جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 01:57 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سلوي البحري تكتب قصة قصيرة بعنوان : غيمة لا تمطر

سلوي البحري
سلوي البحري

سحبت ساجدة السّتار ووقفت في الظلام تتأمّل البلّور بخطوطه المنحنية والمنكسرة... فتحت الشّرفة تستقبل هواء منعشا... تتأمّل روعة الخالق في ماخلق، لقد مضى زمن منذ أغلقت أبوابها ولم تشرعها وغرقت في الديجور...

_ألم تغلقي الشّرفة؟ تناهى إليها سعاله يملأ الفضاء الأخرس فأفاقت من خيالاتها .

هرولت تحكم بسط الظّلام وهي تردّد: _بلى، بلى، لقد أغلقتها. سارعت تسقيه الدّواء ومن له غيرها؟ ندّت عنها تنهيدة سارعت تكتمها... أغلقت عينيها تطلب سفرا ترتاح فيه.

قفزت الأحداث سريعا تسحبها بعيدا عنها.

لقد كانت شابّة فاتنة.

لكنها لم تفتن إلا بعلمها وعملها.

وقد ذاع صيت نجاحاتها.وهزّتها نشوة انتصاراتها.

لقد شكّلت ذاتها كما تمنّت.

ولكن هل كان ذلك كافيا ليلجم الأفواه التي كانت تطلق عليها حمم مدافعها؟" العانس قادمة.. العانس ذاهبة"... أو ليعمي العيون التي كانت تنهشها في غدوها ورواحها؟ .

_لم أعد أحتمل همسات ولاغمزات... لابدّ أن ترفعي رأسي بين العشائر.

لابد أن تتزوّجي.

ارحمي بنيّتي مشيبي .

لاتكوني سبب ذلّي وهواني والعمر كما ترين قد أفل.

كان هذا خطاب والدها لها صباحا مساء. لطالما أجلّت تنفيذه متعلّلة بالدّرس وتحقيق الذّات.

فيخرّ لها الأب الرّؤوم الذي نذر حياته لوحيدته.

ولكنّ هذا التّأجيل نفذت صكوكه اليوم.

وما عاد يقبل تصريفا.

لم يعد أمام ساجدة إلا الرّضوخ شفقة على هذا الأب من سياط مجتمع لايثق في المرأة آنسة ولو أوتيت من العلم والشهرة الكثير.

_حسنا يا أبي.. لقد..لقد.. قبلت.. ولكنّني ..سأختار زوجي.. بنفسي. نظر لها والدها بأسى. لم يجرؤ أن يقول لها أنّ العمر تقدّم بها وما عاد بإمكانها أن تملي شروطها.

_ ما عاد بإمكاني أن أنتظر إنّ السيد فؤاد مافتئ يلحّ في طلبك. تبسّمت في سرّها. لقد لاحظت منذ مدّة أنه يلاحقها بسيّارته ونظراته حيثما تنقّلت.

لقدكان أستاذها في الجامعة لطالما دفعها في مدارج العرفان.ولطالما تهافتت الفتيات يطلبن ودّه.

إلّا هي فقد شغلها كيانها عن الرجال أجمعين.

صحيح أنه يكبرها بعقدين ولكنها الآن تخطّت الثّلاثين بكثير.

_أين أنت يا ساجدة؟ تعالى السعال عاليا.

سارعت إلى الإبرة تعقّمها وتحقنها في ورك تهدّل وترهّل.

_إنّني هنا إلى جانبك لاتخش. ومدّت يدها تداعب خصلات شعره الأملس وقد غزاه المشيب، وعادت تسبح مع ذكرياتها.

"ماتغيّرْتِشْ يا ساجدة ، مازلت شابّة... تْهَبِّلْ...تُقْتُلْ بِالزِّينْ... ماحْلاكْ..." .

لقد دغدغ حديث فؤاد بقايا أنوثة نافرة. وتيقّظت فيها شراهة أمومة ثائرة خالتها ذوت وماتت.

لذا لم تعارض تسريعه بالزّواج.

بل بنت عليه أحلام عشق وغرام. كيف رضخت واستقالت من عملها؟ لاتدري؟ ولأوّل مرّة تجد نفسها مراهقة بلهاء.... تأسرها نظرة.

وتسحرها وردة .

ويحرقها الشّوق لموعد.

وتسهر تناجي طيف الحبيب.

و تفكّ خصلات شعر طالما أسرتها.

وتلبس فساتين طالما أهملتها وتمرّر الأحمر على شفاه وخدود طالما تجاهلتها وتدندن مع نجاة في نزق ودلال "حتّى فساتيني الّتي أهملتها.. فرحت به... رقصت على قدميه..." لم يكن عرسها عاديّا. منذ اللّيلة الأولى منذ أن انغلق عليهما باب القصر اكتشفت أنّ من اعتقدته حبيبا ليس إلّا بقايا إنسان.

هكذا أخبرها. لم تحفل ببقيّة الحديث لم؟ متى؟. يكفي أنّها عرفت لمَ أصطادها من بين كل النساء." مازلت شابّة" ومن ينفع مريض الإيدز غيرها؟.. كان يبحث عن طبيبة مقيمة.. ممرّضة حلال.. يخلو بها وتخلو به.

تهمّ به ولايهمّ بها. لقد تعلّمت منذ ليلتها الأولى أن تدفن سرّها .

فماذا ستقول لذلك الأب وقد وهن العظم منه؟ وهل تطلب الطّلاق بعد ليلة واحدة قضتها مع زوجها؟ وتلك السّيوف البطّارة والألسنة النهّاشة كيف ستواجهها؟لقد تعلّمت أن تقبر رغباتها. حسب النّاس منها أنّها السّيدة ساجدة حرم فلان.

وحسبها أنّها ليست سوى ممرّضة.. آنسة.. عانس خضعت للأعراف. غيمتها لن تمطر... وأرضها جدباء لن تزهر.نظرت لبعلها وقد أخذه النعاس.

فسحبت يدها من شعره. سارت نحو الشّرفة تأمّلت نقوش البلّور بخطوطه المنحنية والمنكسرة.

ولأوّل مرّة انتبهت أنّ الخطوط ماهي إلاّ رحلة عرسها... عمرها... مع الفرح ما إن بدأت في الارتفاع حتى انحنت وانكسرت.. أسدلت السّتار وغرقت من جديد في الظّلام. تدندن في سرّها أغنية أرقصتها نهايتها يوما وأبكاها مطلعها دهرا... أيظنّ أنّي لعبة بين يديه...؟ .