جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 10:21 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. عمر محمد الشريف يكتب .. يا بهية وخبريني هل كان ياسين مجرماً؟!

د/ عمر محمد الشريف
د/ عمر محمد الشريف

في عصر ما قبل الكورونا، وفي ليلة باردة تشدو دنيا مسعود بصوتها المرح المشوب بالحزن "يا بهيه وخبريني ع اللي جتل ياسين، جتلته السود عنيا يابوي من فوق ضهر الهجين"، فجلست واستمعت لها بكل إنصات، مستمتعاً بصوتها الساحر، منعزلاً عن العالم بجماله الآسر.

بهية وياسين حالة فريدة في الفن المصري، حكاية من حكايات التراث الشعبي، تغنى بها شاعر الربابة في المقاهي الشعبية، كما تغنى ببطولات أبو زيد الهلالي، والظاهر بيبرس وغيرهم.

وتطورت بعد ذلك على يد المطرب الشعبي محمد طه والذي قام بغناء موال يسأل فيه (يا بهيه وخبريني ع الي جتل ياسين)، ثم يكتب حامد عبدالعزيز فيلماً بعنوان "بهية " من إنتاح وإخراج رمسيس نجيب في عام 1960م، بطولة لبنى عبدالعزيز (بهية) ورشدي أباظة (ياسين).

ووظف نجيب سرور اسمي ياسين وبهية وقدم نصا مسرحياً بعنوان "ياسين وبهيه" وذلك في سنة 1965م، حيث سرد حكاية عن ياسين وبهية الفلاحين من قرية بهوت التي يمكلها الاقطاعي قبل ثورة ١٩٥٢م، والذي سلب كرامتهم لكن الفلاحين يثورون ضد الباشا ويهاجمون قصره، وأحداثها بعيده عن القصة الحقيقية لياسين العبادي كما كانت أحداث فيلم حامد عبدالعزيز.

تعود الحكاية الأصلية في بداية القرن العشرين وتحديداً في عام 1905م في صعيد مصر، عندما ظهر شخص يدعى ياسين ينتمي لقبيلة العبابدة، واحدة من أشهر قبائل الجنوب المصري.

يرى الدكتور محمود دياب في كتابه " أبطال الكفاح الإسلامي المعاصر" وكذلك المؤرخ جمال بدوي في كتابه "مصر من نافذة التاريخ" أن ياسين ما هو إلا سفاح مجرم يحترف مهنة القتل بالأجر، ويعيش من دماء الأبرياء، وقد قُتل في النهاية ياسين على يد الملازم ثان محمد صالح حرب والذي أصبح وزيراً للحربية فيما بعد.

بينما يرى مهدي الحسيني أن ياسين قد تعرض للتجني والتشهير كما تعرض له كل من تجرأ ورفع السلاح ضد السلطات الإنجليزية المحتلة، ويضيف ان هذا الأسلوب تم اتباعه مع كافة الحركات الشعبية العفوية والثوار المحليين، حيث تطلق على أبطالها أنهم أشقياء ومجرمون خارجون عن القانون، مثلما قالوا أيضاً عن أدهم الشرقاوي.

نعود للدكتور دياب فيقول عن حادثة قتل ياسين في كتابه أنها تعود أحداثها حينما ذهب صالح حرب فى بداية حياته المهنية في الجيش إلى وادي حلفا ضمن بعثة عسكرية لشراء سرب من الجمال للخدمة فى سلاح الهجانة، وفى أثناء عودة الضابط الشاب سمع عن قصة ياسين أعنف وأجرأ مجرم في زمنه على حسب قول الدكتور دياب.

وبينما كان صالح حرب يستريح مع قطيعه من الجمال في بعض الأودية المتاخمة لجبال أسوان، أبلغه أحد أتباعه أنه رأى بدويا نائما على بطنه عند إحدى المغارات وفي يده بندقية، فلما ذهب يستطلع الخبر فوجئ بوابل من الرصاص ينهمر من ناحية المغارة، فأدرك على الفور أن القدر وضعه وجها لوجه أمام ياسين ، وأنه لن يخرج من المنطقة كما دخلها، فإما قاتلا وإما قتيلاً.

