جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 01:04 صـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هل مصر تواجه خطر حدوث مستنقع في ليبيا – ولماذا الموقف الأمريكي عديم اللون

ليبيا
ليبيا

لا تسحب مسدسًا، إلا إذا كنت مستعدًا لاستخدامه، تلك القاعدة الأولى التي يتم تدريسها لرجال الشرطة، وبالقياس كان ذلك المعنى ما قصده الرئيس عبد الفتاح السيسي حين حديثه عما يجري من أحداث في العمق الغربي – ليبيا، حيث رفض الصمت عما يحدث هناك إذا مثل خطرًا حقيقًا، وتحركت القوات المتمركزة في الغرب عبر مدينة سرت على الساحل الأوسط.

الإدارة السياسية في مصر تفهم جيدُا ما تعنيه، وتفهم أكثر ما ينصب لها من فخوخ في المحيط الليبي الذي تحول إلى مستنقع أرادت بعض الدول، أن تزج مصر فيه، وهو الأمر الذي ترقبه مصر بحيطة وحذر، من موقف قوة مشبوب بالبصيرة والإدراك، وهو ما جعلها حتى الآن في دائرة توازن ردود الافعال، برغم الأفعال الموجهة وحالة الاستفزاز الدائم.

لكن المثير للاهتمام والمتابعة موقف أمريكا، فقد تلاشت ليبيا من اهتمام الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وربما تحاول أن تعطي هذا الانطباع حول مصر، بل حاولت أمريكا أن تصدر فكرة أن مشكلات الشرق الأوسط مستعصية على الكثيرين، ولا تستحق المزيد من الأرواح أو الدولارات الأمريكية.

و حتى لو قبلنا هذه الحجة، فإن مصر على وجه الخصوص ما زالت مشكلة للولايات المتحدة، إن سكان مصر وموقعها الجغرافي ووزنها الثقافي يجعلها قوة قوية في كل الأشياء التي يهتم بها الأمريكيون في جميع أنحاء العالم، من مكافحة الإرهاب والسعي إلى منع انتشاره، وليس من قبيل المصادفة لأهمية الدور المصري في الشرق الاوسط، الذي دفع كلا من روسيا والصين حتى يستثمران في علاقات أقوى مع مصر.

الفوضى في لبيا

أما ليبيا، فهي في حالة فوضى منذ الانتفاضات العربية قبل عقد من الزمن، سقط معمر القذافي بعد 42 عامًا في السلطة، تاركًا وراءه القليل من المؤسسات ومجموعة من الشبكات الإجرامية التي تتاجر باللاجئين والأسلحة وأي شيء آخر يمكنهم الحصول عليه.

و في الوقت المناسب، ظهرت الحكومات المتنافسة، وكانت الحكومة الغربية الموجودة للبلاد نتاجًا لمفاوضات الأمم المتحدة في عام 2015 التي سعت إلى حل المطالبات السياسية والاقتصادية المتنافسة ؛ وخرجت الحكومة الشرقية من برلمان منتخب رفض اتفاقية الأمم المتحدة وتتماشى معها خليفة حفتر، وهو محسوب سابق للقذافي انشق، وأصبح أحد أصول وكالة المخابرات المركزية ، ثم عاد إلى ليبيا مع التركيز على السلطة.

أثبت حفتر أنه دبلوماسي ماهر، كان قادرًا على كسب الدعم من روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، وفي بعض الأحيان تمتع بدعم من فرنسا ومن الرئيس ترامب، وكان أساس استئنافه حجة مفادها أنه فقط يمكنه إنقاذ ليبيا من الفوضى وانعدام القانون، حيث انتشرت الجماعات الجهادية والمتاجرين بالبشر والمهربين وغيرهم في البلاد، وأصبح العالم بحاجة إلى النظام للخروج من ليبيا، بالإضافة إلى النفط.

ومع ذلك، أثبت حفتر كونه دبلوماسيًا أفضل من كونه جنرالاً، وتخلت عنه القوات التي أمر بها (ثم عاد في بعض الأحيان ، ثم أعيد التخلي عنها في بعض الأحيان) مع تغير الظروف.

وعلى الرغم من المساعدة الخارجية واسعة النطاق، إلا أن مسيرته في جميع أنحاء البلاد كانت متفاوتة، فشلت جهوده للسيطرة على طرابلس في غرب ليبيا، والأكثر ضررًا بمصالحه، اجتذب دعمًا تركيًا كبيرًا لأعدائه، وتمكينهم وتشجيعهم، يمكن أن يقاتل حفتر لكنه لم يستطع الفوز، وكان يفقد الأرض بشكل مطرد.

مع تراجع احتمالات فوز حفتر، كان لدى مؤيديه أفكار أخرى، ويبدو أن الإمارات تستكشف قيادة بديلة، ويبدو أن روسيا - الانتهازية دائمًا في ليبيا - تتراجع عن الدعم، ويبدو أن فرنسا قد استنتجت منذ فترة طويلة أن حفتر لم يكن قوياً بما يكفي، ويبدو أن دعم ترامب لحفتر - الذي ورد أنه تم التعبير عنه في مكالمة هاتفية في أبريل 2019 - قد تبخر.

وهذا يترك كله يترك المصالح المصرية على المحك السيسي، عشرات الآلاف من المصريين يعملون في ليبيا ، وعمل مئات الآلاف هناك في الماضي (وربما في المستقبل) ؛ الفوضى في ليبيا تعبر الحدود مع مصر بشكل أكثر ميلًا.

ورغم تعدد الحسابات واختلافها فلن تقبل مصر أن تقسم ليبيا، وإن كان ذلك في نهاية الأمر لا يشكل خطرًا حقيقًا، لكن الدور المصري في دعم الوحدة العربية والسعي إلى حل قضاياها عبر أزمنة طويلة كان دائمًا ضد التقسيم والتفريط.

لا شك أن تدخل مصر على أي نحو سوف يكون مرهقُا، وهي تدرك أن من جاذبية ليبيا للتدخل الأجنبي الخارجي هو ثروتها النفطية، وتقسيم البلاد سيجعل تقسيم غنائم النفط رياضة دموية، فالتاريخ المأساوي لجنوب السودان في الآونة الأخيرة هو مثال مؤلم لكيفية خطأ التقسيم في بعض الأحيان.

وبالعودة إلى ما قاله الرئيس السيسي، فالجميع يدرك أن الأداء العسكري لمصر على درجة عالية من الكفاءة، فقد خاضت مصر حربُا على الإرهاب في سيناء، والآن تسعى إلى حماية حدود كانت بالأمس عربية خالصة، ظهر فيها الطامعون وعشاق النفط.