جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 03:30 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت عبد الجواد يكتب : التخصص.. والتعليم الرأسمالي

مدحت عبد الجواد
مدحت عبد الجواد

ولست أنسى ولا أنسى محاضرة رائعة غيرت حياتي ، ألا وهى محاضرة للدكتور محمد قاسم المنسي في علم المواريث ، أذكر أنه كان وقتها يدرسنا المواريث ، وهذا الكتاب كان من كتب الدكتور بلتاجي رحمه الله ، حيث اختتمها بعشر وصايا ذكر أنها من وصايا الشيخ الإمام محمد الغزالي له مباشرة عندما طلب منه النصيحة ، وهنا ومن بين الوصايا استهوتني وصية : كن مدمنا للقراءة ،فوقف أسأله: نقرأ أى شيء ،فقال : نعم وكل شيء غير أني أنصحك أن تقرأ بعين وفكر الناقد، فليس كل ما تقرأ يستحق جهدك، وليس كل ما تقرأ صوابا . علمونا قديما في المدارس عن روعة تقسيم العمل، وأهمية التخصص حتى أني أذكر درسا من كتابات العقاد درسته وعلمته لأبنائنا، وكنت وقتها لا أعي لماذا ندرس هذا الدرس؟ فليس به من الثراء اللغوي أو البيان ما يستحق الدراسة ! وفيما بعد وعيت الحقيقة... قليل من الناس من يدرك أن تقسيم العمل سيدمر الكائنات البشرية ويحولها إلى مخلوقات غبية وجاهلة ويجب منع التقسيم من الوصول لحدوده القصوى . تعليم جاهل تمنحه الرأسمالية الاقتصادية العالمية وتنفذه الفئة الطبقية المحتكرة لموارد البلاد ، تعليم يقتل حرية التساؤل والإبداع الحقيقية؛ لأنه صمم في الأصل لخدمة أصحاب الشركات المحتكرة للاقتصاد. إنه يقتل المستوى الثقافي ويندفع بقوة تجاه الجانب المادي ، لايحفل بالروح أو الإبداع صمم على الطاعة. اتجه النظام الرأسمالي إلى ما يسمى أيضا تعليم منتهي بالتعيين، وعليك أن تتخصص في دراسة مواد بعينها لتصبح في وظيفة بعينها، وتصبح خاويا من كل ثقافة ومن كل إبداع مخطط قديم وقد وقعنا فيه ، إنك لتتعجب كل العجب وأنت تجلس مع طبيب أو مهندس أو......فلا يستطيع قراءة القرآن الكريم ولايعرف أحكام وحدود دينه بل لا يستطيع أن يذكر لك عشرة من أسماء الصحابة ، وكذلك لايستطيع أن يذكر لك شيئا عن تاريخ بلاده أو الاقتصاد أو ...... وقس على ذلك جميع المهن ، لا تظن أن ذلك أمرا عاديا ويمر عليك مرور الغافلين ، لأنه مخطط مقصود لتفريغ العقول من كل ثقافة وتفريغ الأرواح والإبداع من كل إبداع، ومن كل إحساس بالجمال، لأن المبدعين يكثرون التأمل والتفكير والمثقفين الحقيقيين يكثرون الجدال والتخطيط والنقاش ، وهذا مالايراد لنا ...إن ما أريد هو الطاعة والتنفيذ لنتحول.إلى أدوات منفصلة .. تروس يقوم كل منها بدور ويجهل كل منها ما دور الترس الآخر لتعمل الآلة الكبري وتنتج لصالح المالك، في دقة وتخصص فلا يعرف أحدنا مايدور حوله، وفي ظل طاحونة الاقتصاد نسير كالأنعام ؛ لينعم المحتكر ويرغد ونظل نحن آلات للانتاج. لم يكن هذا من مضمون المحاضرة بل كان ما تبين لي فيما بعد ، بكثرة القراءة وقد أصبحت من يومها مدمنا للقراءة .