جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

مدحت الشيخ يكتب: اليمن على حافة التفكيك.. صراع النفوذ يخرج من الغرف المغلقة إلى العلن

-

تشهد الساحة اليمنية أخطر مراحلها منذ اندلاع الحرب، بعد أن خرج الصراع من إطاره التقليدي بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، ليتحول إلى مواجهة مفتوحة داخل معسكر ما كان يُسمّى «تحالف دعم الشرعية». صراع لم يعد يخفي تناقضاته، ولا أهدافه، ولا أطرافه الإقليمية والدولية، في سباق محموم على النفوذ والموانئ والجزر والممرات البحرية.

تهدئة إماراتية مؤقتة… وانفصال على نار هادئة

تميل الإمارات في المرحلة الراهنة إلى تهدئة محسوبة، لا تعكس قناعة بحل سياسي بقدر ما تعبّر عن إدراك لحساسية الصدام المباشر مع السعودية. غير أن هذه التهدئة لا تمنع أبوظبي من الضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي لتسريع خطوات الانفصال، باعتباره ورقة ضغط استراتيجية يمكن تفعيلها في لحظة التفاوض الإقليمي الكبرى.

واشنطن وتل أبيب… الجغرافيا قبل الدولة

الموقف الأمريكي، وخلفه إسرائيل، سيبقى العامل الأكثر تأثيرًا في ترجيح كفة المصالح بين الرياض وأبوظبي. فاليمن في الحسابات الدولية ليس دولة بقدر ما هو موقع استراتيجي. ويأتي إعلان عيدروس الزبيدي استعداده للتطبيع مع إسرائيل فور إعلان «الدولة الجنوبية» ليكشف حجم الرهانات الخارجية على تفكيك الجغرافيا اليمنية وربطها بأمن البحر الأحمر.

تصعيد محدود… ثم فرملة دولية

الأرجح أن يشهد الميدان تصعيدًا محدودًا بين قوات الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي، يعقبه تدخل إقليمي ودولي لفرض التهدئة. سيناريو يعكس رغبة الأطراف في تحسين شروط التفاوض دون الانزلاق إلى حرب شاملة قد تنفلت من السيطرة.

نهاية تحالف الشرعية… واللعب بلا أقنعة

عمليًا، انتهى تحالف دعم الشرعية بصيغته القديمة. الصراع على النفوذ بات مكشوفًا. وبرزت مواقف يمنية كانت تمسك العصا من المنتصف، وفي مقدمتها طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، الذي دعم المجلس الانتقالي في بيان مشترك ينتقد قرارات الدكتور رشاد العليمي، في خطوة تُقرأ في سياق الدعم الإماراتي الممتد له على الساحل الغربي لحماية مصالحها في البحر الأحمر.

الإصلاح والإخوان… اصطفاف الضرورة

دعم التجمع اليمني للإصلاح قرارات العليمي لا ينفصل عن عدائه العميق للإمارات. هذا الاصطفاف المرحلي يمنح الشرعية دفعة سياسية مؤقتة، خاصة مع وجود تأييد داخلي واسع لقرارات رئيس مجلس القيادة.

السعودية… الجنوب خط أحمر

السعودية لا تتعامل مع أمنها القومي بمنطق المناورات. وجود قوى غير منضبطة أو معادية على حدودها الجنوبية خط أحمر، حتى لو تطلّب الأمر مواجهة مباشرة مع الإمارات. ويعزز هذا الموقف دعم سلطنة عمان لأي تحرك سعودي يهدف إلى حفظ استقرار جنوب اليمن.

مغامرات النفوذ وحدود الواقع

البيئة اليمنية أكثر تعقيدًا من أن تُدار بمنطق النماذج الجاهزة. الطموحات الإماراتية في الموانئ والجزر تصطدم بتركيبة قبلية وسياسية شديدة الحساسية، وبمخاوف إقليمية متصاعدة من توظيف هذه السياسات لخدمة أجندات إسرائيلية في البحر الأحمر.

الحوثي… الرابح بلا ضجيج

جماعة الحوثي هي المستفيد الأكبر من هذا التفكك. الانفصال يخدمها استراتيجيًا، إذ يترك الشمال تحت سيطرتها دون حرب كبرى أو تنازلات سياسية. ومن المرجح أن تستغل الفوضى لإعادة التموضع والسيطرة على مواقع استراتيجية على أطراف الجبهات.

الانتقالي… بين الانكسار والاستنزاف

المجلس الانتقالي يعيش مأزقًا وجوديًا: التراجع يعني فقدان مستقبله السياسي، والاستمرار يضعه في مواجهة قوى جنوبية وقبلية متعددة، بما يفتح باب استنزاف طويل قد يسحب منه شرعية تمثيل الجنوب.

إعادة تشكيل المشهد السياسي

كل المؤشرات تتجه نحو إعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي، عبر إقصاء قيادات الانتقالي وداعميهم، وتعيين شخصيات جنوبية تحظى بقبول سعودي، مع احتمال تشكيل حكومة جديدة قادرة – نظريًا – على التعامل مع المتغيرات.

القضية الجنوبية… عدالة بلا دولة لا تُحل

عدالة القضية الجنوبية ثابتة، لكن حلها يظل مشروطًا بوجود دولة يمنية جامعة، وبمشاركة كل مكونات الجنوب لا فصيل واحد. ولا تزال خيارات الدولة الاتحادية أو الكونفدرالية من إقليمين مطروحة إذا توافرت الإرادة السياسية.

حضرموت… الخطر المؤجل

الأكثر خطورة هو ما يجري في حضرموت، حيث تنشط جماعات متطرفة كـ«القاعدة» و«داعش». استمرار الفوضى يمنحها فرصة للتمدد والتحكم في مسارات النفط والملاحة الدولية، وهو ما يثير قلقًا أمريكيًا وأوروبيًا متزايدًا، خاصة بعد الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال.

اليمن يقف على مفترق طرق بالغ الخطورة. ما يجري ليس خلافًا سياسيًا عابرًا، بل إعادة رسم لنفوذ إقليمي ودولي في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية. وأي قراءة لا ترى هذا التشابك المركّب، تظل قراءة ناقصة.