جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 04:31 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

اللواء بهاء البجاوي يكتب: كورونا وموسم جنّى تغييب الوعى (الجزء التانى المواطن)

إن ما نراه من ظاهرة غريبة تتمثل فى قلة وعى الشعب فى التعامل مع أزمة انتشار كورونا مقارنة بشعوب أخرى كثيرة ومنها شعوب عربية.. قد تبدو غريبة للوهلة الأولى..

وقد تناولنا فى المقال السابق دور الحكومة فى هذا الشأن.. إلا أننا يجب أن نعترف أن المسئولية عن تغييب وعى الشعب هى مسئولية مشتركة، لأن الهدف هنا ليس إلقاء التهم المُتبادلة بين المواطن والمسئول..

إنما الهدف هو الوقوف على سبب ظاهرة إنهيار الوعى لدى الغالبية العظمى من الشعب.. وذلك من أجل معالجة الأخطاء وإستعادة الإرتقاء بوعى المواطن..

لذا وجب علينا أن نعترف أننا كمواطنين ربما نتحمل الجانب الأكبر من المسئولية وذلك للأسباب التالية:

أولاً: وبالنسبة للفنون بجميع أشكالها والتى تلعب الدور الأبرز فى تشكيل وعى المواطن .. فقد ارتكتبنا أخطاء فادحة فى حق أنفسنا عندما شجعنا الأعمال الهابطة بالمتابعة والمشاهدة مما تسبب فى كارثتين :-

الأولى: هو انتشار لنجومية زائفة لأبطال هذه الأعمال وتكوينهم لثروات طائلة على حساب المواطن البسيط، بل وأصبحوا رموزاً لهذا الوطن..

وبالتبعية انتشار هذه الأعمال التى تحض على البلطجة وتعاطى المخدرات وعقوق الوالدين وزنا المحارم والعرّى والدعوة للفجور.. إلخ من كل الأفكار الهدامة..

مما تسبب فى غياب تام للقيم والمبادئ (وهى أساس تكوين الوعى) التى كنا نتباهى بها بين الشعوب من الشهامة والجدعنة ومراعاة الجار وبر الوالدين واحترام الأكبر ودور الأم فى لم شمل الأسرة إلى غيرها من الصفات الحميدة..

الثانية: إبتعاد تام للمواطن عن متابعة الأعمال الجيدة التى تحرص على تقديم فنون هادفة تحتوى على دروس وقيم يستفيد منها المشاهد والمتابع..

مما نتج عن ذلك أن أبطال هذه الأعمال أصبح غير مرغوب فيهم لدى المنتجين.. ومع مرور الوقت أصبحت الساحة مرتعاً للفنون الهابطة .. وحتى الإعلانات التى أصبحت تحتوى إما على ايحاءات تخدش الحياء، وإما تحض على العنصرية..

وخير دليل على كل هذا.. هو تحقيق برامج ومسلسلات هدامه فى شهر رمضان الحالى لنسب مشاهدات قياسية..

فى حين أنه تم رفع دعاوى قضائية على بطل أحد هذه البرامج لتعمده تشويه الذوق العام والتحريض على العنف.. ومع هذا مازالت نسبة المشاهدة مرتفعة..

وفى ذات السياق يجب ألا ننسى برامج التوك شو وما تلعبه من دور غاية فى الخطورة فى تشكيل وعى المواطن..

فهى تقوم بتوجيه الرأى العام وتدس السم فى العسل كيفما تريد لمصالح من يقفوا خلف الستار ليتلاعبوا بعقول وفكر ووعى المواطن..

وذلك من خلال مقدمين هذه البرامج الذين يمتلكون قدرات خاصة من التلون والنفاق وتناول الأطعمة على كل الموائد وهؤلاء لهم توجهات وأهداف مختلفة داخلياً وخارجياً ولكن يجمعهم شيئ هام ألا وهو أرصدتهم فى البنوك والصعود فوق جثث الآخرين وأحياناً فوق أشلاء الأوطان..

ولن ننسى أيضا نجوم الرياضة وكرة القدم على الأخص وما لهم من دور هام بما يمتلكون من شعبية جارفة وخاصة بين الشباب..

وكثيراً من هؤلاء وبكل أسف كان له أسوأ الأثر على ملايين من الشباب الذى يتخذهم قدوة..

فمنهم من أصبح داعماً لجماعة الإخوان الإرهابية وتأثر به العديد من الشباب.. ومنهم من أصبح أيقونة للتعصب..

ومنهم من كانت بذاءة أخلاقه درب يسير عليه آلاف من المشجعين.. ومنهم من أصبح نجم إعلامى ( بالعافية ) وأصبح يُصدّر أسوأ مثال للإعلامى الذى يتشاجر بالأيدى أمام الكاميرات..

فكل هذه الأمثلة وغيرها الكثير فى مجالات مختلفة قد عانينا منها كثيراً..

ولذا يبقى السؤال الأهم : من الذى صنع كل هؤلاء وغيرهم..؟؟؟

أليس حضرتك سيدى المواطن..

ألست أنت الذى تركت الجيد وهدمته.. وذهبت للرديئ وشجعته بكامل إرادتك..

ألست أنت من صنع نمبر وان وشاكوش ورامز وخمسه مووواه..

ألست أنت من صنع أديب وموسى والإبراشى وشوبير..

ألست أنت من صنع أبوتريكة وحسام حسن وشيكابالا..

ألست أنت من هجر الفن الجميل وتناسيت أن الرياضة أخلاق، وهجرت القراءة والإطلاع.. مما جعل كل ذلك أصبح يُطلق عليه (بضاعة أتلفها الهوى)

ويبدو وكأننا قد أدمنا الزبالة..

وبعد كل ذلك يقول الجميع أن هذا هو المعروض والمتاح ونتهم المسئولين بتسببهم فى انهيار الذوق العام..

وبذلك ينطبق علينا قوله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (سورة البقرة، الآية 44)..

وكانت النتيجة الطبيعية لكل ماسبق هى تدنى الذوق العام وفقدان الشعور بالمسئولية تجاه المجتمع.. وشبه إنهيار تام للوعى لدى المواطن..

وفى النهاية ومع ظهور أزمة فيروس كورونا.. نجد أنفسنا جميعاً نحصد ونجّنى بأيدينا نتائج أعمالنا.. وبدلاً من إتباع والإلتزام بالإجراءات الإحترازية لنقى أنفسنا ونحافظ على وطننا.. نجد قلة الوعى تدفع الغالبية العظمى للإستهانة والإستهتار مما أدى لزيادة الإصابات..

وليس أدل على ذلك من النظافة الشخصية والتى أمرنا بها الدين، وغسل اليدين باستمرار للوقاية من الإصابة.. وعدم الإلتزام بذلك ليكون دليل على عدم وعى المواطن وبراءة الحكومة من ذلك.

لذا يكون من الظلم أن نلقى مسئولية تغييب الوعى على الحكومة بمفردها.. ونجد أنفسنا نحن والحكومة وكأننا فى موسم جنىّ تغييب الوعى..

وأخيراً.. يبقى السؤال : هل سوف نستوعب الدرس ونعلم أنه من مصلحتنا كمواطنين أن نحرص على رفع الوعى لدى أبنائنا بصفته هو درع الحماية الأساسى لهم فى التعامل مع الأزمات..

وفى المقال القادم سنتناول بمشيئة الله دور مشايخ الفضائيات فى تغييب الوعى.