جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

الكريات البلاستيكية.. الملوث الخفي الذي يهدد الحياة البحرية والإنسان

الديار- أحمد عبد الحليم -

تُمثّل الكُريات البلاستيكية الدقيقة — حبيبات صغيرة لا يتجاوز حجمها حجم حبة العدس — المادة الخام الأساسية لجميع المنتجات البلاستيكية، وهي من أخطر أشكال التلوث البلاستيكي في العالم.

تعرف هذه الحبيبات باسم "النردلز"، وتتسرب إلى البيئة بكميات هائلة نتيجة لسوء الإدارة على امتداد سلسلة الإمداد.

وخطرها لا يقتصر على التلوث الفيزيائي، بل تعمل كناقلات سامة، حيث تمتص وتكثّف الملوثات الكيميائية الخطرة من المياه.

هذا التسرب الروتيني يفرض عبئًا اقتصاديًا وبيئيًا وصحيًا ضخمًا على المجتمعات، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تصنيفها دوليًا كمادة خطرة، وفرض لوائح "منع الخسائر الصفرية" وتطبيق مبدأ "الملوّث يدفع".

تقرير IPEN يكشف التسرب في 68 ٪ من المواقع.

تشير بيانات "العد الدولي للكُريات البلاستيكية"، التي نظمتها الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات (IPEN) بالتعاون مع متطوعين من 14 دولة، إلى وجود تسرب هائل وعالمي لهذه الحبيبات إلى الممرات المائية؛ إذ وُجدت في 68 ٪ من المواقع التي شملها المسح، مما يثبت أن المشكلة ليست حوادث شحن كبرى فحسب، بل تمثل فشلًا روتينيًا في إدارة سلسلة الإمداد البلاستيكية من المنبع.

هذه الكريات لا تشكّل خطرًا فيزيائيًا على الحياة البرية فحسب؛ بل تعمل كناقلات سامة، مما يستتبع استجابة تنظيمية عاجلة على المستوى الدولي.

الإطار الزمني والمنهجي

تعتمد النتائج على جهود "العد الدولي للكُريات البلاستيكية"، وهي مبادرة ضخمة تنفذها الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات بالتعاون مع شبكات علمية ومتطوعين على مستوى العالم.

تقوم فرق المتطوعين في 14 دولة بمسح مواقع محددة على الشواطئ والممرات المائية خلال فترة زمنية موحدة (عادة 10 دقائق) لجمع الكريات البلاستيكية الأصغر من 5 مم.

وأسفرت هذه الجهود عن جمع نحو 50,000 حبيبة بلاستيكية، ما يؤكد، بحسب خبراء IPEN، أن تسرب هذه الكريات ليس حادثًا نادرًا، بل فشلًا روتينيًا عالميًا.

بالإضافة إلى ذلك، أكدت الدراسات السمّية المرتبطة أن هذه الكريات تمتص وتكثّف الملوثات الكيميائية من البيئة المائية، مما يضاعف خطورتها على الكائنات الحية وصحة الإنسان.

حبيبات الموت الصغيرة

تشتد أزمة التلوث البلاستيكي بفعل "النردلز" أو الكريات البلاستيكية الدقيقة، تلك الحبيبات التي تُعد ثاني أكبر مصدر للتلوث البلاستيكي الدقيق (جسيمات أقل من 5 مم).

وتشير التقديرات إلى تسرب مئات الآلاف من الأطنان منها إلى البيئة سنويًا نتيجة سوء التخزين والنقل.

تكمن خطورة المشكلة في أن هذه التسريبات تحدث في مرحلة ما قبل الإنتاج في الصناعات البتروكيماوية والتحويلية، ما يُظهر وجود ثغرات تنظيمية ملحة تحتاج إلى معالجة فورية لضمان المساءلة عن هذا التسرب البيئي الصامت.

التسرب ظاهرة عالمية

أظهرت نتائج "العد الدولي للكُريات البلاستيكية" أن تسرب الكريات البلاستيكية الأولية ظاهرة عالمية، وليست معزولة.

إذ وُجدت في نحو ثلثي المواقع (68 ٪) التي شملها المسح في 14 دولة، ما يدل على أن التلوث يحدث بانتظام عبر سلاسل الإمداد العالمية.

