مدحت الشيخ يكتب: التوهان بين الإعلام والإعلان

محدش عارف حاجة.. حتى الدجالين مابقاش عندهم رد جاهز! والمواطنين معدش فيهم نفس.. الكل تايه بيضرب أخماس في أسداس، وشوية منهم بيخبط دماغه في الحيط بعد ما الإعلان لعب في دماغه، والإعلام ضيّع ثقته، والنتيجة إن مفيش حاجة بقت متأكدة.
الإعلام بقى عامل زي اللي ماسك ريموت ومش عارف يرسى على قناة.. كل يوم لون، وكل ساعة خبر، وكل دقيقة تكذيب للخبر اللي قبلها. الإعلامي يفتح الحلقة بجدية مطلقة، ويقفلها بضحكة مصطنعة، وبين الفاصل والإعلان تكتشف إن الموضوع كله كان إعلان مموه طالع في صورة إعلام.
أما الإعلان.. يا سيدي فاتح دكانة في دماغ الناس: إعلان عن سعادة في زجاجة، إعلان عن دواء يعالج "كل حاجة من الزكام لحد القلب"، إعلان عن منتج يخليك مليونير في نص ساعة.. وكلها بتبدأ بجملة "حصريًا.. لأول مرة في مصر"، وتنتهي بعبارة "النتائج قد تختلف من شخص لآخر"!
المواطن الغلبان واقف محتار: يصدق الإعلام اللي بيقنعه إن بكرة أحلى ولا الإعلان اللي بيقوله إن الأحلى موجود في علبة صغيرة بـ 99 جنيه ونص؟ اللي حاول يوازن الاتنين اكتشف إنهم زي الزيت والمية: الإعلام عايز شهرة، الإعلان عايز فلوس، واللي اتنين عايزين جيب المواطن يتخرم.
والأغرب إن في لحظة، الاتنين اتفقوا! الإعلام يروّج للإعلان، والإعلان يدّعي إنه إعلام. المذيع يستضيف "خبير" مجهول، يمدح المنتج الجديد باقتناع، والمواطن يصفق وهو مش فاهم بيصفق لمعلومة ولا لإعلان مدفوع.
المحصلة؟ الإعلام فقد رسالته، الإعلان فقد مصداقيته، والمواطن فقد أعصابه. بقى قاعد قدام الشاشة زي اللي داخل فيلم رعب بس من غير بطل منقذ.. مجرد شوية أصوات متداخلة ورسائل متناقضة ووجع دماغ متواصل.
اللي كان زمان اسمه "السلطة الرابعة" بقى دلوقتي "البوفيه المفتوح".. تاكل إعلام على إعلان على شوية دعايات، وفي الآخر تطلع جعان ثقة!
الخلاصة.. طول ما الإعلام مش لاقي نفسه والإعلان مش عايز غير جيبك، هيفضل المواطن عايش في توهّان.. وبدل ما كان بيدور على الحقيقة، بقى يدور على ريموت يطفّي بيه.