جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

الذهب على أعتاب القمة التاريخية: التضخم الأميركي والتوترات الجيوسياسية يعيدان رسم خريطة الملاذات الآمنة

-

يواصل الذهب ترسيخ مكانته كأحد أهم الملاذات الآمنة في عالم مضطرب، بعدما اقترب من تسجيل مستوى قياسي جديد، مدفوعاً بترقّب الأسواق لبيانات التضخم الأميركية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في أميركا اللاتينية، لا سيما في فنزويلا. وفي مشهد يعكس عمق التحولات في أسواق المعادن، قفزت الفضة بدورها إلى ذروة تاريخية جديدة، مؤكدة أن موجة الصعود لا تقتصر على الذهب وحده.

وارتفعت أسعار السبائك إلى ما فوق 4325 دولاراً للأونصة، متعافية من تراجع طفيف في الجلسة السابقة أنهى سلسلة مكاسب استمرت خمسة أيام. هذا الارتفاع يعكس حالة الترقب والحذر التي تسيطر على المستثمرين، في انتظار بيانات التضخم المرتقب صدورها يوم الخميس، والتي يُعوّل عليها في استشراف الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.

الفيدرالي تحت المجهر… والذهب المستفيد الأكبر

الأسواق لا تراقب الأرقام وحدها، بل تتابع أيضاً تصريحات كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي المنتظرة قبيل صدور بيانات التضخم، بحثاً عن أي إشارة إلى مدى استعداد البنك المركزي الأميركي للمضي قدماً في دورة التيسير النقدي. وقد عززت التوقعات هذا المسار بعدما نفذ الفيدرالي خفضه الثالث على التوالي لأسعار الفائدة الأسبوع الماضي، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة المعادن النفيسة التي لا تدر عائداً.

ورغم صدور بيانات الوظائف غير الزراعية التي أظهرت تباطؤاً في سوق العمل الأميركية، فإنها لم تُحدث تحولاً جذرياً في توقعات الأسواق، التي تسعّر حالياً احتمالاً يقارب 25% لخفض جديد للفائدة في يناير. ويُنظر إلى الفيدرالي على أنه يمنح وزناً أقل من المعتاد للبيانات الاقتصادية، في ظل الاضطرابات المرتبطة بإغلاق الحكومة الأميركية.

فنزويلا تشعل الطلب على الملاذ الآمن

إلى جانب العوامل النقدية، تلقى الذهب دفعة قوية من التطورات الجيوسياسية، بعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات قبالة السواحل الفنزويلية، في تصعيد مباشر للضغط على الرئيس نيكولاس مادورو. ومع الحديث عن حشد عسكري وتهديدات بضربات برية، عادت المخاطر السياسية لتتصدر المشهد، وهو ما يعزز تقليدياً جاذبية الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين.

ولا يبتعد المعدن الأصفر كثيراً عن أعلى مستوى قياسي له فوق 4381 دولاراً للأونصة، المسجل في أكتوبر، بعدما قفز بنحو الثلثين منذ بداية العام، متجهاً لتحقيق أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979. هذا الصعود اللافت لم يكن وليد الصدفة، بل جاء مدفوعاً بزيادة مشتريات البنوك المركزية عالمياً، وتراجع ثقة شريحة واسعة من المستثمرين في الديون الحكومية والعملات الرئيسية.

رئاسة الفيدرالي… عامل حاسم في معادلة الأسواق

وتتجه الأنظار أيضاً إلى ملف تعيين رئيس جديد للاحتياطي الفيدرالي، باعتباره مؤشراً بالغ الأهمية لمسار السياسة النقدية في العام المقبل. فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس ترمب، المعروف بدعوته إلى خفض حاد لأسعار الفائدة، يعتزم إجراء مقابلة مع عضو مجلس محافظي الفيدرالي كريس والر لشغل المنصب، على أن تُجرى مقابلات إضافية خلال الأسبوع الجاري، وفق ما أعلنه وزير الخزانة سكوت بيسنت، مع ترجيح إعلان القرار مطلع يناير.

توقعات صعود مستدام للمعادن

في ضوء هذه المعطيات، تتعزز التوقعات الإيجابية لأسعار الذهب على المدى المتوسط والطويل. إذ ترجّح نيكي شيلز، رئيسة الأبحاث في شركة “إم كي إس بامب” لتكرير المعادن النفيسة، أن يبلغ متوسط سعر الذهب 4500 دولار للأونصة في عام 2026. وترى شيلز أن السوق قد تشهد فترة تماسك قصيرة الأجل، قبل أن تستقر على مسار صعودي أكثر اعتدالاً واستدامة، عقب الارتفاع “الصاروخي” الذي شهده المعدن هذا العام.

وعلى صعيد الأداء الفوري، ارتفع الذهب بنسبة 0.6% ليصل إلى 4326.36 دولار للأونصة، بينما قفزت الفضة بما يصل إلى 3% مسجلة 65.6463 دولار للأونصة، وهو مستوى قياسي جديد. كما صعد البلاتين إلى أعلى مستوى له منذ عام 2011، وارتفع البلاديوم، في وقت استقر فيه مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري دون تغيير.

في المحصلة، يبدو أن الذهب لم يعد مجرد أداة تحوّط تقليدية، بل مرآة تعكس اختلالات النظام الاقتصادي العالمي، من سياسات نقدية متقلبة إلى توترات جيوسياسية مفتوحة. ومع استمرار هذا المشهد، يبقى المعدن الأصفر مرشحاً لمواصلة الصعود، حاملاً رسائل قلق بقدر ما يحمل وعود أمان للمستثمرين.