وقد تم جمع نحو 50,000 حبيبة بلاستيكية من الممرات المائية خلال هذا العد، في حين أن التركيز الإعلامي غالبًا ما ينعطف إلى حوادث الشحن الكبرى فقط.

ومن الأمثلة البارزة حادثة سفينة "إكس‑بريس بيرل" في سريلانكا عام 2021، التي تُعد من الأكبر في تاريخ تسرب الكريات البلاستيكية.

تؤكد هذه النتائج أن البلاستيك قبل الإنتاج يتسرب بانتظام إلى الأنهار والبحار والسواحل، عبر ضعف التحكّم على مراحل الإنتاج والنقل والتصنيع والتدوير.

العبء الاقتصادي للكريات البلاستيكية

تشير التقديرات العلمية إلى أن الكمية العالمية المتسربة من الكريات البلاستيكية قد تفوق 230 ألف طن سنويًا في البيئة البحرية فقط، مما يجعلها من أكبر مصادر التلوث البلاستيكي الدقيق.

يحمل هذا التسرب تكلفة اقتصادية هائلة؛ ففي حين تتحمل الحكومات والبلديات ووكالات تنظيف الشواطئ تكاليف الإزالة، تُشير التقديرات إلى أن تنظيف حوادث تسرب الكريات الكبرى يكلف ملايين الدولارات في كل وقوع.

هذا العبء يُلقى على كاهل دافعي الضرائب والمجتمعات المحلية، مما يُبرز الحاجة الملحة لتطبيق مبدأ "الملوّث يدفع".

الآثار والأضرار المترتبة

يتجاوز الأثر الاقتصادي فقط تكاليف التنظيف، إذ يُقدّر الضرر السنوي على النظم البحرية في العالم بما لا يقل عن 13 مليار دولار.

وتتحمل قطاعات السياحة ومصايد الأسماك الجزء الأكبر من العبء؛ فالتلوّث يدفع الزوار إلى الابتعاد من الشواطئ ويُكلف تنظيفها، كما يُتلف معدات الصيد ويقلل المخزون السمكي بسبب تلوث الكائنات البحرية.

في حادثة سفينة "إكس‑بريس بيرل"، تجاوزت التعويضات الأولية لتنظيف التأثيرات وتعويض الصيادين 150 مليون دولار، وقد ترتفع إلى مليارات، مما يوضح أن على المجتمع أن لا يتحمّل وحده هذه الخسائر الباهظة.

مُلوّث فيزيائي وناقل كيميائي

تكمن خطورة الكريات البلاستيكية في أنها ليست مجرد مخلّفات فيزيائية، بل تُعدّ ناقلات كيميائية خطرة.

فهذه الحبيبات تحتوي على مواد مضافة مثل مثبّطات الأشعة فوق البنفسجية، مثبّطات اللهب، ومركبات مثل البيسفينول أ، التي يمكن أن تنتقل إلى البيئة أو إلى الكائنات الحية التي تبتلعها، مما يُساعد في ظهور اضطرابات الغدد الصماء والسرطان ومشكلات النمو.

علاوة على ذلك، تمتص الكريات الملوثات العضوية الثابتة مثل المركبات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، ومبيدات الآفات، والمعادن الثقيلة من المحيط المحيط، ما يؤدي إلى تضخيم تركيز هذه الملوثات على سطح الكريات إلى مستويات تفوق الوسط المحيط، وجعلها ناقلات قوية عند دخولها السلسلة الغذائية.

من المحيط إلى البشر

يُعدّ التسرب السنوي لمئات الآلاف من أطنان الكريات البلاستيكية إلى البيئة كارثة بيئية، حيث تتسبب في تسمّم الحياة البرية وخلطها بين الغذاء والملوثات، ما يؤدي إلى موتها جوعًا أو انسداد الأجهزة الهضمية.

والأخطر أنها تعمل كناقلات لمركّزات ملوّثة تُحرر في أنسجة الحيوانات المبتلعة، فتنتقل السموم عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان.

المستنقعات تحجز آلاف الجزيئات البلاستيكية

كشفت دراسة أجراها فريق من جامعة ولاية بنسلفانيا أن مستنقعات المد والجزر في المياه العذبة – على الرغم من أهميتها للحياة البرية وحماية السواحل – تعمل كأحواض لتجميع الجُسيمات البلاستيكية الدقيقة.

