جريدة الديار
الثلاثاء 16 أبريل 2024 12:38 مـ 7 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أوروبا بين الإلحاد والإسلام

د. إبراهيم عبد الرحمن الشرقاوي
د. إبراهيم عبد الرحمن الشرقاوي

عند زيارتي لأوروبا أبحث عن كل ما هو قديم وله تاريخ ، أعشق مشاهدة المباني التراثية القديمة التي مر عليها مئات السنين في القارة العجوز . ومن أهم تلك المباني التاريخية التي سلمت من عوامل الزمن وقاومت لتبقى ونجت من الحروب الطاحنة التي دارت حولها خاصة الحرب العالمية الثانية هي الكاتدرائيات والكنائس التي بنيت في فترات مختلفة في مدن أوروبا المسيحية التي كانت قابعة تحت سيطرة الكنيسة ورجال الدين .

عند زيارتي لتلك الكنائس والكاتدرائيات التي مازالت تعمل وتستقبل السياح والمصلين على حد سواء ، شدني أو لاحظت أمراً غريبًا بعيداً عن الحديث عن جمال تلك الأبنية وروعتها وضخامتها وزخرفتها ، وهو أن المصلين والمترددين على دور العبادة تلك هم من المسيحيين المهاجرين لأوروبا من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وقلة من كبار السن من مواطني تلك الدول .

هذا ما دفعني للبحث أكثر في هذه المسألة ، هل هي فترة ابتعاد عن الدين مع التمسك ببعض تعاليمه ولو بسطحية ، فالرب موجود في كل مكان فلا حاجة للصلاة بالكنائس ، أو أنه ارتداد عن الدين ؟!. بدأت أجري بعض الحوارارت الودية مع بعض الأوربيين في بعض المدن الأوروبية ، فاجئتني ردودهم عندما كانوا يفاخرون بأنهم لا يعترفون بالأديان جميعها وعلى رأسها المسيحية ، فهم في معظمهم من الملاحدة وبعضهم من اللاأدرية اللادينيين الذين يرون أن القضايا الدينية الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها ، خاصة تلك المتعلقة بوجود إله وعدمه وما وراء الطبيعة ، والتي تُعتبر غامضة ولا يمكن معرفتها . قلت أنا مسلم ورسولي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنا متأكد بأنكم لا تؤمنون بهما ولا حتى تعترفون ، ولكني أتحدث الآن عن المسيحية دينكم ونبيها عيسى عليه السلام نبيكم أو ربكم أو ابن الرب أو أحد ثلاثة كما تدعون .

فأكدوا لي أنهم لا يعترفون بأي من ذلك ، فسألتهم عن عيسى أو كما يسمونه " Jessus “ هل يعترفون بشخصيته التاريخية وبوجوده أم إنها شخصية تم اختراعها فلا وجود لها ؟.

وجدت أنهم يعترفون بوجود شخصية عيسى عليه السلام ، كرجل صاحب خلق أو صالح وهذا ما دعا الناس لتمجيده وصياغة الأساطير حوله جيلاً بعد جيل وتطور الأمر حتى وصل لاعتباره إلهاً يستحق العبادة ، ولكنه ليس كما ورد في تلك الأساطير والخرافات ، وما يدل على ذلك اختلاف تلك الأساطير حوله ما بين تلك الديانات والمذاهب ، فمن يعتبره ربًّا ومن يعتبره ابن الرب ومن يعتبره أحد ثلاثة ومن يعتبره نبياً ورسولاً . ويؤكدون على شيوع تلك الأساطير والخرافات المبالغ فيها حول شخصية عيسى عليه السلام ، إنهم وعلى الرغم من إلحادهم إلا إنهم مازالوا يستخدمون اسمه كتعبير " Expression “ عند شعورهم بالخوف أو الدهشة إلا إن ذلك لا يعني شيئاً لهم .

تبلورت فكرة الإلحاد وسادت في معظم المجتمعات الأوروبية عقب انتشار الفكر الحر وظهور وتبلور ما يسمى بالشكوك العلمية ، وزيادة نشاط التيارات الفكرية في نقد الأديان والتشكيك فيها والتقليل من شأنها بل والدعوة إلى نبذها . الغريب في الأمر أن هذا الاعتقاد هو السائد في معظم أوروبا ، حيث ارتفعت نسب الملحدين إلى أرقام ونسب عالية ، ووفقًا لدراسات فإن معدلات الإلحاد هي الأعلى في أوروبا 40% في فرنسا ، و39% في بريطانيا ، و34% في السويد ، و29% في النرويج ، و15% في ألمانيا ، و25% في هولندا ، و12% في النمسا ، فهؤلاء لا يؤمنون بوجود إله ، وجاءت النسب أعلى لمن عبروا عن إيمانهم بوجود روح أو قوة ما وهؤلاء يطلق عليهم لا دينيين أو لا أدريين .

وما يؤكد ذلك فإن الإحصائيات تذكر بأن أكثر من 10 آلاف كنيسة أغلقت أبوابها في بريطانيا منذ عام 1960، وأنه من المتوقع أن يتجاوز عدد الكنائس التي ستغلق أبوابها إلى 4 آلاف مع حلول عام 2020 ، في حين تغلق قرابة 20 كنيسة أبوابها سنوياً في المملكة المتحدة ، كما أوردت السجلات الرسمية في الدانمارك إغلاق قرابة 200 كنيسة أبوابها حتى منتصف عام 2015 ، بينما أُقفلت أبواب 515 كنيسة في ألمانيا خلال الأعوام العشر الأخيرة ، وفي هولندا أعلنت الطائفة الكاثوليكية أنه سيتم إغلاق ثلثي الكنائس البالغ عددها 1600 كنيسة خلال الأعوام العشرة القادمة ، في حين أعلنت الطائفة البروتستانتية عن توقعاتها بإغلاق قرابة 700 كنيسة أبوابها خلال 4 أعوام . وقد تحولت بعض الكنائس لمراقص ليلية للموسيقى الصاخبة ، في حين يقوم المسلمون في العديد من الدول الأوروبية بشراء بعض الكنائس التي أغلقت أبوابها ، لتحويلها إلى مساجد .

وقد دعت الحاجة لتلك الأعداد الكبيرة من المساجد للمسلمين الذين تتزايد أعدادهم في أوروبا زيادة متسارعة ، سواء من خلال المواليد أو الهجرة أو المتحولين للإسلام ، فقد أصبحت أعداد المساجد في بعض مدن أوروبا تفوق بكثير عدد الكنائس فيها . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.