د.أسامة الطواب يكتب: العقل بين القلب والدماغ

لقد خلق الله سبحانه وتعالي الإنسان وكرمه وفضله بالعقل علي سائر المخلوقات، العقل الذي حير الكثيرين وأثار العديد من التساؤلات حوله والتي من بينها أين يوجد ذلك العقل أهو في الدماغ أم أنه يقبع بين ثنايا القلب؟ بمشيئة الله تعالي سوف نناقش هذا الموضوع بشئ من الإختصار من خلال محورين رئيسين أولهما الدين وثانيهما العلم الحديث.

بالنسبة للمحور الأول المتمثل في الدين فلقد أكدت جميع الشرائع السماوية أن القلب هو محل العقل والتفقه والفهم والإدراك بالإضافة إلي كونه مستودع المشاعر والأحاسيس ومنبع الإيمان ومصدر الكفر والإلحاد عياذاً بالله.

أما المحور الثاني فسوف نستعرضه فيما يلي والذي يتضمن ما آل إليه العلم الحديث من نتائج تثبت ما سبق وذكرناه سالفاً من أن العقل يقيم ويسكن بين طيات القلب وأن القلب هو المسيطر علي عمل جميع أعضاء الجسم بما فيها الدماغ وأن القلب أيضا يشتمل علي الذاكرة ويلعب دوراً مهما في الفهم والإدراك وكذلك الإبداع.

سوف نسرد في هذا المقال بعض الحقائق التي سجلها العلم الحديث عن القلب ذلك العضو الذي وصفه نبينا الكريم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم بالمضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، مما يدل علي عظم شأنه وأهيمنته ومن ثم سيادته علي باقي أعضاء الجسد.

لقد توصل العلم الحديث إلي أن القلب يخلق في الجنين قبل الدماغ ويستمر ينبض منذ خلقه أي بعد حوالي ٢١ يوماً من الحمل وحتي موت الإنسان.

كما أثبت العلم الحديث إستقلال عمل القلب عن الدماغ حيث لوحظ أثناء عمليات زرع القلب أن القلب الجديد المزروع يبدأ بالنبض فور زراعته دون أن يتلقي أي أمر من الدماغ.

ليس ذلك فحسب بل إن بعض الباحثين أشار إلي أن القلب هو الذي يوجه الدماغ للقيام بوظائفه المختلفة.

وقد أشار العلماء والباحثون إلي أن وزن القلب السليم يتراوح من ٢٥٠ إلي ٣٠٠ جرام وهو بحجم قبضة اليد، في حين أن القلب المريض المتضخم قد يزن ما يقرب من ١٠٠٠ جرام.

كما أوضحوا أن في الشخص البالغ ينبض القلب السليم أكثر من مئة ألف نبضة في اليوم يقوم من خلالها بضخ ما يزيد عن سبعين ألف لتر من الدم أي ما يعادل حوالي مليون برميل من الدم خلال متوسط عمر الإنسان الذي تم تقديره بما يقرب من سبعون عاماً.

وقد أجمع العلماء والباحثون علي أنه بالرغم من النتائج المذهلة التي توصل إليها العلم الحديث في جميع مناحي الحياة إلا أنه لا يزال يجهل الكثير من الأمور فهو يجهل العمليات الدقيقة التي تحدث داخل الدماغ كما أنه يجهل كيف يتذكر الإنسان وكيف ينام وماهي الآلية التي تجعل قلبه ينبض.

وقد ثبت علمياً أن القلب يتصل مع الدماغ من خلال شبكة معقدة جداً من الأعصاب التي يبعث كلاهما للأخر برسائل خاصة من خلالها علي شكل إشارات كهربائية.

ومن هنا يتأكد أن القلب والدماغ يعملان بتناسق وتناغم عجيب وعند حدوث أي خلل في هذا التناغم تظهر الإضطرابات علي الفور.

يقول الدكتور Armour أن للقلب نظاماً خاصاً به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم.

كما أكد البروفيسور Gary Schwartz أخصائي الطب النفسي بجامعة أريزونا وكذلك الدكتورة Linda Russek أن للقلب طاقة خاصة يقوم بواسطتها بتخزين ومعالجة المعلومات.

ومن هنا أكد العلم الحديث أن الذاكرة ليست فقط في الدماغ بل قد يكون القلب محركاً لها ومشرفاً عليها وهذا دليل واضح علي أن القلب هو الذي يوجه الدماغ ويشرف علي عمله.

يقول العلماء أن النتائج التي توصلوا إليها والخلل الكبير في الإدراك والفهم الذي يعاني منه صاحب القلب الصناعي يؤكد أن القلب له دور أساسي في الفهم والإدراك وأن القلب هو أكثر من مجرد مضخة وأنه أكثر تعقيداً مما يتصوره الكثيرون.

يؤكد الدكتور Andrew Armour أن هناك دماغاً شديد التعقيد داخل القلب مفسراً ذلك من خلال ما أكده من أن القلب يحتوي علي أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة فائقة علي تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات التي تتدفق من القلب إلي ساق الدماغ ثم إلي الدماغ عبر ممرات خاصة لتمكن خلاياه من القيام بوظائفها.

لذلك فإن بعض العلماء قد عكفوا علي إنشاء مراكز تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدماغ وعلاقة القلب بالعمليات النفسية والإدراكية بعدما أدركوا الدور الكبير للقلب في التفكير والإبداع.

يقول الدكتور Paul Pearsall إن القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخري، كما أن القلب يساعد في تنظيم مناعة الجسم وكذلك فإنه يرسل معلومات إلي كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته، لذا فإن القلب لا يغذي الجسم بالدم النقي فحسب بل يمده بالمعلومات أيضاً.

وقد أكدت الأبحاث التي أجريت في معهد رياضيات القلب Heart Math أن المجال الكهربي للقلب قوي جداً ويؤثر علي المحيطين به. أي أن الإنسان يستطيع أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم.

كما أشارت الدراسات والأبحاث الحديثة إلي أن للقلب نظام عصبي خاص به وطاقة خاصة به ونظام كهربائي معقد كما أن له مجال كهرومغناطيسي أقوي بمئة مرة من المجال الكهرومغناطيسي للدماغ.

في النهاية ومن كل ما سبق نجد أن العلم الحديث قد توصل مؤخراً إلي ما ورد في القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام من أن القلب هو مركز العاطفة وهو مقر العقل وهو المسئول عن التفقه والتفكير والتدبر وكذلك الإبداع كما أنه مخزن المعلومات وهو المهيمن والمسيطر علي كل أعضاء الجسد فهو الموجه لها كي تقوم بوظائفها المختلفة، فسبحان الله الخالق المبدع.