جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 09:51 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الأمازيغ .. أكراد المغرب العربي

    د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي
د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي

أمازيغ (الاسم الذاتي الحالي) وتعني الإنسان الحر أو بربر وهي لفظة لاتينية تعني المتوحشين أو الهمجيين البدائيين .
هم مجموعة إثنية في شمال أفريقيا وتحديدًا دول المغرب العربي ، في المغرب والجزائر وليبيا ، بالإضافة إلى نسب متفاوتة في تونس وموريتانيا ومصر ومالي والنيجر ، أما الشتات الأكبر فيعيش في دول المهجر في غرب أوروبا وكندا وبلدان أخرى .
ظلّت اللغة الأمازيغية راسخة في أوساط الأمازيغ على مر آلاف السنين ، وتختلف لهجاتها مع اختلاف مناطق شمال إفريقيا ، وهي لغة غير كتابية أصلا ، مع إن البعض منهم كتبها بالحروف اللاتينية ، وهناك محاولة لكتابة الامازيغية بالحروف العربية ، مثلما تأثرت باللغة الفرنسية بعد الاحتلال الفرنسي للمغرب العربي . إلا أن عددًا كبيرًا من الأمازيغ ، على مر التاريخ ، قد تبنى اللغة العربية ، بعد الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا .
رأت فرنسا أثناء الاستعمار لدول المغرب العربي أن من مصلحتها ربح الأمازيغ ( البربر ) إلى جانبها بالاعتراف لهم بخصوصيتهم ، فعزلت مناطقهم ، وسعت إلى فرض نظام قضائي خاص بهم يقصى فيه التشريع الإسلامي لصالح الأعراف ، لكن بإخضاعه عملياً للقانون الفرنسي .
لقد أصر الاستعمار على التفريق بين البربر والعرب وعلى التقريب بينهم وبين الأوروبيين عبر المتوسط .
إذن المسألة الأمازيغية من نتاج الحقبة الاستعمارية من حيث ظهور الوعي السياسي الأمازيغي ، لكن لها ديناميتها الخاصة . وقد استفادت من تلك الحقبة لتعبر عن نفسها ، بيد أنها لم تتواطأ مع الاستعمار بل قاومته من أجل الاستقلال .
فقد راهن المستعمر على الفصل العرقي بين الأمازيق والعرب واستمالة طرف ضد آخر لضمان وجوده وسيطرته واستمراره ، إلا إن الطرفين أفشلا محاولات المستعمر ، وقاوماه مقاومة شديدة حتى اضطر للخروج .
ولكن بعد خروج فرنسا رغماً عنها ، خاصة من الجزائر وهروب نحو 60 ألفا ممن يطلق عليهم الحركيون من الخونة والعملاء الجزائريين الذين انضموا إلى الجيش الفرنسي وحاربوا مع فرنسا ضد وطنهم وأبناء جلدتهم الذين كانوا يسعون لطرد الفرنسيين من وطنهم ، عمل بعض هؤلاء الخونة ممن اعتنق المسيحية ومن غيرهم ممن عادوا وطنهم وأبناء جلدتهم وعادوا دينهم وارتباطهم بالإسلام من خلال لغة القرآن الكريم اللغة العربية ، فعملوا على الانتقام استمراراً لخيانتهم بإثارة نزعات قومية - ساندهم في ذلك اليهود الذين خرجوا من الجزائر لفرنسا - تحت حجة إحياء القومية الأمازيغية واعتبار لغتها لغة رسمية أسوة باللغة العربية أو حتى بديلاً عن اللغة العربية ، بل بعضهم تمادى في ذلك وطالب بالانفصال وإنشاء دولة للأمازيغ .
إن التنوع اللغوي ظاهرة إعجازية تدل على كمال الحكمة الإلهية ، يقول تعالى : “ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”، إن اللغة وفق المنظور القرآني وسيلة للتواصل الإنساني ، فقد علَّم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها ، ومن ثم فلا ضير أن يعبِّر بنو آدم عن هذه الأسماء بلغات مختلفة من غير أن يكون هذا الاختلاف اللغوي ذريعة للخلاف الإنساني .
فقد اعترفت المغرب باللغة الأمازيغية كلغة رسمية عام 2011 إلى جانب اللغة العربية ، أما في الجزائر ، فلم يعترف بها لغة رسمية إلا في العام 2016 .
لم يأتِ هذا الاعتراف فجأة بل على مراحل ، حيث تم الاعتراف بالأمازيغية بوصفها مكوناً للهوية الوطنية إلى جانب العروبة والإسلام .
أصبح هناك اليوم ما يطلقون عليه وعي أمازيغي قومي مُتطوّر يُعارض القومية العربية وما يسمونه “الإكراه الحضاري” ، ويهود فرنسا يدعمون الحركات البربرية والأمازيغية للانفصال عن الدولة الجزائرية علانية .
وقد عمل البعض على البحث عن كل ما يدعم فكرة الإكراه الحضاري ، كالحديث عن الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا الموطن الأصلي للأمازيغ باعتبارها غزواً همجياً عربياً لا إسلاميا بقصد القتل والسرقة والسبي ، والحديث عن بطولات أجدادهم في صد تلك الغزوات واستبسالهم ضدها .
ووصلت المطالبات لدى البعض بتسمية أولاد
الأمازيغ الأسماء الأمازيغية وعدم تسميتهم خديجة وعائشة وفاطمة وغيرها من الأسماء باعتبارها أسماء عربية .
ولجأ آخرون إلى بيتين من الشعر للشاعر الأندلسي أبو القاسم السميسر الذي ظهر في عصر ملوك الطوائف ، وهو شاعر كثير الهجاء ، الذي قال في هجاء الأمازيغيين :
رأيت آدم في نومي فقلت له ** أب البرية إن الناس قد حكموا
أن البرابرة نسل منك قال إذن ** حواء طالق إن صح الذي زعموا
يعبر فيه الشاعر العربي عن أفظع وأبشع صورة للعنصرية تجاه الأمازيغيين ، إلا إنها أمر شخصي مرتبط بالشاعر ، لا كما يحاول دعاة القومية الأمازيغية ترويجه على أنه نظرة جميع العرب للأمازيغيين ، من أجل تأجيج المشاعر ضد العرب والعروبة ومن ثم ضد الإسلام .
يبدو أن الأمازيغيين في المغرب العربي هم النسخة الثانية للأكراد في العراق وسوريا في مطالباتهم بالانفصال .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل