجهها منفردًا سيخسرها جميعًا.