جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 07:46 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب: اليتيم فى حِجر أٌمّهِ على أرض بستان العارفين ”ح 2”

الكاتب الصحفى والباحث محمد خليفة
الكاتب الصحفى والباحث محمد خليفة

ونطوف اليوم معاً فى دروب التاريخ الإسلامى، لنستكمل الحلقة الثانية مع الإمام الشافعى، فالعالم الفقيه، كان شمساً للمحبين فى الدنيا، وعافية للناس كما وصفهٌ الإمام أحمد..

روي عن الشافعى رحمه الله أنَّه قال: "كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المٌعلَّم، وكان المٌعلَّم قد طلب من أمي أن اقوم بدوره إذا قام من مجلسهِ، وهذا دليل قاطع على براعته فى العلم والفقه، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخَيْف، فكنت أجمع العظم فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة، إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.

رحلته إلى البادية

إضافةً إلى حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، اتجه الشافعي إلى تعليم اللغة العربية الفصحى، فخرج إلى البادية، ولازم قبيلة هذيل، قال الشافعي: إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلَّم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب لساناً، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار.

ولقد بلغ الشافعى من حفظه لأشعار الهذليين وأخبارهم أنَّ الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال عنه :"صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس"

وكانت القبيلة التي لجأ إليها الشافعي هي هذيل، وهم يوصفون بأنهم أفصحُ العرب، قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأ عليَّ الشافعي رضيَ الله عنه أشعار هذيل حفظاً ثم قال: لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا، قال مصعب: وكان الشافعي رضيَ الله عنه يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح ولا ينامان، قال: وكان الشافعي رضيَ الله عنه في بداية أمره يطلب الشعر والأدب، ثم أخذ يتعلّم الفقه ، قال مصعب: وكان سبب أخذه أنه كان يسير يوماً على دابة له، وخلْفه كاتبٌ لأبي، فتمثل الشافعي رضيَ الله عنه بيت شعر، فقرعه كاتبُ أبي بسوطه ثم قال له: "مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟، فأحزنه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس رحمَه الله.

عودته إلى مكة والإذن له بالإفتاء

ولمَّا عاد الشافعي إلى مكة تابعَ طلبَ العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذِن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بأن يفتى، فقد روي عن مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: "أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي"، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: وهو ابن عشرين سنة.

رحلته إلى مصر

لم يَطِبْ للشافعي العيشَ فى بغداد، وكان لا بد من الرحيل منها، ولم يجد مكان يهاجَرفيه ولا سَعةً إلا في مصر، فمصر بستان العارفين وأرض عاش فيها الأنبياء، فقد كان واليَها عباسيٌ هاشميٌ قرشيٌ، سبب قدومه إلى مصر وهو العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس والى مصر، وخليفةً لعبد الله المأمون. ولقد قال الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر.. ومن دونها قطع المهامة والفقر.. فوالله ما أدري، الفوز والغنى أساق إليها أم أساق إلى القبر.

قدم الشافعي مصر سنة 199 هـجرية، ومات فيها سنة 204 هـ، وقد رُوي عن الربيع بن سليمان أنه قال: وقال لي يوماً ،يقصد الشافعي: كيف تركت أهل مصر؟، فقلت: تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وناضلت عنه، وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه، فقال: أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً.

قال الربيع: ففعل ذلك والله حين دخل مصر.

نزل الشافعى على أخواله الأزد، قال ياسين بن عبد الواحد: لما قدم علينا الشافعي مصر، أتاه جَدِّي وأنا معه فسأله أن ينزلَ عليه، فأبى وقال: «إني أريد أن أنزل على أخوالي الأزد»، فنزل عليهم. وقد ذكر الإمام أحمد أن الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعةَ السنةِ فيما فعل النبي حين قدم المدينة من النزول على أخواله، فقد نزل النبي حين قدم المدينة على بني النجار، وهم أخوال عبد المطلب.

وقال هارون بن سعد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: "قدم رجلٌ من قريش"، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسنَ صلاةً منه، ولا أحسنَ وجهاً منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأيت أحسنَ كلاماً منه، فافتتنَّا به.

البقية فى الحلقة القادمة إن شاء الله

[email protected]