وجد الباحثون أن هذه المستنقعات تحتجز كميات ضخمة ومتزايدة من الكريات البلاستيكية، لا سيما البوليمرات الأكثر خطورة، مثل البولي بروبيلين والبولي يوريثان ومطاط الإطارات، مما يزيد من المخاطر البيئية.

الفشل التنظيمي العالمي

يزداد الخطر البيئي والإنساني لكريات البلاستيك بسبب ضعف التنظيم الدولي؛ فعدم تصنيفها كمادة خطرة في اتفاقيات مثل ماربول يترك التعامل معها طوعيًا أو على المستوى المحلي فقط.

هذا التقاعس العالمي، كما وثقته IPEN، له تبعات إنسانية مباشرة؛ ففي حادثة سفينة "إكس‑بريس بيرل"، وصف المتضررون الكريات بأنها “دمّرت طريقة حياتهم”، مما حمّل المجتمعات المحلية أعباء اقتصادية وصحية ضخمة، الأمر الذي يُبرز الحاجة الملحّة لتصنيف دولي فوري وملزم لهذه المادة.

الرد الطوعي للصناعة

في مواجهة الانتقادات، تعتمد الصناعة على مبادرات طوعية مثل “البرنامج الشامل للتنظيف” لمنع تسرب الكريات.

ومع ذلك، تؤكّد الأدلة الميدانية أن الاعتماد على هذا التنظيم الذاتي غير الكافٍ هو السبب المباشر لاستمرار التسرب الهائل.

هذا التناقض بين الحديث عن الالتزام وبين الواقع يعكس أن الإجراءات الطوعية ليست كافية، وتُستخدم أحيانًا ذريعة لتجنب اللوائح الإلزامية الضرورية لحماية البيئة.

ضرورة التنظيم والحلول

نتائج مسح IPEN تؤكد أن التركيز فقط على معالجة النفايات بعد الاستخدام غير كافٍ.

فالحل الفعلي يجب أن يبدأ من المنبع، أي مرحلة ما قبل الإنتاج.

يدعو الخبراء إلى فرض رقابة صارمة عند المصدر (منع الخسائر الصفرية)، وإلزام الشركات في جميع مراحل سلسلة الإمداد بتطبيق تدابير تمنع تسرب الكريات بالكامل.

كما يجب تفعيل مبدأ “الملوّث يدفع” لتكليف منتجي البلاستيك بتحمّل تكاليف الأضرار والتلوث، إلى جانب إنشاء معاهدة دولية شاملة تُقلل الإنتاج وحظر المواد الكيميائية الخطرة في البلاستيك.

دور المجتمع والمستهلك في المكافحة

رغم أن الأزمة في جوهرها فشل تنظيمي على مستوى الصناعة، فإن للمجتمع دورًا فاعلًا في الضغط على الشركات والحكومات.

يمكن للمستهلكين والجماعات البيئية دعم تشريعات تفرض مبدأ “الملوّث يدفع”، والمشاركة في مبادرات المراقبة والعد المدني، التي تحوّل المشكلة الغامضة إلى أدلة علنية تُجبر الجهات المسؤولة على اتخاذ إجراءات فورية.

الحلول لمنع الخسائر الصفرية

لتحقيق فعالية التوصيات، يجب أن تفرض اللوائح الدولية حلولًا تقنية صارمة في مرحلة ما قبل الإنتاج:

* تركيب مرشحات دقيقة ومصائد في المصانع لضمان احتواء الكريات قبل تسربها،

* تأمين النقل بالحاويات المحكمة الإغلاق والمقاومة للتلف،

* تطبيق أنظمة تتبّع إلكترونية مثل GPS/RFID لتحديد أي تسرب بسرعة ومحاسبة المسؤولين فورًا.

مضخّمات لأمراض خطيرة

علميًا، تشكل هذه الكريات خطرًا مزدوجًا: من جهة، تحتوي على مواد كيميائية سامة أضيفت عمدًا، مثل مثبّطات اللهب والبيسفينول أ، التي ترتبط بمشكلات صحية عدة؛ ومن جهة أخرى، تمتص ملوثات بيئية من المياه، ما يحوّلها إلى ناقلات قوية تنقل جرعات مركزة من السموم إلى أنسجة الكائنات الحية والإنسان.

