جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 05:28 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أنجي الحسيني تكتب : لحظة حساب

قصة " لحظة حساب" للكاتبة أنجي الحسيني نشرت بتاريخ ٢١ أغسطس ٢٠١٧ تحت عنوان تناقض قبل أن تضمها المجموعة القصصية بعد الرحيل وقبل نشرها على موقع " من المصدر" فبراير ٢٠٢٠ثم وضعت على صفحة " تجارب في القصة القصيرة" على الفيس بوك بتاريخ ١١ أغسطس من الشهر الجارى وهو التاريخ الذي سرقت فيه فكرة القصة....

لحظة حساب :

بقلم الكاتبة : إنجي الحسيني

من المجموعة القصصية " بعد الرحيل "

أطفأت السماء مصابيحها فقد خيم الليل وأسدل الستار معلنًا نهاية يوم مع الوعد ببداية يوم جديد.

كم يعشق تلك اللحظة، لحظة مغيب الشمس ويتحين الوقت الذى يشعر فيه بالهدوء من حوله، فالكل ذهب ليرتاح وينام ويهنأ بأحلامه .. إلا هو .. دائمًا على موعد مع أفكاره .. فكم تؤرقه تلك الأفكار وتحرمه من لذة النوم رغم عشقه لليل البهيم

جلس على كرسيه المفضل متأملًا دخان سيجارة وترك دموعه تنسال بغزارة .. لم يكن أحدًا من معارفه ليصدق أن هذا الرجل القوى ذا الشخصية المتسلطة يمكنه البكاء.

لذا فقد انتظر نوم الجميع حتى يناجى نفسه .. أسند رأسه المثقل بالهموم للوراء قليلًا وأغمض عينيه وراح يستعيد أجمل ذكريات حياته ..

تذكر تلك الجميلة التى ذاب فى حبها ذوبًا، ولكن حالت الظروف دون زواجهما، مما اضطره ليتزوج قريبته بزواج تقليدى خالٍ من المشاعر متخليًا عنها بعد فترة قصيرة .. وقتها أحس أنه افتقد جانبًا كبيرًا من شخصيته وشعر بانكسار وانهزام أمام ظروف لم يملك أمامها أى ذنب.

كان فقيراً لكن ذكيًا ومتقدمًا بين أقرانه، وعلى الرغم من ذلك لم يكن هذا سببًا كافيًا لأهل محبوبته كى يقبلونه زوجًا لابنتهم صاحبة الحسب والنسب، فاسم عائلتها معروف بعراقتها وسلطاتها وثرائها الفاحش، فمن يكون هو ليصاهر هؤلاء ؟

ابتسم ساخرًا من نفسه وهو يتذكر لحظة الرفض وتلك الكلمة ترن فى أذنيه “من تكون ؟ “.

لكن روح العناد والإصرار دفعته للنجاح وأصر من أجل الوصول السريع أن يدوس ويدمر كل من يقف فى طريقه، ولم يأخذ بأى منافس شفقة أو رحمة، ولم يرحم توسلات البعض له،و لم يعرف إلا لغة المصالح وحديث المادة، حتى وصل إلى مُبتغاه.

انهمرت دموعه أكثر وأكثر وهو يتذكر كل من ظلمهم ورسم بدخان سيجارته صورًا متلاحقة لجرائمه … وسأل نفسه لماذا فرض على الجميع أن يدفعوا ثمنًا لظروفه هو، والتى لم يكونوا يومًا جزءًا منها.

شعر بالألم يعتصر قلبه لندمه الشديد على كل ما فعله فى حياته .. فمازال بداخله بقايا إنسان يشعر.

اعتدل فى جلسته فقد تناهى إلى مسمعه صوت أم العيال وهى تناديه هكذا هى بالنسبة له … زواج تحكمه اللغة التى برع فيها جيداً ” لغة المصالح “، فبعدما أصبح ذا شأن نوعًا ما بالمجتمع أراد أن يدعم النجاح بالارتباط بفتاة من إحدى العائلات المرموقة صاحبة السطوة والنفوذ، لتثبيت أقدامه والوقوف على أرض صلبة بزواج خال من العواطف ملئ بالمكاسب ..

عرج على الحمام أولًا وغسل وجهه بالماء البارد لعله يبرد جزءًا من النيران التى بداخله .. نظر للمرآة وشعر بالزهو، فهو فى أواخر الخمسينات ، رياضي وسيم تتهافت عليه النساء، ولكنه يبدو أصغر من عمره بعشرسنوات على الأقل… بل ويهرع إليه كل صاحب طلب ومصلحة للتودد إليه، فمنصبه يفرض ذلك مما يشعره بالرضا عن حاله.

ابتسم لنفسه وعدل من روبه الأنيق الباهظ الثمن ونفض عنه بضعاً من غبار سيجاره، وتغيرت ملامحه وصارت أكثر اصطناعًا.. وذهب للنوم مضطراً بجوار زوجته لكيلا تستيقظ وتسامره بأحاديثها الغبية المعتادة.