فاستدار نحو قمة التل الذي يعلو فتحة المغارة وأسقط حبلا تتدل منه حزمة من البوص المشتعل، وحملت الريح الدخان إلى فوهة المغارة وشعر ياسين بالاختناق، فاضطر إلى الخروج منها، ودارت بينهما معركة وأثناء المعركة حاول ياسين قتل محمد صالح، ولكن صالح كان أسرع منه وأطلق عليه أربع رصاصات أنتهت برصاصة فى قلب ياسين أنهت حياته على الفور.

وجد الجنود داخل المغارة المظلمة زوجة ياسين رضية (بهية) وطفله، و كانت زوجته تزغرد كعادة المصريات في الصعيد حين يسقط أزواجهن في المعارك، و يبدو أن محمد صالح لم يفهم هذا الأمر فاعتقد أن الزوجة فرحت لمصرع زوجها.

محمد صالح حرب ولد في قرية دراو بمحافظة أسوان، وهو من أصل سوداني، كان والده يعمل مديراً للجبخانة (مخزن السلاح) في أسوان، التحق صالح بالمدرسة الابتدائية في أسوان ثم انتقل لمدرسة خفر السواحل، وبعد تخرجه تدرج في المناصب العسكرية حتى أصبح وزيراً للحربية.

يروي لنا مهدي الحسيني رحلته لتقصي حقيقة بهية وياسين، فيقول تواعدت مع أحد أفراد قبيلة العبابدة لزيارة ما تبقى من أسرة ياسين في قرية صغيرة اسمها "الحصواية" شرق مدينة قنا، وهي مسقط رأس الفتى ياسين، وكان متزوجاً من ابنة عمه آمنة، وحينما ذهب إلى جنوب مصر عند الحدود المشتركة مع السودان لم تذهب معه زوجته وأم أولاده، فقد تزوج من فتاة أخرى اسمها رضية (بهية) أصحبت رفيقة سلاحه.

ويرى أن نقطة التحول في حياه ياسين هي اتفاقية السودان التي وقعتها الحكومه المصرية مع بريطانيا في 19 يناير 1899م في ظل غطرسة الاحتلال البريطانى لمصر، والتي وقعها بطرس غالي بإعتباره ناظر خارجية مصر واللورد كرومر المندوب السامي البريطاني.

لأول مرة في التاريخ تقوم حدود مسلحة بين مصر والسودان، مما أدى إلى قسمة القبائل التي تسكن هناك منذ آلاف السنين، إلى قسمين مصري وسوداني، بالإضافة لانقطاع طرق التجارة التي تعيش منها قبائل تلك المنطقة ذهاباً وإياباً، لتظهر بوادر التمرد بين قبائل الجنوب التي كانت وما زالت همزة الوصل الرابطة بين مصر والسودان، وكان ياسين جزء من هذا التمرد.

ويتعجب الحسيني ممن يرددون أفكاراً خيالية بأن ياسين كام لص خارج عن القانون، وأي قانون ؟! قانون الإنجليز ؟!، مضيفاً أنهم للآسف طبقوا هذه النظرية الخائنة على أدهم الشرقاوي، وغيره من أبطال الأمة المصرية على حد قوله. ومن مربعات حكاية ياسين:

ياوابور الساعة اتناشر

يا مجبل ع الصعيد

سلملي على الحبايب

يابو عجل حديد

عبادي يا واد عبادي

كرباجك ع الهجين

ونا كل ما اجول التوبة

ترميني المجادير

ويا بهية وخبريني ع اللي جتل ياسين

جتلوه السودانية من فوج ضهر الهجين

********

واللي يعادي العبادي

يعيش عمره حزين يعيش عمره حزين

ويا بهية وخبريني ع اللي جتل ياسين

جتلوه السود عينيه

من فوج ضهر الهجين

وياسين غرجان في دمه

خايف منه الحكيم

وياسين ملفوف في حرامه

خايف منه الحكيم

وبهية في المحاكم

شدت واحد وكيل

وانضر يا جاضي النيابة

جدامك مظاليم

جدامك مظاليم