المطالبة بتشريع عالمي وحظر كيميائي فوري

يطالب الخبراء بتحول جوهري نحو الحل من المنبع، بفرض لوائح دولية تُلزم تطبيق "منع الخسائر الصفرية" وتفعيل مبدأ "الملوّث يدفع".

كما يوجهون الدعوة إلى معاهدة بيئية عالمية تقلل إنتاج البلاستيك وتحظر المواد الكيميائية الخطرة، مع ضرورة إجراء أبحاث سمّية عاجلة لتحديد تركيز السموم في الغذاء البحري لحماية صحة الإنسان.

مسح IPEN يوضح أن كريات البلاستيك ليست مسألة نظافة محلية فقط، بل قضية تنظيمية عالمية تكشف فشل الصناعة في إدارة موادها الأساسية.

الآن، التحدي هو تحويل هذه الأدلة العلمية الموثوقة إلى إجراءات تنظيمية عاجلة ونافذة قبل أن تتفاقم أزمة التلوث الكيميائي البيئي إلى ما لا يُحتمل.

مسؤولية المنتج وتعزيز الوعي والتعاون

تتوافق رؤية جمعية المكتب العربي للشباب والبيئة (AOYE)، التي تعد من أوائل الجمعيات الأهلية في مصر التي أولت اهتمامًا مبكرًا لقضية التلوث البلاستيكي على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، كونها عضوًا في الشبكة العربية للبيئة والتنمية (RAED)، مع الحلول التنظيمية الصارمة التي دعت إليها دراسة IPEN لمكافحة التلوث البلاستيكي.

وقد تجلى هذا الموقف في الدعم القوي الذي قدمه المكتب العربي لتطبيق قواعد "المسؤولية الممتدة للمنتج" (EPR) على أكياس التسوق البلاستيكية في مصر، بالتعاون مع وزارة البيئة.

وأكد الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة، أن هذا القرار خطوة جوهرية تفرض على منتجي البلاستيك تحمل التكلفة الكاملة للتخلص الآمن من مخلفاتهم، وهو تطبيق عملي لمبدأ "الملوث يدفع". كما يشجع الشركات على التحول نحو بدائل صديقة للبيئة، مما يفرض ضغطًا تنظيميًا إيجابيًا على مراحل الإنتاج من المنبع.

ويولي المكتب العربي اهتمامًا خاصًا لتعزيز الوعي والتعاون المجتمعي في مواجهة مخاطر البلاستيك غير القابل للتحلل، داعيًا الشركات والمستهلكين إلى تبني سلوكيات بيئية مسؤولة، وحاثًا جميع الأطراف المعنية من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني على توحيد الجهود لتحقيق أهداف بيئية مستدامة.

وفي هذا السياق، أطلق المكتب العربي العديد من المبادرات البيئية، كان آخرها مبادرة "لا للبلاستيك"، التي حققت نجاحات ملحوظة على مستوى محافظات مصر من خلال التعاون مع المنتديات المحلية للتنمية المستدامة. وبذلك يؤكد المكتب العربي أن جهوده لا تقتصر على الإطار التشريعي والتنظيمي فقط، بل تمتد لتشمل الجانب التوعوي والتشاركي، كجزء لا يتجزأ من الاستجابة الشاملة لأزمة التلوث البلاستيكي.

خبيرة أممية تدعو لوقف إنتاج البلاستيك الملوث

أكدت الدكتورة سامية جلال سعد، الأستاذة بالمعهد العالي للصحة العامة بالإسكندرية والخبيرة الاستشارية لدى الأمم المتحدة في البيئة، أهمية الالتزام بالإنتاج الأنظف الذي يقلل من إنتاج الكريات البلاستيكية السامة داخل العملية الصناعية، من خلال البحث عن منتجات تحتوي على مكونات بلاستيكية أقل للحد من استخدامها من المنبع.

وأشارت إلى أن ثبات هذه المواد كيميائيًا وعدم الاستفادة من نواتجها الثانوية يؤدي إلى تراكم الكريات البلاستيكية السامة وانتشارها في البيئات المختلفة، مؤكدة أن هذا التلوث لا يشكل عبئًا اقتصاديًا فحسب، بل أصبح مصدرًا لأمراض غريبة تُصنف غالبًا كمناعية أو غير محددة الأسباب، مشددة على ضرورة التحول نحو "الإنتاج الأنظف" لتقليل المكونات البلاستيكية والحد من استخدامها من المصدر.

