أنفاق غزة.. عقدة الميدان وورقة الضغط في طريق التسوية

بين طبقات الأرض التي احتضنت أسرار الحرب، تتشابك خيوط السياسة والأمن والهندسة في غزة لتشكل لوحة معقدة لا تشبه أي ساحة أخرى.
هنا، لا تنتهي المعارك بانسحاب الجيوش، بل تبدأ تحت الأرض، في شبكة من الأنفاق التي تحولت من ممرات للمقاومة إلى محور رئيسي في معادلات التهدئة وإعادة الإعمار، ومصدر خلاف متجدد بين إسرائيل وحركة حماس.
خلفية الصراع وتطور الأزمة
وفي تقريرٍ شامل للمشهد الميداني والسياسي الراهن داخل غزة، حيث تصاعد الجدل مجددًا حول مصير عدد من القضايا الشائكة التي تحاول إسرائيل استخدامها كورقة ضغط لضمان استمرار وجودها وتأثيرها في القطاع المنكوب.
وتأتي قضية الأنفاق على رأس الملفات الحساسة، إذ باتت تمثل معضلة هندسية وأمنية متشابكة، تُهدد مشاريع الإعمار وتُفاقم التوترات الميدانية والسياسية في آنٍ واحد، خاصة بعد إعلان تل أبيب أنها لن تمضي في تنفيذ أي اتفاق قبل تدمير هذه الشبكة بالكامل.
المواقف الإسرائيلية والفلسطينية
أكد التقرير أن إسرائيل تعتبر تدمير الأنفاق شرطًا جوهريًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، مشيرة إلى أن بقاءها يشكل خطرًا مباشرًا على أمنها القومي. وفي هذا السياق، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على رفض حكومته "أي وجود للأنفاق تحت أي ظرف"، موضحًا أن تل أبيب تنسق مع واشنطن لوضع آليات مراقبة ميدانية تمنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية لحركة حماس.
في المقابل، ترى حركة حماس أن هذا التركيز الإسرائيلي المكثف على ملف الأنفاق يهدف إلى إضعاف قدراتها الدفاعية وفرض وقائع ميدانية جديدة قبل التوصل إلى أي تسوية سياسية شاملة، معتبرة أن الأنفاق تمثل "وسيلة دفاعية مشروعة" في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وغياب الضمانات الأمنية الدولية.
دور واشنطن وتوازن المعادلة
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تكثف ضغوطها على الحكومة الإسرائيلية لضبط العمليات العسكرية في القطاع وتجنّب أي خطوات أحادية قد تُعرقل تنفيذ خطة الاتفاق، في وقتٍ يحاول الوسطاء الدوليون والإقليميون الموازنة بين المطالب الأمنية الإسرائيلية والاعتبارات الإنسانية الفلسطينية.
ورغم هذه الجهود، تبقى الأزمة رهينة توازنٍ دقيق بين الأمن والسياسة، في مشهد يختلط فيه الحساب العسكري بالحساب الدبلوماسي، وسط مخاوف من أن يتحول ملف الأنفاق إلى العقبة الأكبر أمام أي انفراجة مرتقبة في قطاع غزة.
وبين اشتراطات إسرائيل الأمنية وهواجس حماس الدفاعية، يظل ملف الأنفاق الغزاوي أحد أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في طريق تطبيق خطة واشنطن. فالمشهد يبدو وكأنه يسير على خيط رفيع بين سلامٍ هش وانفجارٍ محتمل، حيث تبقى الأنفاق، كما كانت دائمًا، الوجه الخفي لصراعٍ لم يُكتب له أن يُدفن بعد.