ودعت الدكتورة سامية الدول المتقدمة إلى البحث عن بدائل مواد تغليف وتعبئة تقلل من تصنيع الحبيبات البلاستيكية الضارة، مؤكدة أن تدهور البيئة ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود السياسية، تتجلى في تغير المناخ الذي يؤثر على الجميع دون استثناء.

وتساءلت عن إمكانية وقف إنتاج البلاستيك المعتمد على البترول كإجراء للحد من الظواهر الصحية المكلفة التي تتحملها الدول، خاصة النامية والفقيرة، منتقدة تصدير الدول الغنية للمخلفات البلاستيكية تحت مسمى "مستلزمات إنتاج"، مشيرة إلى أنه كان الأجدر أن يتحمل المستخدم ضريبة رفاهية استخدام العبوات والمستلزمات ذات الاستخدام الواحد.

ورأت الخبيرة البيئية أن الدول الغنية ينبغي أن تحرق مخلفاتها وتستفيد من الطاقة الحرارية الناتجة، خاصة وأنها تدعو لترشيد استخدام الوقود الأحفوري كجزء من مبدأ خفض البصمة الكربونية ومكافحة التغيرات المناخية.

وطالبت الدكتورة سامية، بضرورة اتخاذ خطوات جادة لمكافحة التلوث البلاستيكي تبدأ بمنع استيراد المخلفات البلاستيكية من الخارج والاستفادة القصوى من البلاستيك المنتج والمستخدم محليًا، منتقدة إحجام الدول الغنية عن استخدام التقنيات الحرارية المتقدمة مثل "البيروليسيز" و"الجاسيفيكيشن" للتخلص الآمن من مخلفاتها لتقليل التكاليف، داعية إلى تقوية منظومة الفصل من المنبع محليًا، ومؤكدة أن ذلك يتطلب جهودًا إعلامية مكثفة لتوعية المجتمع الذي أظهر استجابة إيجابية لجمع المخلفات القابلة للتدوير نظرًا لدورها في تحقيق دخل مادي.

وأضافت الدكتورة سامية أن الاعتماد على العبوات الزجاجية القابلة لإعادة الملء في منتجات المشروبات الغذائية كان نموذجًا ناجحًا للحد من تراكم المخلفات، ويمكن تعميم هذا النموذج على كافة المنتجات الاستهلاكية التي تستخدم عبوات بلاستيكية أحادية الاستخدام مثل المنظفات ومستحضرات التجميل، من خلال نظام إعادة تدوير أو إعادة استخدام يعتمد على حوافز مادية للمستهلك، مؤكدة أن هذا التحول يتطلب تعديل خطوط الإنتاج، مما يجعل فرض رسوم على الحاويات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد دافعًا قويًا وحاسمًا لإلزام الصناعة بتبني نظم أكثر استدامة وأقل إنتاجًا للحبيبات البلاستيكية السامة الملوثة للبيئة.

كارثة تتطلب حلولًا عاجلة

أظهرت البيانات العلمية المستخلصة من مسح IPEN والدراسات المرتبطة به حقيقة محورية: تسرب الكريات البلاستيكية ليس حادثًا عارضًا، بل فشلًا روتينيًا في إدارة البلاستيك الأولي على مستوى العالم.

لم تكتفِ هذه الدراسات بتوثيق انتشار هذه الحبيبات كمخلفات عابرة، بل كشفت عن دورها كناقلات كيميائية سامة تهدد الحياة البرية والبحرية وصحة الإنسان من خلال تراكمها المنتظم في البيئة.

وبناءً على هذا التوثيق العلمي، أصبح التحول الفوري نحو الحلول من المنبع (مرحلة ما قبل الإنتاج) أمرًا حتميًا يتجاوز جهود التنظيف التقليدية.

هذا يتطلب إجماعًا دوليًا لفرض إجراءات تنظيمية صارمة تشمل لوائح "منع الخسائر الصفرية" وتفعيل مبدأ "الملوث يدفع" لإلزام المنتجين بتحمل تكاليف الأضرار.

والتحدي الأكبر الآن هو ترجمة هذه الأدلة الموثوقة إلى تشريع عالمي عاجل لحماية البشرية من حرب السموم التي تشنها "حبيبات الموت الصغيرة" المنتشرة في البيئة.